&

&

&

&

&عبدالعزيز صباح الفضلي&

منذ أن مدح النبي عليه الصلاة والسلام قائد الجيش الذي سيفتح القسطنطينية بقوله «لتُفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش»، ومحاولات المسلمين لفتحها لم تتوقف، ابتدأت هذه المحاولات منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، مرورا بالصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان، ثم جاءت محاولات أخرى في العهد العباسي قام بها الخليفة هارون الرشيد، ثم توالت المحاولات في عهد السلاجقة، إلى أن تم الفتح على يد محمد الثاني والذي لقّب بعد ذلك بمحمد الفاتح عام 857 هـ الموافق لعام 1453 للميلاد، أي بعد أكثر من 800 عام من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على فاتحها.

كانت القسطنطينية العاصمة الشرقية للكنيسة الرومانية، وكانت من أكثر مصادر الخطر والتهديد لبلاد الإسلام، وبفتحها تم إخماد ذلك الشر، وتم بعدها استكمال الفتوحات الإسلامية في أوروبا.

إن فتح القسطنطينية لم يأت بين ليلة وضحاها، فلقد حاول «مراد السادس» والد محمد الفاتح فتح القسطنطينية لكن الظروف لم تساعده، لذلك حرص على أن يكون الفتح على يد ولده محمد.

هيّأ السلطان مراد ولده لهذه المهمة منذ صغره، فاهتم بالجانب الإيماني والعسكري والعلمي، فلقد أتم محمد الفاتح حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة، وخصص له والده بعض العلماء ليلقنوه العلم الشرعي ومنهم «اسماعيل الكوراني» ثم لازمه الشيخ «أق شمس الدين» والذي صاحبه إلى يوم الفتح.

درس الرياضيات والفلك، وتعلم فنون القتال والحرب، وتعلم لغات عدة ومنها اللغة العربية والفارسية واللاتينية، وتولى إمارة «مغنيسيا» قبل الثامنة عشرة من عمره ليتدرب على الحكم والقيادة، وبعد وفاة والده السلطان «مراد» تولى الخلافة وهو في سن الثانية والعشرين.

ومنذ لحظة توليه الخلافة بدأ «محمد الفاتح» الاستعدادات لفتح القسطنطينية، فأرسل العلماء والوعاظ لتحفيز الناس وتشجيعهم للمشاركة في فتح المدينة، وتذكيرهم بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام السابق ذكره.

وأنشأ مراكز لتدريب المقاتلين، واستعان بعالم مجري اسمه «أوربان» وهو خبير في التصنيع العسكري، واستطاع تصميم ما عرف بعد ذلك «بالمدفع العملاق» والذي تمكن من خلاله أن يدُك أسوار القسطنطينية ويحطمها، وتم تصميم أبراج مرتفعة تساعد المقاتلين على الوصول إلى أعلى الحصون، وأمر ببناء سفن ضخمة تحمل المقاتلين وتساهم في إحكام الحصار على المدينة بحريا، كما جهز أكثر من ربع مليون مقاتل للمشاركة في هذه المعركة.

وبعد إتمام الاستعدادات انطلق الفاتح لتحقيق الحلم الذي راوده، وقام بمحاصرة المدينة 53 يوما استطاع بعدها أن يفتح المدينة وينهي حكم الدولة البيزنطينية، ويقضي على التهديدات التي كانت تنطلق منها ضد المسلمين وقام بتسمية المدينة بـ«إسلام بول» أي دار الإسلام، وتم تحوير اسمها بعد ذلك لتعرف بـ«اسطنبول».

ما أردت توضيحه بسرد قصة فتح القسطنطينية هو التأكيد على فكرة المقال السابق «الانقلاب وحرق المراحل» وهو أن أي هدف تسعى لتحقيقه لا بد له من إعداد جيد يتناسب مع حجم الهدف الذي تطمح إليه، وأن عليك ألا تستعجل قطف الثمرة قبل نضجها.

وهنا لا أدري ما الذي يغيظ البعض عندما أقوم بالثناء على الرئيس التركي «أردوغان» وأذكر أهم انجازاته، فيكفي أنه رئيس منتخب، وهو من سعى لتحجيم دور المؤسسة العسكرية لتكون في خدمة الشعب لا أن تتسلط على رقابه، يكفي الانجازات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، يكفي دفاعه عن حقوق الشعوب الإسلامية، البعض يتحدث عن الخمور في تركيا، ولا يفتح شفته بحانات الخمور المنتشرة في بلده!! وآخر يدقق على المراقص وأماكن الفاحشة، ولا يرى دور الدعارة المرخصة في دولته!، وآخر يتكلم عن مواجهة تركيا للمسيرات والمظاهرات التخريبية وقمعها، بينما يصمت عن قتل الداخلية للمتظاهرين السلمييين في وطنه!

بالفعل الإنصاف عزيز في هذا الزمان.

&