شمسان بن عبد الله المناعي
حرب نعيشها ولا نراها وهي من أشد الحروب.. إنها الحرب النفسية التي تهزم العدو معنويًا ونفسيًا قبل أن تبدأ الحرب التقليدية. والمبدأ الذي تقوم عليه هذه الحرب هو «خاطب عقولهم وستتبعك أرواحهم وقلوبهم». ترفع الكثير من دوائر الحرب النفسية في وكالات الاستخبارات الدولية هذا الشعار كمبدأ رئيسي في عملها. في العصر الحديث، شكلت هذه الحرب الأدوات الأمضى باعتبارها سلاحا متعدد الاستخدامات والميادين، فكان ما يُصطلح على تسميته بـ«العمليات النفسية» التي تهدف إلى «إيصال معلومات ومؤشرات محددة إلى الجمهور للتأثير على عواطفهم ودوافعهم وتفكيرهم». يقول تشرشل: «كثيرًا ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ»، ويقول ديغول: «لكي تنتصر دولة ما في حرب فإن عليها أن تشن الحرب النفسية قبل أن تتحرك قواتها إلى أرض المعركة، وتظل هذه الحرب تساند هذه القوة حتى تنتهي من مهمتها». أما رومل فيرى أن «القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم» ويضيف الدكتور حامد زهران «وتعتبر الحرب النفسية أضمن سلاح تستخدمه الدول في الحرب الحديثة لأنها تقوم بالدور الفعال في قتل إرادة ومعنويات الخصم.. والحرب النفسية من أهم موضوعات الساعة وهي أخطر أنواع الحروب».
الحرب النفسية (Psychological Warfare) أو ما تسمى بالحرب اللانمطية في علم النفس العسكري، هي الحرب التي نعيشها ونشعر بتأثيرها علينا ولا نعرف من أين تأتي، وهي من أشد أنواع الحروب فتكًا، فهي تستهدف تحطيم معنويات وعزيمة الشعوب أولاً وتدمير الإنسان من الداخل قبل أن تستهدفه من الخارج، وأكبر دليل على ذلك ما قامت به جماعات الحوثيين من التمدد إلى صنعاء بمساندة قوات علي عبد الله صالح وبالأموال التي تمدها إيران وبدأت بنشر الإشاعات والأكاذيب في الداخل والخارج ضد السلطة الشرعية بأنها ضعيفة في مقابل قوة الحوثيين وسرعة انتشارهم وسيطرتهم على صنعاء وتهويل المواقف لكي يشعر الإنسان اليمني والخليجي بالخوف والهلع، ولكن في المقابل كانت هناك قوات التحالف العربي تعد العدة لحرب أخرى لا تقل أهمية عن حرب «عاصفة الحزم» تخوضها دول التحالف العربي وهي الحرب النفسية التي بدأت قبل ومع «عاصفة الحزم»، فأول عنصر من هذه الحرب النفسية أن دول التحالف أخذت في اعتبارها هذه الحرب وهو عنصر المفاجأة للعدو، فلقد ترك الحوثيون يتقدمون إلى صنعاء مع قوات علي صالح إلى أن وصلوا إلى أبواب عدن وكان عنصر المفاجأة بـ«عاصفة الحزم» لهم الذي جعلهم يضربون في كل اتجاه دون هدف مما مكن قوات التحالف الشعبي التي تحارب مع الحكومة الشرعية من أن تكسب كثيرا من المواقع. وأهم من ذلك أن هذه الحرب رفعت من معنويات الإنسان العربي الذي ظل لمدة طويلة يشعر بالإحباط بسبب تمدد إيران في معظم الدول العربية ولم تجد من يردعها، فهي من ساندت النظام السوري وهي من جعلت طائفة الشيعة الموالية لها تحكم العراق، ولذا فنجد أنه لما قامت «عاصفة الحزم» زادت معنويات المقاتل السوري. إن الإنسان العربي ما إن يستفيق إلا ويسمع عن حرب هنا ونحن في الخليج العربي عشنا ثلاثة حروب كلها كانت وبالا علينا وجاءت «عاصفة الحزم» لكي تعيد الروح المعنوية فينا.
ولذا كان الاستعداد للحرب منذ فترة له دور في أن تحقق الحرب أهدافها. وتعاطف كثير من الدول وتأييدها للحرب بما فيها الدول العربية والدول الكبرى مثل أميركا وبريطانيا له أثر في التأثير على معنويات العدو، واستعداد بعض الدول للمشاركة مع قوات التحالف العربي.. هذا كله ينعكس على معنويات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
ومما يجعل للحرب النفسية تأثيرها الشديد في عصرنا الحاضر تطور وسائل الإعلام، ولذا أحسنت قوات التحالف العربية بقيادة السعودية ببث رسالة يومية بالصوت والصورة يتحدث فيها الناطق العسكري يوميًا عن سير عمليات المعركة، وهي من أشد الرسائل تأثيرا على المتلقي لأنها لا تترك مجالاً للشك والريبة، فالمتحدث العميد أحمد العسيري أجاد في تقديم هذه الرسالة وباختصار بالصورة والصوت عن سير العمليات والرد على الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء ردًا مقنعًا وبجميع اللغات وكانت لها آثارها على الجمهور المتلقي في كل أنحاء العالم. وكان للصور التي تبث على قنوات التلفزيون كتلك التي يظهر فيها الطيار السعودي وهو يقبل ابنه في المستشفى قبل أن يذهب للمعركة، أو ذلك الصبي الذي يؤدي التحية العسكرية لوالده الطيار قبل أن يذهب لأداء المهمة، أو الولد الذي يودع والده الذي استشهد، كلها صور تجعل الجمهور يتعاطف مع الجيش. إن الصدق والصراحة من العناصر المهمة في الحرب النفسية وخصوصا في وقتنا الحاضر حيث تعددت وسائل الإعلام والاتصال. وباستطاعة المتلقي أن يأخذ الخبر من أي مصدر يشاء. إن الأخبار التي تقوم على الأكاذيب لها انعكاسات سلبية على معنويات الجماهير.
كذلك الدعوة التي وجهتها قوات التحالف للضباط المتقاعدين بالانضمام إلى الجيش الشعبي لها تأثير على معنويات الحوثيين، كما أن إعلان قوات التحالف العربي أن اليمن محاصر جوًا وبحرًا وبرًا جعل العدو تنهار معنوياته، كذلك قطع طرق الإمداد عن الحوثيين الموجودين في عدن جعل معنوياتهم تنهار وفضلوا الاستسلام. دخول علي عبد الله صالح المعركة وهو الرئيس المخلوع الذي أطاحت به الثورة وتحالفه مع الحوثيين يجعل الشعب اليمني لا يثق به.
نتائج الحرب النفسية سوف تأتي ثمارها بعد أيام ونحن نرى الحوثيين يستسلمون لقوات التحالف.
التعليقات