سلمان الدوسري

لم تكن الميزانية السعودية هذا العام تشبه نظيراتها في الأعوام السابقة، منذ أول ميزانية أعلنت في عام 1934 وبلغت 3.7 مليون دولار. لم تكن المفاجأة في العجز الذي كان مرتفعًا وفي الوقت نفسه أقل من المتوقع (98 مليار دولار)، ولم تكن في الإنفاق الذي كان أعلى مما هو متوقع (224 مليار دولار).. المفاجأة الحقيقية في جسارة الحكومة وطرقها بابًا تأخرت فيه سنوات عديدة لأسباب سياسية واجتماعية وأسباب أخرى متعلقة ببنية الدولة وهيكلتها، بتأسيسها برنامج عمل متكاملاً لإصلاح الاقتصاد السعودي وإعادة هيكلته، بحيث لا يستمر في الاعتماد على إيرادات النفط، فقط، كما كان سائدًا طوال العقود السابقة، بقدر ما يتحول إلى اقتصاد قوي وحقيقي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل وتكثر فيه فرص العمل وتقوى فيه الشراكة بين القطاعين العام والخاص.


الخطوة السعودية لتصحيح مسار اقتصاد مترهل استمر طويلاً في ظل النفط، تقضي بأن يبدأ التحول إلى اقتصاد يعتمد على «تطوير الخدمات ورفع كفاءة الإنفاق العام وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد مع مراعاة الآثار السلبية على المواطنين، بالإضافة إلى التنافسية في بيئة وكفاءة الأعمال»، وفق ما قاله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وقد تكون خطوة رفع الدعم التدريجي عن أسعار الطاقة هي الخطوة الأبرز في البرنامج الحكومي القادم؛ فمن غير المعقول أن تقدم الحكومة عشرات المليارات لأكثر من ثمانية ملايين عامل أجنبي، وعشرات المليارات أيضًا لمواطنين لكنهم غير مستحقين لهذا الدعم. أما بالنسبة للشرائح التي يمكن أن تتضرر من رفع الدعم هذا، فهنا يأتي دور الحكومة بالتأكد من أن رفع الدعم لن يؤثر بدرجة كبيرة عليهم، وتعويضهم بما يوازي ما يمنع عنهم أي ضرر مستقبلي، وكذلك ضمان وصول الدعم للمستحق الفعلي من المواطنين، وهو ما شدد عليه خادم الحرمين الشريفين بتأكيده على «مراعاة الآثار السلبية على المواطنين».


وفقًا لتقرير دعم الطاقة الصادر من الأمم المتحدة، فإن السعودية تدعم الطاقة (الكهرباء والوقود) بـ44 مليار دولار سنويًا، وليت المشكلة تكمن في هدر مالي مروع، بل في أن الدعم يعد أسوأ وسيلة لإفساد عادات الشعوب وتحويلها لنمط استهلاكي، كما أن الأخطر هو دعم الاستهلاك ذاته، بمعنى أنه كلما زاد الاستهلاك، زاد الدعم دون أن يكون هناك حد أعلى، ناهيك بأن دعم الطاقة أثبت عدم فاعليته من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، باعتبار أن ما يسمى «الدعم المعمم للأسعار»، لا يتم توجيهه نحو الفئات المستحقة، وليس له مردود اجتماعي كأداة للحماية الاجتماعية. صحيح أنه قد يصل إلى الفقراء، إلا أن أكثر المستفيدين منه من الأغنياء الذين يستهلكون قدرًا أكبر من السلع المدعومة.


الاحتياطات النقدية الوفيرة التي تتمتع بها المملكة ودينها العام المنخفض للغاية، يعني أنها تستطيع مواجهة تداعيات هبوط أسعار النفط لعدة سنوات مقبلة، إلا أن تفاقم العجز قد يقلص هذه الاحتياطات بوتيرة سريعة، ومن يدري؛ فقد يصحو السعوديون يومًا وقد تبخرت احتياطاتهم النقدية بينما أسعار النفط لا تزال متدنية.


في النهاية لا أحد يختلف على أن هناك آثارًا سلبية لأي إصلاحات اقتصادية في العالم، لكن كلما تأخرت عملية إصلاح جذري للاقتصاد السعودي وتنويعه، كما في خطة التحول الوطني المزمع الإعلان عنها قريبًا، كانت النتائج أكثر صعوبة وأصبح العلاج أقسى وأشد مرارة.
&