هشام ملحم
&
مرّة أخرى تشهد مدينة اميركية أعمال عنف وشغب بسبب مقتل شاب اميركي - افريقي خلال احتجازه لدى الشرطة في ظروف مريبة. هذه المرة وصل العنف الى مدينة بالتيمور التي تبعد نصف ساعة عن واشنطن، والتي تحولت شوارعها عقب جنازة الشاب فريدي غراي، ساحات مواجهة بين الشرطة ومتظاهرين مراهقين وشباب بينهم افراد من عصابات معروفة وادت الى جرح العشرات.
&
ونجحت اقلية من المشاغبين في تحويل التظاهرات السلمية اعمال نهب وشغب شملت حرق عشرات المحال التجارية والسيارات وحتى الصيدليات. ومنذ مقتل الشاب الاسود مايكل براون في مدينة فيرغسون، بولاية ميسوري الصيف الماضي، وهو الحادث الذي فجر موسم التظاهرات، قتل 14 شاباً خلال احتجازهم لدى الشرطة نصفهم من أصل افريقي. ولشرطة بالتيمور سجل سيئ في معاملة الشباب السود اذ تبين انها اضطرت الى دفع ستة ملايين دولار لتعويض ضحايا عنفها في السنوات الثلاث الأخيرة.
&
ومرة اخرى، يجد الرئيس أوباما نفسه في وضع صعب وهو يحاول التوفيق بين متطلبات حفظ الامن والنظام والتنديد بالمتظاهرين العبثيين الذين يدمرون أحياءهم الفقيرة اصلا، وضرورة معالجة مشكلة العنصرية المزمنة في المجتمع الاميركي وما يتفرع عنها من تحديات اجتماعية واقتصادية مثل انعدام فرص التعليم والتوظيف للشباب السود في المدن، ومعدلات البطالة العالية التي تصل أحياناً الى 50 في المئة في صفوفهم، ومضاعفات تفكك العائلة السوداء، و "غياب" الشباب السود.
&
أوباما الذي لم يستطع اخفاء احباطه وغضبه، حين قال إن هذه الحوادث تعكس ازمة قديمة تتحرك ببطء وطالب بمراجعة ذاتية نقدية، مشددا على انها تتخطى البعد الامني وتعكس انهيار الحياة الاجتماعية والروابط العائلية في الاحياء الفقيرة، وغياب الآباء، وشيوع المخدرات وغياب فرص العمل والتعليم. والاحصاءات في هذا السياق مروعة، اذ تبين ان مليوناً ونصف مليون من الرجال السود بين سني الـ24 والـ58 هم "مفقودون" من الحياة المدينية إما لأنهم يموتون في شبابهم، وإما لانهم في السجون.
&
بعد كل مدينة تلتهم بعض احيائها نيران التظاهرات والعنف، ترتفع الاصوات التي تدعو الى "نقاش" صريح للعلاقات بين السود والبيض، وكأن النقاش يبدأ للمرة الاولى، وكأن مشكلة العنصرية ليست قديمة وتعود جذورها الى ما قبل تأسيس الجمهورية الاميركية، أو كأنها لم تكن من أبرز الاسباب التي أدت الى الحرب الاهلية وهي الاكثر دموية في تاريخ البلاد. رئيس البلاد أسود، وزيرة العدل سوداء، رئيسة بلدية بالتيمور سوداء ورئيس شرطة المدينة أسود. الا ان "النظام" السائد لا يزال غير منصف للكثير من السود. وثمة مخاوف حقيقية من ان تواجه البلاد صيفاً حاراً آخر.