سالم الكتبى
&
كشف التقرير الخاص بنتائج التحقيقات البريطانية حول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين عن جوانب خطيرة فى أنشطة الجماعة فى البلاد، حيث جاءت نتائج التحقيقات على عكس ماكانت الجماعة تأمل وتتمنى تماماً، فقد كشفت التحقيقات عن أن عضوية الجماعة أو الارتباط بها يجب أن يعد مؤشرا محتملاً للتطرف، مايعنى أن أعضاء الجماعة وأنشطتها باتوا من الآن تحت الرقابة الأمنية بحكم نتائج هذه التحقيقات.

يعتقد البعض أن التقرير الذى خلص إلى أنه لا ينبغى تصنيف الجماعة كتنظيم ارهابى ولا ينبغى حظرها، يعد مكسبا استراتيجيا للإخوان المسلمين، ولكن هذه الرؤية التحليلية غير دقيقة ويجانبها الصواب لأن الجماعة كانت تنتظر أن تبرئ التحقيقات البريطانية التى تجرى منذ أبريل 2014 ساحتها من الارتباط بالعنف والإرهاب بغض النظر عن إجراء الحظر أو الإدراج ضمن تنظيمات الإرهاب، ولكن من يتمعن فى قراءة الفقرات التى أعلنت من التقرير يتوصل بسهولة إلى أن التحقيقات لم تستطع الغوص فى بئر أسرار الجماعة ودهاليزها فى بريطانيا، إذ يدرك أى متابع للشأن البريطانى وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين هناك أن عناصر الجماعة كانت حريصة منذ أن وطئت أقدامها أرض بريطانيا منذ عقود طويلة مضت على العمل بسرية تامة استعداداً للحظة حساب وفحص كانت تثق الجماعة أنها قادمة لا محالة.

النتائج كانت مفاجئة للجماعة وأزعجتها ودفعتها إلى إصدار بيان للشجب وإعلان الغضب واتهام الحكومة البريطانية بسوء النية، فالعلاقة بين بريطانيا وجماعة الاخوان المسلمين ليست وليدة الأمس القريب ويدرك غالبية الباحثين والمتخصصين أبعادها وخباياها ويعرفون أنها ليست علاقات عادية أو عابرة، فهى علاقات معقدة تنطوى على مزيد من السياسة والأمن والاستخبارات فضلا عن الجذور التاريخية للعلاقات التى تعود إلى المراحل الأولى من نشأة جماعة الإخوان المسلمين خلال فترة الاستعمار البريطانى لمصر وتحديداً فى عام 1928، حيث نشأت الجماعة فى أحضان معسكرات الجيش البريطانى فى مدينة الإسماعيلية المصرية، وتفاصيل هذه العلاقات ترصدها وتؤرخ لها كثير من المراجع والأدبيات الصادرة فى الشقيقة مصر وغيرها من الدول. كما يمكننى القول أيضا أن علاقة جماعة الاخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات والحركات الإسلامية التى توصف بالجهادية بالاستخبارات الغربية التى مولت هذه الجماعات والتنظيمات ودربتها واستخدمت عناصرها خلال فترة الحرب الباردة، وتحديداً فى أثناء الاحتلال السوفيتى لأفغانستان خلال حقبة الثمانينيات، هى علاقات مؤكدة وموثقة، ويعتقد كثير من المتخصصين أن جزءا من هذه العلاقات لا يزال قائما حتى اليوم، وبالتالى من الصعب على الطرفين إنكارها والتنصل منها تماماً.

وبناء على ماسبق، يمكننى القول إن مسألة حظر جماعة الإخوان المسلمين فى بريطانيا لاتخضع للتحقيقات القانونية والأمنية كما فى بعض الدول العربية والإسلامية، فهناك شق سياسى أمنى فى هذه العلاقات ربما يحول دون الانتقال إلى هذه الخطوة فى الوقت الراهن على الأقل. وبالتالى فإن النقطة الأهم فى نتائج التحقيقات هو ما توصلت إليه من قناعات وليس ما يترتب على التقرير من توصيات وما ينبثق عنه من قرارات، علماً بأن الجانب البريطانى قد أكد أن قرار حظر الجماعة من عدمه فى بريطانيا لا يزال قيد المراجعة ما يعنى أن النقاش حول هذه المسألة لم يحسم رسمياً بعد.

وقد أكد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون أن التقرير خلص إلى أن بعض أقسام حركة الإخوان المسلمين لهم علاقة ملتبسة جدا بالتشدد الذى يقود إلى العنف، وأضاف كاميرون أن التقرير وجد أن لفروع الجماعة صلة بما وصفه بالتطرف العنيف، وأن حكومته ستكثف مراقبتها بشأن آراء وأنشطة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

هناك إذن نقطتان مهمتان فى التقرير البريطانى الذى يدين الجماعة من دون الانتقال إلى حد حظرها، أولاهما تتعلق بأن التحقيقات لم تبرئ ساحة الجماعة من تهمة الارتباط بالعنف والإرهاب، بل أكدتها ووثقتها وأضافت مزيدا من الشكوك حولها، لاسيما حين اعتبر التقرير أن »لأقسام من حركة الإخوان المسلمين علاقات غامضة جدا مع العنف المتطرف، فقد كانت - كعقيدة وكتنظيم - جسرا عبر من فوقه بعض من الذين انخرطوا لاحقا بالعنف والإرهاب« ولاشك فى أن هذه العلاقات الغامضة ستنال الجانب الأكبر من التحقيقات الغربية فى هذا الشأن، والنقطة الثانية تتعلق بكون جماعة الإخوان المسلمين بوابة الدخول الأساسية لتنظيمات الإرهاب، فهى بالفعل الحاضنة الأكبر التى تتربى فيها عناصر التطرف والإرهاب، وهى المفرخة الحقيقية التى يغفل عنها الجميع بدعوى أن الجماعة لا تمارس العنف بشكل علني! علما بأن من ينشر الفكر أخطر عشرات المرات من الذى يترجم هذا الفكر إلى سلوك ارهابي، فالفكر هو الأساس والمحرض الأساسى على ارتكاب الجرائم الإرهابية وغرس الحقد والضغينة فى المجتمعات بما يقود فى النهاية إلى حالة من الاستنفار تنتهى غالباً باعتداءات إرهابية.

وأعتقد أن نتائج هذا التقرير البريطانى مفيدة لاسيما على صعيد النقاشات الدائرة حول تجفيف منابع الإرهاب، حيث يسلط التقرير الضوء على المنابع الأصلية للفكر المتطرف، الذى تستلهم منه تنظيمات الإرهاب فكرها وعقائدها الأيديولوجية العقيمة. كما أن هذه النتائج مفيدة لجهة تقييد أنشطة الجماعة وعناصرها فى بريطانيا، فلم تعد بريطانيا منذ الآن »الجنة« التى تتخذ منها الجماعة منطلقا لمؤامراتها وخططها فى الدول العربية والإسلامية، ولكن علينا أن نتابع هذا المسار جيدا إذ إن تاريخ علاقات الاخوان المسلمين مع الدول الغربية ملىء بالصفقات والمؤامرات على الدول والحكومات، وبالتالى من الوارد أن تتغير المعطيات فتتغير المسارات والمصالح فى النهاية متغيرة ومتقلبة فى مثل هذه الملفات المعقدة.

وإذا كانت بريطانيا ـ بما تمتلك من تاريخ ومورث كبير مع جماعة الإخوان المسلمين ـ قد توصلت إلى اقتناع بأن عناصر الجماعة لها علاقة بالعنف والإرهاب، فحرى ببقية دول العالم الانتباه إلى نتائج التحقيقات البريطانية وفتح ملف جماعة الاخوان المسلمين على أراضيها، والبحث عن ارتباطات الجماعة بتنظيمات ومنفذى العمليات والاعتداءات الارهابية الأخيرة سواء فى فرنسا أو الولايات المتحدة أو غيرهما من الدول.

&

&