محمد خروب
&
في انتظار الخامس عشر من الشهر الجاري, الذي حُدّد كموعد لاستئناف المفاوضات بين «طَرَفَيْ» الأزمة اليمنية، وعمّا اذا كان سيعقد اللقاء في احدى المدن السويسرية (وليس جنيف كما افاد المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ) أم لا، فإن ما يجري الآن في اليمن يشي بأن الاطراف كافة قد وصلت الى طريق مسدود، ولم يعد أمام الاطراف المُنخرِطة في حرب ضارية ومستمرة لمدة تسعة اشهر,سوى البحث عن حلٍ سياسي، بعد ان ادار ما يُوصف بالمجتمع الدولي ظَهْرَهُ لها وأغمض عيونه عن جرائمها وارتكاباتها، ولم تهتز «قِيَم» الذين يصدعون رؤوسنا بحقوق الانسان وقوانين الحرب وميثاق جنيف وغيرها من الوثائق والمعاهدات الدولية المتراكمة التي أعدّها خبراء الدول الغربية، ولا يتذكرها هؤلاء الاّ اذا مُسّت مصالحهم أو لحِقت بأحد حلفائهم هزيمة نكراء، عندها تبدأ رطانتهم وتُدشّن حرب التضليل الاعلامية الشرسة ويتم التلويح بالعقوبات والمقاطعات وغيرها من اساليب البلطجة الامبريالية المعروفة.
&
وحده اليمن (دع عنك فلسطين وشعبها) لا يحظى باهتمام دولي، اللهم الاّ في ارسال مبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة، يكون دائماً - وهذا ليس صدفة - عربياً، حتى يَسْهُل على الاطراف المعنية ركله واتهامه بالانحياز وتسييس «جنسيته»، والتعاطي معه كأنه ممثل لبلاده وليس للمنظمة الدولية، ما يُضفي الرتابة على مُهِمته ويُسرّع افشالها او اطالتها حتى يُحقّق احد الطرفين انتصاراً على الآخر، كما حدث مع جمال بن عمر «الجزائري»، ويحدث الآن مع الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ أحمد.
&
ثمة اذاً موعد جديد جرى الاتفاق عليه، بعد ان انهارت كل المحاولات السابقة وخصوصاً في انتزاع موافقة الطرف الذي يقوده الرئيس عبدربه منصور هادي المدعوم من التحالف لإعلان هدنة انسانية، سواء في الأعياد «الاسلامية» كعيد الفطر ولاحقاً الاشهر الحُرُم في موسم الحج وعيد الأضحى، والرفض غير المُبرّر لدعوات المنظمات الانسانية فتح ممرات انسانية لايصال المساعدات الغذائية والطبية والانسانية لملايين اليمنيين الذين يعيشون ازمة انسانية حادة يفاقمها الحصار البحري الذي تفرضه اساطيل دول معروفة، كما تقول تقارير المنظمات الدولية.
&
ولان أحداً لا يُجادل بأن تسعة اشهر من القتال الضاري والعبثي ايضاً, لم تُسفِر عن نتيجة تُذكر سوى الامعان في تدمير اليمن وارجاعه الى القرون الوسطى عمراناً وبنى تحتية ومؤسسات ومرافق عامة وكل اسباب الحياة, فإن من المفيد التذكير هنا، بأن اليمنيين يدفعون من دمائهم ومستقبل ابنائهم ثمن الصراعات اعلى النفوذ والهيمنة, اكثر مما تحاول وسائل الاعلام تسويقه والايحاء بأن «طرفين» في اليمن يتقاتلان أحدهما باسم الشرعية والاخر يقود انقلاباً لم يكتمل بعد ان سيطر على العاصمة صنعاء وكاد أن يبسط قوته على جنوب البلاد, لولا حسابات سياسية واخرى استراتيجية وثالثة لوجستية وخصوصاً رابعة لها علاقة بالادوار والتحالفات وفرض قواعد لعبة جديدة بعد أن تعثرت المشاريع المعروفة (اقرأ فشلت) في سوريا والعراق ولبنان.
&
ما قبل الخامس عشر من كانون الاول الجاري, سيكون فرصة لاختبار النِيّات وخصوصاً في محاولة تحقيق اختراقات ميدانية على جبهتي تعز ومأرب, تسمح لمن ينجح في تحقيق ذلك من استخدامها «ورقة» رابحة على طاولة المفاوضات (إن التأمت ) وانتزاع تنازلات من الطرف الآخر, والا فإن مصير المفاوضات العتيدة سيكون الفشل, بعد أن فقد كل منهما القدرة على المضي قُدماً في «الحل العسكري»، حيث «فشله» المدوي بارز على الحائط اليمني, والذي تُؤكد جهات دولية بأن الحرب المنسية هذه، قد استنفدت طاقتها ودورها، وليس أمام الطرفين سوى الجنوح الى السلم والتوصل الى حل وسط لا يُلحق «الهزيمة» بطرف ولا يكسر ارادة طرف آخر, لأن اليمن يبقى لأهله وشعبه.
&
الحوثيون, كما انصار علي عبدالله صالح هم يمنيون اصليون بصرف النظر عن مواقفهم السياسية وايديولوجياتهم التي قد لا تعجب اطرافاً اخرى خصوصاً غير اليمنية التي لا تستطيع مهما بلغت قوتها ونفوذها ان تشطبهم من الفضاء اليمني, ما بالك ان «داعش» و»القاعدة» حاضران بقوة في المشهد الدموي هذا، وما اغتيال محافظ عدن مؤخراً والهيمنة الامنية لداعش في معظم احياء حاضرة الجنوب (عدن) سوى الدليل الابرز على البديل الذي يُحضِّر نفسه في حال شطب الحوثيين وانصار صالح.
&
المؤشرات تشي بأن «الطرفين» قد تَعِبا وأُرْهِقا وباتا امام ساعة الحقيقة، فالمكابرة لا تُفيد والعِناد انتحار وميادين المعركة تعكس الاخفاقات والفشل, وليس من سبيل لتفادي سيطرة الارهاب سوى المفاوضات واعلان دائم لوقف نار انساني... وعسكري، في الآن ذاته.