فايز الفايز

&

&

&
لم يكن ينقصنا بعد أربع سنوات من الحفاظ على الحدود الشمالية الساقطة عسكريا في سوريا إلا أن ينهار جدار طاحونة الجعجعة الدمشقية ليتسابق رهط النظام لاتهام الأردن بأنه يدرب مجموعات مسلحة ويزج بها الى الأراضي السورية، كل هذا يقال وأكثر بعد كل ما فعله جيش النظام ومليشياته وأعوانه، وفتح الأراضي السورية لمليشيات حزب الله ومليشيات قاسم سليماني والبراميل المتفجرة وحرب الإبادة التي شرعنت دخول التنظيميات الإرهابية للأراضي السورية عن طريق تركيا والعراق وليس الأردن الذي لو فعل لسقط نظام الأسد منذ ثلاثة أعوام.


لا يزال يتذكر الأردنيون أمسهم القديم في نزاعه السياسي والوجودي مع أنظمة الحكم العربية المجاورة ، فذات التهم بالتخوين والتآمر تسلخ جلده ، فيما ينسى عجائز النظام السوري ممن لا يزالون على قيد الحياة ولم تطلهم يد الموت بمسدسات النظام، ينسى هؤلاء معسكرات التدريب التي كانت موزعة على طول الأراضي السورية وسهل البقاع اللبناني لتدريب الإرهابيين العالميين لغايات تقويض الأنظمة وزعزعة الأمن في الدول التي لا تسير في ركب دكتاتوريتهم.
الاردن ليس ليبيا القذافي حيث حياكة المؤامرات ودعم الثورات واختطاف المسؤولين هواية الرئيس ، ولا يؤوي إرهابيين ومجانين ينفذون طلبات ضباط النظام ويخطفون الطائرات ويسقطونها أو يغتالون الشخصيات الدينية والسياسية والإعلامية ، بل إن مشكلة الأردن أنه لم يتعامل مع الأشقاء بنفس الأخلاق التي تعاملوا معه بها ، فليس من باب الأدب التأدب في مخاطبة أو الرد على خطاب وقح ، حيث شخصيات النظام السياسية كالنائحات المستأجرات للمآتم في مصر القديمة ، يتباكون على سوريا وهم الذين نحروها منذ أول يوم هتف فيه طفل درعاوي ضد النظام الذي لا يملك جرأة تخيل أن هناك شخصا حرّا في بلده يمكن أن يعطس في وجه السيد الرئيس.
في مقابلته مع قناة «بي بي سي» البريطانية ، لم ينكر الرئيس بشار الأسد بجزم أي من الاتهامات ضده وضد جيشه بارتكاب مجازر ضد المدنيين أو استخدام البراميل المتفجرة أو حتى قصف مدرسة أطفال في القابون ، فهو استخدم كل الفذلكات اللفظية التي يظنها دبلوماسية لتسمية الشمس الساطعة بغير اسمها ، فالبراميل المتفجرة هي قنابل بالصفة الرئاسية، واستهداف مدرسة أطفال هي نتائج جانبية وطبيعية في القتال ضد المتمردين ، والتواصل مع الأمريكيين هو تكتيك عسكري للسماح لطيران التحالف قصف أوكار الإرهابيين ، ثم يصر على أنه لن يقف مع «دولة تدعم الإرهاب» ، يا إلهي وأين كان صبري البنا ومنظمته وأين كانت زعامات المليشيات المدعومة من دمشق حيث تسرح طيلة عقود ثلاثة في مرابع دمشق.
الأردن يعاني اليوم من أزمته مع المتناقضات الخارجية والداخلية ، أما الداخلية فبإمكانه السيطرة عليها من خلال وعي الشعب الأردني حين لا يسمح لأي كائن كان أن يهدد أمنه الداخلي حتى ولو بالكلام والتحريض وتداول الشائعات والإفراط في التحليل والتعليل والتدخل في الشؤون العسكرية ، فأخبار الأسبوع الماضي عن تحرك للجيش كانت مجتزأة وغير مفهومة لمن تحدث بها ، وهي لا تغدو عن إعادة تموضع لتشكيلات القوات المسلحة لتأمين وحماية الحدود، وليس لدخول أي حرب خارج الوطن.
أما التناقض الخارجي فليس أهمه تصريحات أزلام النظام السوري وقطط الصحافة الجائعة في بيروت وغيرها ، بل بتعاطي الدول المهمة كالولايات المتحدة مع الأردن الحليف القوي ، فلا يمكن أن تخضع عملية تزويد الأردن بما يحتاجه من أسلحة وذخيرة ثقيلة ووسائل تحديث الى كل ذلك النقاش والتلكؤ ما بين الكونجرس والبيت الأبيض ، ورغم أن الموقف الأردني مع التحالف واضح فإن مواقف الدول الداعمة غامض جدا، ومن حق المواطن الأردني أن يسأل إن كان الأردن هو وحده الذي سيقاتل نيابة عن الأمة ، ومن حقه أن يسمع ما سمعناه من صاحب القرار مباشرة أنه لا يمكن أن نرى «الفرقة الثالثة» على الأراضي السورية أو العراقية ، ولا حرب برية في الأفق.من هنا يجب أن تعلم دمشق أن الأردن بشعبه وجيشه ونظامه صفا واحدا داخليا لا يتآمرون ضد أحد وليبحثوا عمن يورطهم في حربهم التي لن تنتهي ببقائهم سالمين ، فتفريخ تنظيمات الإرهاب هي لعبتهم التاريخية ، وانسحابهم من معظم مناطق السنة في شرق سوريا هي الخطوة الأولى التي سلموا فيها البلاد للتنظيمات وعلى رأسها داعش التي تمنع المدنيين في الرقة من الخروج لحماية تنظيمهم ، فيما براميل النظام لا تصلهم بل تسقط على مدارس الأطفال في المناطق المأهولة بالمدنيين، فمن يرعى الإرهاب يا ترى؟!
&