علي إبراهيم
نكسة ماري لوبان وحزبها في انتخابات المناطق الأخيرة في فرنسا وعدم الحصول على أي منطقة، نبأ سار لكل من يدرك خطورة الطرح الذي يسوقه هذا التيار المتنامي أخيرًا في أوروبا، ليس على القارة العجوز وحدها ولكن على الأمن والسلم العالميين، وهو تيار لا يختلف كثيرًا عن بعض التيارات الراديكالية المتشددة التي ترى العالم ساحة صراع وحرب فقط.
وبينما يظهر المسلمون كهدف لهذه التيارات في أوروبا، فإن الحقيقة الموضوعية تقول إنهم مجرد شماعة تعلق عليهم المشكلات، فقد قادت التيارات المتطرفة في أوروبا، مثل النازية والفاشية، العالم إلى حربين عالميتين وصل عدد ضحاياهما إلى نحو 40 مليون قتيل بخلاف المشردين والمنكوبين. وكانت نتيجة الحرب الأخيرة، التي اتحدت فيها قوى متنافرة آيديولوجيًا، مثل أميركا والاتحاد السوفياتي والصين، تأسيس النظام العالمي بمؤسساته الحالية مثل مجلس الأمن والأعضاء الخمسة الدائمين أصحاب الحق في الملكية العلنية للسلاح النووي واستخدام الفيتو.
لم تفز جبهة لوبان، لكن الخطر لا يزال قائمًا، خاصة في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي تضع ماري لوبان عينها عليها، وكل أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا ترصد صعود الجبهة الوطنية في فرنسا، باعتبارها إحدى القوى العظمى داخل الاتحاد الأوروبي، وتستطيع أن تحدث تيار تغيير في القارة.
كل أحزاب اليمين المتطرف داخل أوروبا تشترك في خطاب التخويف مما تقول إنه أسلمة للقارة التي تشترك دولها في التراث المسيحي، وقد أعطت موجة اللاجئين الضخمة القادمة من سوريا وقودًا لخطاب التخويف الذي يستخدمه اليمين المتطرف بين الرأي العام من أن هؤلاء سيحدثون تغييرًا ديموغرافيًا داخل الاتحاد، ويغيرون نمط الحياة وطريقتها لشعوب القارة. وقبلها أعطت موجة العمليات الإرهابية في باريس، والملاحقات التي جرت في بروكسل، وقودًا للخطاب الدعائي لليمين المتطرف.
لا ينكر أحد أن هناك مشكلة داخل الدول الإسلامية من جانب جماعات التطرف واستخدام العنف، ووقوع شبان وشابات من جاليات إسلامية في أوروبا في مصيدة هذا التيار وتسفيرهم إلى سوريا للقتال واستخدامهم في الحرب الدعائية، ورغم أن قصص هؤلاء تستهوي الإعلام، فإنهم في النهاية أقلية.. قد يكونون بالمئات لكنهم في النهاية نسبة ضئيلة بين جاليات إسلامية أوروبية بالملايين يعيشون في سلام وينبذون التطرف.
وما يدعو للثقة وعدم القلق هو عدم تمكن جبهة لوبان من الفوز بالدورة الثانية، بعدما اتحدت أحزاب مناوئة لها من اليمين واليسار، لمنعها من التقدم خطوة إضافية، وهو ما يظهر صلابة أفكار الجمهورية، فليس معقولاً أن تقع فرنسا في قبضة اليمين المتطرف من الداخل بينما هي نفسها كانت ضحية احتلال نازي في الحرب العالمية الثانية.
مع ذلك، يتعين القول إن هناك حاجة لبذل جهد داخل الجاليات الإسلامية في أوروبا لمنع وقوع أبنائها في شبكات المتطرفين، وكذلك الاندماج في مجتمعاتهم، فليس صحيحًا أن يعيش بعضهم فيما يشبه غيتوهات خاصة بهم، كما يتعين على الدول التي يحملون جنسياتها، أن تقوم بجهد في ذلك، فليس معقولاً أن تحارب التطرف في الخارج وتترك بعض دعاة التطرف والكراهية في مساجد ثبت أنها بؤر تجنيد. إن التطرف هو في النهاية حالة ضياع اجتماعي بصرف النظر عن الديانة والجذور الثقافية.
&
التعليقات