جوزيف ويستفول

ابتداء من ارتفاع مستوى مياه البحر عبر الكرة الأرضية، وذوبان الغطاء الجليدي في جزيرة جرينلاند، ووصولا إلى تبييض الشعاب المرجانية المحاذية لكثير من السواحل، باتت إشارات تغيّر المناخ تحيط بنا من كل حدب وصوب. وكمجتمع عالمي، لقد وصلنا الآن إلى مفترق حرج، حيث ستساعد القرارات التي سنقوم باتخاذها خلال القمة على تحديد شكل المناخ الذي سيولد فيه أطفالنا وأحفادنا.


إلا أن هذا الأمر لا يقتصر فقط على المستقبل. إذ إن هناك فوائد فورية ستنتج عن إزالة الملوّثات من بيئتنا: هواء أنقى، كلفة أقل للطاقة، وصناعات تنموية جديدة.


هذه هي الرهانات التي ستكون مطروحة أمام المؤتمر الـ21 لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ "COP21" في باريس، حيث سيجتمع فيه ممثلون من حوالى 200 دولة خلال الفترة ما بين 30 نوفمبر الماضي وحتى 11 ديسمبر الجاري، وذلك للتفاوض حول اتفاقية شاملة بشأن المناخ لعالم ما بعد عام 2020.


هناك الآن إرادة اجتماعية وسياسية أكثر من أي وقت مضى لأن نفعل شيئا حيال ارتفاع درجات الحرارة في العالم، وتأثيره المضاعف في البيئة. وقد أعلنت أكثر من 160 دولة، مسؤولة عن نحو 90 % من الانبعاثات العالمية عن أهدافها بشأن المناخ قبيل انعقاد المؤتمر. حيث تعتبر هذه خطوة واضحة إلى الأمام. وكنقطة مرجعية، لم تُعالج سوى نسبة 30 % فقط من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بموجب بروتوكول كيوتو عام 1997.


تتخذ الولايات المتحدة إجراءات جريئة بشأن تغيّر المناخ داخل الوطن، بينما نعمل مع الدول الشريكة لكي تحذو حذونا. فمنذ تولى الرئيس باراك أوباما منصبه، قامت أميركا بخفض انبعاثات الكربون، وضاعفت الإنتاج المحلي لطاقة الرياح ثلاث مرات، وزادت إنتاج الطاقة الشمسية 20 ضعفا. ولقد وضعنا معايير جديدة وصارمة قيد التنفيذ للاقتصاد في استهلاك الوقود، بحيث أصبحت مركباتنا تستهلك كميات أقل من الوقود، واستخدام الطاقة أكثر كفاءة، وتحققت حماية تاريخية لمساحات شاسعة من الأراضي والمياه للأجيال القادمة. وفي الوقت نفسه، كان الاقتصاد الأميركي يتوسع، مما يثبت أن التصدي لتغير المناخ مرتبط ارتباطا وثيقا بالنمو الاقتصادي.


وبالانتقال إلى المستقبل، ستقوم خطة الرئيس أوباما للطاقة النظيفة بخفض الانبعاثات الناتجة عن قطاع الطاقة في الولايات المتحدة، التي تشكل ثلث إجمالي انبعاثات الكربون في بلادنا، بنسبة 32 % بحلول عام 2030، وستوفر ما يزيد على 50 مليار دولار من التكاليف المرتبطة بالمناخ والصحة خلال هذه العملية.


ومع تعهّد دول مثل الصين والهند والبرازيل الآن بخفض الانبعاثات، أصبحت تتوفر أمامنا فرصة جدية لتنفيذ خطة تحويلية.


في باريس، ستضغط الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاقية فعّالة تستمر في قيادة الإجراءات الطموحة بشأن تغيّر المناخ من جانب جميع البلدان، مع إقرار الاختلافات فيما بينها. ونعتقد أنه ينبغي أن توفر هذه الاتفاقية إطار عمل طويل الأمد -مع مستويات عالية من الشفافية والمساءلة– مما يشجع الدول على زيادة أهدافها مع مرور الزمن. كما يجب أن تزوَّد البلدان المحتاجة بالدعم المالي والتقني لتطوير اقتصاد يعتمد على الكربون المنخفض والتكيف مع تغير المناخ.


وهنا في المملكة العربية السعودية، تحتل المملكة الدور الريادي من بين دول العالم لكونها موردا موثوقا به للطاقة لعقود من الزمن. إذ إن المملكة تتمتع بقدرة فريدة على توجيه الاستثمار وتحويله إلى ابتكارات تغير من الوقود والتقنيات القائمة والحديثة لتصبح أنقى المصادر للطاقة المحتملة.


كما نثني على حكومة المملكة عندما أعلنت عن خطتها الخاصة للحيلولة دون تجاوز الانبعاث السنوي في الجو من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بنحو 130 مليون طن بحلول عام 2030. فمن الصحراء الساحرة، والأميال الساحلية، والوظائف التي تأتي من تحريك اقتصادنا العالمي، فإن المملكة ستستفيد كثيرا من حمايتها من الآثار الضارة لتغير المناخ العالمي.


في الوقت الذي يجتمع فيه قادة وممثلون من كل دولة على وجه الأرض في باريس، تبرز فرصة تاريخية للتوصل إلى اتفاقية بشأن المناخ بعيدة المدى ودائمة. إننا نتمتع بالإرادة السياسية وبفيض من الدعم الاجتماعي اللازم لإنجاحها، ولكن ينبغي علينا أن نتحد سويا وأن نتحلى بالواقعية للتوصل إلى اتفاقية. من أجل سماء أكثر إشراقًا اليوم، وعالم أكثر أمنا غدا، الآن هو الوقت المناسب لشعوب العالم لكي تعمل.