مأمون فندي
ماذا يعني توقيع الاتفاق الإطاري بين مجموعة الخمسة زائد واحد أو مجموعة الستة الكبار في العالم وإيران، في لوزان السويسرية الأسبوع الفائت، بالنسبة لملامح شرق أوسط جديد؟ هل ستحمَّل عربة الاتفاق الإطاري بقضايا أخرى تجعل العربة تنقلب بمن فيها، ولا يصل الاتفاق إلى مرحلة التوقيع في 30 يونيو (حزيران)، أم سيبقى الاتفاق على المستوى الضيق خفيفا كي تمر العربة بسلام بين ألغام المتشددين في الكونغرس الأميركي، وفي إيران وفي إسرائيل وحتى عالمنا العربي؟
قد يحمِّل الإيرانيون الاتفاق بضاعة أخرى مثل إنهاء الحصار الاقتصادي وليس تعليقه، وقد يحملونه قضايا نفوذهم في المنطقة، كما سيحمِّل رئيس الوزراء الإسرائيلي الاتفاق شرط اعتراف إيران بإسرائيل، كما جاء في تصريحاته الأخيرة. ومن طرفنا كعرب نريد تحميل الاتفاق أيضا قضايا تدخل إيران الفج في الأراضي العربية. فهل كل هذا سيُنجح التوصل إلى اتفاق أم يقتله في مهده، وهل سيكون كل هذا ضمن لقاء الرئيس الأميركي بقادة دول الخليج في كامب ديفيد لتخفيف الأحمال عن اتفاق يبدو هشا في أول ملامحه؟ وهل سيحول الاتفاق باراك أوباما إلى نيكسون في انفتاحه على الصين، التي تحولت بعدها إلى غول اقتصادي ينافس أميركا ذاتها؟ أم يتحول أوباما إلى ريغان الذي أدى انفتاحه على غورباتشوف إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي؟ وهل كل هذه المخاوف من هنا إلى يوم توقيع الاتفاق قد تكون عبئا لا يوصلنا إلى نقطة التوقيع؟
كل هذه الأسئلة تبحث عن إجابات ليست سهلة.
ولكن الأهم بشكل استراتيجي (لو تم الاتفاق) هو نقل أسلوب العمل في منطقتنا من مدرسة «العنف والحروب هما الحل» إلى مدرسة «الدبلوماسية هي الحل». فرغم صعوبة المفاوضات بين الدول الستة الكبار وإيران، فإن الإصرار على الحل الدبلوماسي كبديل عن ضرب إيران قد أدى في النهاية إلى نتيجة حفظت ماء وجه كل الأطراف وحققت الهدف الذي هو تأخير البرنامج النووي الإيراني لعقدين من الزمان، على الأقل.
لقد حصلت إيران كنظام على نافذة فرصة لإقامة علاقات جديدة مع الغرب والعالم من خلال هذه المفاوضات، وحصلت أيضا على حقها في استمرار برنامجها النووي تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعلى السماح لها بعدد من محركات الطرد المركزي، ربما أكبر بكثير من المتوقع بما يكفيها في أي لحظة أن تصنع القنبلة في أقل من عام، إذا ما فشل الاتفاق.
كتبت في هذه الصحيفة قبل نحو أربع سنوات، ما يفيد بأن إيران دخلت المفاوضات على طريقة المساومة (المفاصلة) في البازار أو السوق المحلية، عندما أصدر مجلس الأمن يوم 23 ديسمبر (كانون الأول) 2006، قراره رقم 1737 بالإجماع التام، الذي يهدف إلى فرض عقوبات على إيران إن لم تعلق أنشطتها في تخصيب اليورانيوم، كان رد الفعل الإيراني هو أنه قرار «بلا قيمة»، وأنه ليس أكثر من «قطعة من الورق». لكن ما أثار قلق المجتمع الدولي وملأ شاشات التلفزة، هو إعلان إيران أنه سيتم تركيب ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي جديد في منشأة ناتانز. وبالفعل، أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية عزمها على وضع ثماني عشرة وحدة، تتكون كل منها من 164 جهاز طرد مركزي، أي بمجموع يقارب ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي.
الرقم الذي ادعت إيران أنها تمتلكه، هو أقل بكثير من الرقم الذي تعرفه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعرفه كذلك المعاهد والمؤسسات الدولية الاستراتيجية، والذي لا يتجاوز 164 جهاز طرد مركزي، أي ما يشكل وحدة واحدة فقط لإنتاج الماء الثقيل (One Unit).
إيران، بالطبع، لم تكن ساذجة عندما ادعت أنها تمتلك ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي؛ أي ما يعادل ثماني عشرة وحدة، فهذا كاف لكي تستطيع تخصيب كمية من اليورانيوم قادرة على إنتاج قنبلة واحدة.
النقطة هنا هي أن السيد حسن روحاني وفريقه حققا لإيران ما تريد، كما أن الوزير الأميركي جون كيري حقق لأميركا ما تريد من الاتفاق، وهو تأجيل بلوغ إيران عتبة الإنتاج النووي لعشرين عاما قادمة.
لكنه نقل القيادة الإيرانية من عالم العنف والتدخل الفج، إلى عالم الدبلوماسية والمفاوضات كوسيلة لحل الخلافات الدولية.
نقل إيران إلى عالم التفاوض في الملف النووي، يأخذها إلى عالم التفاوض أيضا في العالم التقليدي الخاص بقضايا التدخل والنفوذ في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج.
أمام إيران فرصة، فتحها الاتفاق الإطاري لإعادة تأهيل نفسها داخل الأسرة الدولية، بدلا من بقائها ضمن عالم الدول المارقة، ولكن هذا سهل قوله عن تطبيقه، فإعادة تأهيل إيران يعني انفتاحها على العالم وعندما تنفتح الأنظمة المغلقة تنهار، كما حدث للاتحاد السوفياتي في عهد غورباتشوف. فهل ستعاني إيران روحاني نفس المشكلة بعد تطبيق الاتفاق؟ هذا التخوف لا بد وأن يكون هاجسا يتملك القيادة الإيرانية، فدولة الثورة الإسلامية لا تستطيع الحياة دونما تصدير آيديولوجيا الغضب ضد العالم، فهل هذه هي الأجندة الخفية تحت هذا الاتفاق؟ هل تقارب ريغان مع غورباتشوف الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي، أم هو تقارب نيكسون مع الصين الذي أدى إلى ظهور الغول الاقتصادي الذي نراه اليوم؟
وهل حرب اليمن التي عجلت بالاتفاق النووي ستؤدي إلى انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة؟
أسئلة الاتفاق النووي كثيرة، ومع ذلك التوصل إلى اتفاق سيكون أفضل للمنطقة واستقرارها، ولكن الألغام كثيرة من مجلس الشيوخ الأميركي الذي اقترب كثيرا من حافة الـ68 صوتا لعرقلة فيتو الرئيس إلى غضبة إسرائيل نتنياهو إلى المتطرفين في منطقتنا.
إذا ما وصل الاتفاق إلى نقطة التوقيع، فقد يكون أوباما قد استحق أخيرا جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها في بداية رئاسته.
على العرب التركيز في هذا الاتفاق وتفاصيله المعقدة، لأن تبعاته على العرب لا تقل عن تبعات الاتفاق على إيران نفسها.
علينا كعرب أن نركز لكي نعرف هل إيران تمارس الشفافية أم التقية الاستراتيجية؟ فالاتفاق لا يضع التخصيب الموجود في المواقع السرية العسكرية ضمن صلاحيات وكالة الطاقة. ممارسة التقية بشكل يومي يجعلنا نفكر فيما إذا كان الاتفاق شفافا أم هو نوع من التقية؟ أمر النووي الإيراني معقد جدا، ويجب علينا أن نفتح أعيننا بشدة، لأنه اتفاق مع الغرب، ولكن العرب هم الصفقة في النهاية.
التعليقات