&&محمود يوسف

&

&

&

تعالت في الآونة الأخيرة أصوات عديدة تنادي بضرورة تجديد الخطاب الديني وتطـويره. وقد صدرت هذه المطالبات عن السياسيين والإعلاميين بل ومن الدعاة أنفسهم. وقد استندت هذه المطالبات علي ملاحظات تجسدت في عزوف بعض الجماهير عن المضامين الدينية التي تقدم من خلال الاتصال المباشر عبر المساجد، أو من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية. كما رفع بعض الناس مطالبات تتعـلق بضعف فاعلية الخطاب الديني، فلم يعد جاذباً للانتباه ولا مشتملاً علي الآليات التي تؤدي إلي الإقناع. كما ارتأي قطاع من الجماهير أن الخطاب الديني لا يتلاءم وقضايا العصر. فهناك قضايا عديدة طرأت علي الواقع المعاصر ويحتاج الناس إلي معرفة رأي الدين فيها.

&

&

مفهوم تجديد الخطاب الديني: تجديد الخطاب الديني هو جزء أصيل من ثوابت الإسلام، أشار إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم «إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها».

&

ويقصد بتجديد الخطاب الديني تناول القضايا المعاصرة التي لم تكن موجودة في زمن التنزيل، ومن أمثلتها: زراعة الأعضاء، وأطفال الأنابيب، والتعامل مع البنوك، وتداول الأسهم والسندات. وهذه القضايا وأمثالها يجب علي العلماء الذين يملكون أدوات الإجتهاد التفاعل مع قضايا العصر بشرط معرفة اللسان العربي المبين، وما يتعلق به من نحو وصرف وبلاغة، وحفظ القرآن الكريم، ومعرفة أسباب النزول، والإلمام بتفسير القرآن الكريم، وكذا المعرفة بالسنة النبوية الشريفة وضوابط الأسانيد، وعلم الجرح والتعديل. كما يجب أن يكون المجتهد عالماً بالتاريخ الإسلامي في عصوره المختلفة ومُلماً باجتهادات السابقين.

&

وأن يعرض اجتهاده في إطار عدم التعصب له وإنما في إطار «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» كما ينبغي أن يكون المجتهد ملماً بطرق الاجتهاد كالإجماع والقياس والاستصحاب وسد الذرائع والعرف والمصالح المرسلة... الخ.

&

كما تتضمن عملية تجديد الخطاب الديني تناول القضايا التقليدية في ثوب عصري فمن المعلوم أن المسلم في كل زمان ومكان في حاجة إلي معرفة العبادات والمعاملات وهذه قضية ما تزال مطروحة حتي الآن. لكن الجديد فيها هو معالجتها بأسلوب العصر، ولاسيما أن القرآن الكريم أشار إلي أهمية توصيل المضمون الديني بطريقة تحقق التأثير «وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» (القصص-51) فكأن القرآن الكريم يشير صراحة إلي ضرورة الاهتمام بالآليات التي تؤدي إلي الإقناع، والتي توصل إليها علماء الإعلام في القرن العشرين. وقد أشار علماء الإعلام إلي أن أي مضمون يجب أن يكون مستوفياً لعدة شروط، وأن يعكس عدة خصائص حتي يقود إلي الإقناع.

&

وهذا ما يدفعنا إلي القول إن مفاهيم الإعلام وعلوم الإعلام يجب أن تشكل جزءاً رئيسياً من ثقافة الداعية وسواء كان التناول الديني مشتملاً علي قضايا معاصرة، أو قضايا تقليدية فإنه يجب أن يجذب الانتباه، ويراعي المصالح الإنسانية، ويحترم عقلية الجمهور، ويشتمل علي الأدلة والشواهد التي تقود إلي الإقناع، كما يجب أن يستخدم هذا المضمون استعمال التخويف إن دعت الضرورة، بالإضافة إلي استخدام آليات التكرار المتنوع الذي لا يسبب الملل للمتلقي. كما يجب أن يتضمن هذا الخطاب تنويعاً للأسلوب ما بين الخبر والإنشاء، والتوضيح من خلال ضرب للأمثال، واستخدام الأسلوب القصصي. ومن عجب أن آليات الإعلام المعاصر لها جذورها في القرآن والسنة، لكننا إما غير واعين بها أو مدركين لها. والسؤال الذي يطرح نفسه هل الخطاب الديني الذي يقدم اليوم يعكس هذه الخصائص والسمات؟ الجواب بكل تأكيد لا وإلا ما طالب الناس بضرورة تجديده.

&

وإذا أردنا أن نضرب مثالاً علي كيفية الاستفادة من آليات الإعلام المعاصر وتوقفنا عند خاصية جذب الانتباه، وجدنا أن علماء الإعلام يشيرون إلي أن آليات جذب الانتباه تتمثل في البدء بأدوات الاستفهام والبدء بأدوات النداء، واستخدام النداء المتبوع بالاستفهام، وذكر المعني مجملاً ومتابعة الإجمال بالتفصيل وكل هذه الآليات ورد ذكرها في القرآن الكريم. فاستخدام أداة الاستفهام ورد في قوله تعالي: «هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً» (الإنسان 1) « قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (سورة المؤمنون 84). ونستطيع أن نذكر شواهد قرآنية علي أساليب الإقناع المعاصر، والتي سبقت الإشارة إليها والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتغافل الدعاة عن استخدام هذه الأساليب؟!

&

إن المجامع الفقهية مطالبة بالتفاعل مع قضايا العصر عبر طرق الاجتهاد المعروفة، بحيث يتوافر للدعاة رؤية الدين لعلاج هذه القضايا. ومطلوب من الدعاة اليوم الاطلاع علي هذه الاجتهادات، واستخدام آليات الإقناع المعاصرة.

&