حسين شبكشي

عشت طفولتي في لبنان، وكانت أول أيامي وسنواتي الدراسية في بيروت. في ذلك المجتمع «الكزموبوليتاني» الذي اشتهرت به هذه المدينة الساحلية على ضفاف المتوسط.


مجتمع يجمع كل الملل والطوائف والأديان والمذاهب في عيش مشترك، فيه كثير من المد والجزر والصعود والهبوط بحكم التشنج السياسي والارتباك الاقتصادي والتجاذب الاجتماعي، ولعل العرب بشكل عريض «مصدومون» (ومعهم حق في الحكم هذا) بصعود التيار المتشدد والإرهابي التكفيري في شكل حزب الله في لبنان ذلك البلد المعروف بانفتاحه وقبوله على كل التيارات والتوجهات الفكرية بكل أشكالها، والتعايش السلمي واحترام الفروقات مهما بلغت، لذلك هناك من يصدم، وهو محق، أن أكثر تيار وحزب متطرف ومتشدد هو هذا الحزب في هذا البلد.


من كان يسمى ذات يوم «بسويسرا الشرق» تحول إلى هذا الوضع، فحجم التوغل والتهديد والتنفير والتضييق الذي يمارس من أتباع حزب الله على أنصاره وعلى أبناء الطائفة التي ينتمي إليها، وعلى «الآخرين» بمختلف أشكالهم وانتماءاتهم وميولهم، بات لا يمكن إنكار آثاره السلبية والخطيرة على السلم الأهلي للمجتمع اللبناني نفسه، حتى تسبب في هيمنة الحزب على الطائفة و«شيطنتها» في أعين الجميع، ولذلك من المهم تذكير الناس بوجود أصوات عاقلة وطنية عربية شجاعة وشريفة من الطائفة، تتحدث ضد هذه الموجة، وتسبح ضد التيار الوحشي الجارف، وتغامر بـ«حرب» نفسية واجتماعية عليها بشكل مقنن ومقصود وممنهج.


كنت أسكن مع والدي في لبنان بجوار النائب البعلبكي المرموق (والذي جاء بعد ذلك رئيسا لمجلس النواب وحضر اتفاق الطائف) السيد حسين الحسيني، الرجل الوطني المخلص والعروبي الأصيل، الذي لا يوافق على الكثير من المهاترات التي تحصل، وهناك النائب السياسي المحترم أحمد الأسعد سليل أسرة الأسعد العريقة، هو أيضا لا يوافق أبدا على تصرفات وتجاوزات فريق حزب الله وسياساته، وهناك العلامة السيد علي الأمين سليل الأسرة العلمية العريقة، الذي يقوم بمحاولات أسطورية لسد باب الفتن، والاعتراض الصريح على خطف الطائفة إلى الخطاب الإيراني المتشنج، الذي سيلهب وضع الطائفة في محيطها العربي الصرف (وهي مسألة تنبه إليها في السابق الشيخان محمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله، وغيرهما).


وهناك في نفس النطاق الديني أول أمين عام لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي، الذي لا يتوقف عن التنديد بأفعال حزب الله، ويعارض بقوة حربه في سوريا، وهناك في عوالم الصحافة أقلام حرة وشريفة مثل حازم الأمين، ومالك مروة (نجل مؤسس جريدة «الحياة» كامل مرة)، وديانا مقلد، الذين يتبنون خطا وطنيا شريفا وصادقا ومحترما، يعترض على التصرفات الهوجاء للحزب، التي تزيد حدة التطرف والتشدد وتخرج الطائفة من محيطها العربي لصالح احتلال فكري وديني إيراني.


وطبعا، هناك حالة نديم قطيش الإعلامي المهني الوطني الذي يقوم بدور شبه أسطوري وبطولي في فضح وتفنيد أكاذيب وافتراءات حزب الله ومن هم معه وعلى شاكلته. هناك الكثير من الأسماء الوطنية من الطائفة التي تعترض وترفض أن «تخطف» ويهدد مستقبلها تحت «وطأة» سلاح حزب الله نظريا وعمليا ويدركون أن تأييد حزب الله هي مهمة انتحارية من الناحية السياسية والاجتماعية مهما طال الزمن أو قصر. وهم حزب الله بدأ كثير يدركونه على الصعيد العام وحتى داخل الطائفة نفسها.