رضوان السيد
منذ عام 2007 تدعو المملكة العربية السعودية للحرب على الإرهاب. والمعروف أن معظم دول الخليج العربية دخلت في حملة الولايات المتحدة على الإرهاب عام 2014. ووقتَها أبت روسيا وتركيا وإيران ومصر والجزائر الدخول في الحملة، لأسباب مختلفة، وإن ذكرت جميعاً أنها تدعمها، وخلال عام ونصف حدثت متغيرات كبيرة. فرغم إغارات مئات الطائرات ما فقد «داعش» غير ربع مناطقه، ثم إن تجنيده للشبان ما تراجع، وأمواله لم تنقص كثيراً، بل استطاع نشر إرهابه في العالم الأوسع. وقد تكوَّن تحالف آخر ضد الإرهاب عماده روسيا وإيران والعراق والسلطة السورية. بينما انضمت تركيا للتحالف الدولي، وهي تخشى «الدول» الكردية على حدودها، والأعمال الإرهابية بداخلها من الخلايا النائمة لـ«داعش»، ومن متحالفي العلويين والأكراد. وإيران لا تستطيع ترك هذا الجهد الهائل يضيع رغم الخسائر الكبيرة. وعلى أي حال فإن الهجمة الروسية أفادت بشار الأسد وإيران وضايقت تركيا التي لاذت بالأطلسي، وأظهرت تقارُباً أكبر مع العرب.
ما علاقة هذا كلّه بالتحالف الإسلامي ضد الإرهاب؟ العلاقة هي أن معظم «الإرهابيين» عرب، وهم موجودون في بلدين عربيين ويسيطرون على قسم من أراضيهما. وقد طالت الحرب، وصارت جزءاً من الصراع الدولي، وتناقضت فيها المصالح. فكان لابد من تحالُف تقوده السعودية، وينخرط فيه ذوو المصلحة الفعلية في إنهائه من العرب والمسلمين، فهذا التطرف القاتل هو انشقاقٌ في مذهب أهل السنة، لذلك فإنه يركّز على قتل إنسانهم وتخريب بلدانهم بحجة تصحيح الدين. إن هذا الانشقاق استغلته الدول القريبة والبعيدة، وكل منها لقضاء مصالح معينة. فنحن العرب وحدنا وعلى وجه الخصوص أصحاب المصلحة المؤكدة في إنهاء الحروب في اليمن وسوريا والعراق وليبيا والصومال.. الخ. ولن يستطيع ذلك إلاّ تحالُفٌ تقوده إحدى دولنا الكبرى.
وقد نصّ بيان التحالف على خوض النضال الفكري إلى جانب العسكري في مكافحة الإرهاب. والصراع الفكري ضروري جداً، لأنّ «داعش» انشقاقٌ ديني، وهو ما يزال يجذب العناصر فُرادى وجماعات. لذا ينبغي أن يصبَّ الجهد على الصراع العسكري بالطبع، بيد أن الصراع الفكري لا يقلُّ أهمية وصعوبة عن الصراع القتالي. فنحن نكافح انشقاقاً ليس مسالماً، بل هو انشقاق مقاتل. لذلك ينبغي مقابلته بالقتال لأنه يريد إقامة دولة على أنقاض دولنا. وهو انشقاق مكفِّر، لذلك يستحلُّ المقاتلة والقتل في صفوفنا وفي العالم. لذلك ينبغي من الناحية الفكرية القيام بأربعة أمور: العمل لكف اندفاع الشبان باتجاه «داعش» والمتطرفين الآخرين بإثبات خطأ مقولات الولاء والبراء والتكفير، إذ هو أمر غير معقول في الإسلام عموماً وفي مذهب أهل السنة خصوصاً. والعمل الفكري على خطأ اعتبار أعمال «داعش» القتالية بديار المسلمين أو بغيرها جهاداً تجوز المشاركة فيه. والعمل الفكري على نقض اعتبار النظام السياسي ركناً من أركان الدين يجب إقامته، ويكفر من لم ينهض لبيعة إمامه! فما كان نظام الخلافة أو السلطنة جزءاً من الدين في عصر من العصور، بل هو بحسب تقريرات الفقهاء مصلحي وتدبيري، فالإسلام ليس ديناً ودولة كما زعم «البنّا» ومشايعوه ثم قاعديو وداعشيو اليوم! والعمل الفكري والديني على تغيير الخطاب في المساجد والدروس ومناهج التعليم فيما يتعلق بعيش المسلمين فيما بينهم وعيشهم في العالم.
التحويلات التي تمت عبر سبعة عقود وشكّلت انشقاقاً في الدين، لا يمكن إزالتُها خلال سنواتٍ قليلة. إنما يجب البدء اليوم بالإجراءات العاجلة، وتلك التي تتأخر نتائجها لكنها تترك تأثيرات عميقة، وأتصور الأمر على النحو التالي:
- إقامة جماعات متخصصة من المؤسسات الدينية العربية في الشؤون الدعوية والإعلامية ووسائل الاتصال، ولابد من العمل الإفرادي والجماعي الآن في الإعلام ضد «داعش».
- برامج وطنية، وأُخرى عربية وإسلامية عامة في الشؤون الإعلامية والدينية والثقافية.
- لجان متخصصة في الشأن التربوي والتعليمي، تعيد النظر في برامج التعليم الديني، وتفيد من برامج التربية المدنية وحقوق الإنسان في العالم.
&
التعليقات