كلاوديا جازّيني، أسندر العمراني: تمشي الأمم المتحدة على حبل رفيع في ليبيا،&الشهر الماضي اتخذ مجلس الأمن قراراً بإدانة تنظيم الدولة الإسلاميّة – وهو آخر الفاعلين من غير الدولة الذي ظهر في الفوضى الحاليّة. وبسبب هذا التهديد، يزداد الضغط على الأمم المتحدة للتخفيف من حظر السلاح الدولي المفروض منذ أربع سنوات، للسماح بتوريد السلاح إلى الجيش الوطني الليبي لمحاربة تنظيم «الدولة».
&
إلا أن هذه خطوة ستكون سيّئة للغاية، ومن شبه المؤكد أنها ستُفشِل المحادثات الجارية بواسطة الموفد الأممي برناردينيو ليون، وتقضي على أيّ أمل في حل سلمي، وتوجِد تربة خصبة لازدهار الجماعات الجهاديّة.
&
ليبيا منقسمة بين برلمان مُنتخب منذ حزيران (يونيو) 2014، ومقره مدينة طبرق المطلّة على الساحل الشرقي، والبرلمان السابق ومقرّه طرابلس، ولكل منهما حكومة وميليشيات موالية له. كما أن ما يسمّى الجيش الوطني الليبي - الموالي لبرلمان طبرق برئاسة اللواء خليفة حفتر، والذي أعلن في بداية عام 2014 رغبته في الانقلاب على الحكومة الموحّدة آنذاك – لا يتعدّى بكثير كونه ائتلافاً من الميليشيات، تماماً كما نجد على الجانب الآخر.
&
في هذه الفوضى، ازدهرت جماعات إسلاميّة متشدّدة. بعضها، أمثال أنصار الشريعة، انبثق من المجموعات الثورية التي حملت السلاح ضد نظام القذافي عام 2011، وتلقت الدعم من حلف شمال الأطلسي، ومن ثم اتّجهت نحو مزيد من التطرّف. وبعضها الآخر، أمثال تنظيم الدولة بفروعه الثلاثة - ولاية طرابلس وولاية برقة وولاية فزّان - هو ظاهرة جديدة ومستوردة جزئياً، قام في الأشهر الأخيرة بتجنيد عناصر من المجموعات التي كانت موجودة مسبقاً، أمثال أنصار الشريعة والمجموعات التي كانت موالية للقذافي سابقاً في مدن مثل سرت ونوفليّة.
&
وتغذّت هذه المجموعات على الاقتتال خلال العام الماضي، كما أنّ ضبابيّة الحرب والتضليل المتعمّد من الخصوم الرئيسيين في ليبيا لم يساعدا على الحدّ منها.
&
من جانب معسكر طبرق، فإنّ قادة مثل اللواء حفتر، لا يفرّقون بين قوات «فجر ليبيا» - وهي ائتلاف من الميليشيات الموالية لحكومة طرابلس - وتنظيم «الدولة».
&
وفي الجانب الآخر، يصوِّر معسكر طرابلس كلاً من حكومة طبرق وتنظيم «الدولة» على أنهما مواليان للقذافي، كما يعتبر اتّهام معسكر طبرق بارتباطه بتنظيم الدولة بمثابة اختراع ملائم لأغراضه. وبانخراط الطرفين في التقاتل، فإنهما يتجاهلان أنّ تنظيم «الدولة» يعتبر جميع الفصائل مرتدّة ويدعو الى القضاء عليها.
&
في إشارة الى المعارك بين أنصار طبرق وأنصار طرابلس في بنغازي، قال ناشط من تنظيم «الدولة» لمجموعة الأزمات الدوليّة عبر الهاتف، إنه «ما دامت المعركة مستمرة في بنغازي بين المعسكرين، سيستمر ازدهارنا». المشكلة في توريد السلاح للواء حفتر على وجه الخصوص، أنه في الشهر الماضي أظهر تعريفه الواسع للتطرّف بقصفه مطار معيتيقة في طرابلس، والذي يستخدم للطيران المدني، في إطار ما يعتبره حملة مكافحة الإرهاب. هذا الهجوم الذي حدث بالتزامن مع محادثات السلام المدعومة من الأمم المتحدة في المغرب، والذي دانته الأمم المتحدة بحزم باعتباره انتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار، أكدّ دور حفتر المفسد والمدمّر.
&
وفي أي حال، تبقى محادثات الأمم المتحدة أفضل أمل لإنهاء النزاع في البلاد، فهي، وباستثناء الجهاديين المتطرفين، تستند إلى إشراك كل الأطياف السياسيّة في ليبيا ومن ضمنها الإسلاميون والمتشددون، كما تسعى الى إنشاء حكومة وحدة وطنية قادرة على استعادة الاستقرار.
&
إن السماح بتوريد المزيد من الأسلحة في هذا النزاع، لن يساعد على وضع حدّ له. ولن تستطيع الأمم المتحدة السيطرة على أين أو ضد من ستستخدم هذه الأسلحة التي ستسمح بإدخالها فحسب، بل ستفشل أيضاً في تحديد الجهة التي ستسيطر على الأسلحة في نهاية المطاف. كما أنّ هناك أدلة تشير إلى أن الأسلحة التي قُدّمت سابقاً (في شكل غير قانوني) للجيش الوطني الليبي من مموّليه في الخارج، قد انتهت في السوق السوداء، حيث بإمكان أي جهة شراءها، بمن في ذلك الجهاديون.
&
صحيح أن حظر السلاح المفروض حالياً لم يوقف تدفّقه، فقد عثرت لجنة من خبراء الأمم المتحدة على كميّات كبيرة من الأسلحة، كان قد تم إيصالها إلى ليبيا من المنطقة وخارجها. وهنالك مزاعم بأنّ شحنات نوعيّة من الأسلحة قد أُرسلت من مصر والإمارات العربية المتحدة إلى معسكر طبرق خلال العام الماضي، وأخرى من قطر والسودان وتركيا إلى معسكر طرابلس. على رغم ذلك، يبقى حظر السلاح مهمّاً. ومن المرجّح أن يقلل الحظر من تدفّق الأسلحة من خلال جعل توريد بعض أنواع الأسلحة الثقيلة أكثر صعوبة، ولكن الأهم من ذلك، أنّ إبقاء حظر السلاح سيظهر أنّ المجتمع الدولي يدعم السلام عن طريق التفاوض ولا يدعم طرفاً واحداً في النزاع.
&
وسيشجّع حدوث تحوّل في موقف مجلس الأمن، انتشار الأسلحة في ليبيا وخارجها، وسيساعد تقدّم تنظيم «الدولة الاسلاميّة» والجماعات المتطرفة الأخرى التي تتغذى على الفوضى والعنف، وبالتالي، سيؤجّج نيران النزاع التي تحاول الأمم المتحدة إخمادها. عندما تؤلَّف حكومة وحدة وطنية، يجب على هذه الهيئة الواسعة التمثيل أن تقوم بردّ منسّق وجدّي، وبدعم كامل من المجتمع الدولي، ضد أي جهة لا تُظهر رغبة في التوصل الى السلام، بما في ذلك تنظيم الدولة وأمثاله. حتى ذلك الحين، على أعضاء مجلس الأمن إبقاء حظر الأسلحة على ما هو عليه الآن، وبذل كل الجهود الممكنة لمنع توريد الأسلحة إلى أي من الطرفين، ودعم التوصّل إلى حل سياسي للصراع.