محمد الرميحي
تصاحب «عاصفة الحزم» وما تبعها من إعادة الأمل عاصفة أخرى هي العاصفة الإعلامية. تدور الحرب الأخيرة (الإعلامية) على عقل وعاطفة المتلقي العربي، وهي في كلياتها تدخل في ملف «الإعلام المضلل»، وهو واحد من الأسلحة التي كثيرا ما تستخدم في الصراعات للتشتيت والخداع، وقد زاد من شراسة الحرب تلك وجود وانتشار وسائل الاتصال الاجتماعي من جهة، وضعف في الوعي لبعض المتلقين من جهة أخرى، أو قلة مناعة بعضهم في تمحيص ما يعرض عليهم من أخبار أو معلومات، وتظهر هذه الحرب الإعلامية على أشكال مختلفة، بعضها مفضوح يجانبه الذكاء والفطنة، والآخر مدمج إلى حد كبير في إطار شبه مقنع على طريقة «لا تقربوا الصلاة». ولعلي هنا أوصّف سبع ظواهر للادعاءات الملتبسة، التي تُظهر غير ما تبطن.
أولا: إظهار المجهود الحربي والدبلوماسي والسياسي الحالي تجاه اليمن وكأنه يجري بدفع طائفي، خرافة الدفع الطائفي تقول بها إيران وثلة من محازبيها، والحقيقة أن كل المجهود موجه من أجل إنقاذ اليمن من احتلال إيراني، وهناك شواهد كثيرة على ذلك. الاحتجاج بالدفع الطائفي هو لتقليل أو إطفاء الإرادة العربية من الوقوف أمام تمدد الدولة الإيرانية.
ثانيا: تزييف التصريحات المنسوبة إلى المسؤولين القريبين من اتخاذ القرار، أو الذين لهم علاقة مباشرة بالأحداث، والقول إن «فلان» قد صرح بأن هناك «مفاوضات» مع هذا الطرف أو ذاك، أو القول إن المسؤول الفلاني (اليمني أو السعودي) قد قال، ثم توضع على لسانه بعض الأفكار التي تبدو لغير المتبصر أنها قريبة من الحقيقة، وهي بعيدة عنها، من أجل تضليل المستهدف وهز قناعته.
ثالثا: من المظاهر المصاحبة للحرب الإعلامية التصريحات القادمة من بعض المسؤولين، خصوصا في طهران، أو من محازبيها، أن ما يحدث هو «إبادة تشبه تلك التي قام ويقوم بها العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين»، وهو قول في ظاهره يستجدي التعاطف الفوري، دون النظر إلى الحقائق على الأرض، وهي أولا أن ما يحدث في اليمن هو عمليات جراحية منتقاة، وثانيا وهو الأهم أين أنتم من الإبادة الحقيقية الحاصلة والقائمة منذ أربع سنوات ضد الشعب السوري، وتساهمون بكل قسوة ومع سبق الإصرار على إبادته ومحو مدنه وقراه وتشريد شعب كامل، ولماذا عاطفتكم المشوبة بالرياء قد ظهرت في جنوب الجزيرة ولم تظهر في شمالها؟ وحتى يزيد هذا الخطاب الأمر إرباكا في نظر المتلقي غير الحصين، نجد أن أول تصريح أعلن عن وقف «عاصفة الحزم» قد جاء من طهران، قُبيل ساعات من تنفيذه، كي يستخدمه المدافعون عن شهية التوسع الإيرانية بالقول إن طهران تمسك بخيوط الحرب والسلام في المنطقة، وللمطلع فإن ذلك التصريح ليس أكثر من ادعاء بالمعرفة، لأن المجتمع الدولي، لا طهران فقط، كان على اطلاع مسبق بالتوجه إلى تغيير اسم وطريقة تنفيذ «عاصفة الحزم»، ولكن من أجل تسويق المعرفة والاطلاع لتسهيل موقف المحاججين وضعاف التبصر، فقد سارعت طهران بالإعلان عن «المعلومة» من أجل الإيحاء أنها فاعل أساسي في الساحة، وهي ليست كذلك.
رابعا: تُنشر إشاعات أن ثمة خللا في الجبهة الداخلية في دول التحالف أو في ما بينها، وتفسير الأحداث والقرارات على غير ما هي عليه في الواقع، والحقيقة أن الظهير الداخلي سواء للمملكة العربية السعودية ودول التحالف التي تتشارك معها في الجهد الحربي والدبلوماسي والإغاثي هي صلبة ومؤيدة لما يتخذ من قرارات، تقف خلف قيادتها لا لشيء إلا لأن ذلك الظهير الشعبي يعرف موقع اليمن والإنسان اليمني والعلاقات المتداخلة التي ربطت شعوب مجلس التعاون بإخوانهم اليمنيين، واليمن الآن معرض للاختطاف ويتمنى أن يدافع عنه ويساعده أخوه الأقرب، فما يحدث فيه لا هو شقاق بين مكونات يمنية ولا اختلاف سياسي، ولكنه تدخل من طرف خارجي يرغب في بسط نفوذه على اليمن وإخضاعه كما فعل في أماكن أخرى في الخاصرة العربية.
خامسا: تنشر بعض الآراء من جانب بعض العرب على أنها تعترف بخلل اتخذته القيادة الحوثية وتحالفاتها، وعندما يستقر للقارئ الوجه «الموضوعي» لهذه الكتابات أو التصريحات، تميل فجأة لتقديم الكلمة المسمومة «ولكن»، ويتبعها: هل يجوز هدم المدن اليمنية وتجويع الشعب اليمني من أجل حرب الحوثيين؟! وهنا قد يصدق البعض مثل هذا المنطق، إلا أن الحقيقة هي أنه لا أحد يرغب أو يسعى لهدم المدن اليمنية ولا تجويع اليمنيين، من يفعل ذلك هو تصرف تلك الفئة التي يرفضها الشعب اليمني والتي يقع اللوم عليها لا على غيرها، لأنها حاولت اختطاف اليمن بالقوة القاهرة، ما يتم هو محاولة إنقاذ بلد تتسرب إليه مصالح دولة ترغب في الهيمنة والتسلط من خلال فئة صغيرة فضلت استخدام السلاح والقهر، وضربت بعرض الحائط كل ما توصل إليه اليمنيون بالتراضي، إلى درجة أنها تختطف آمال الشعب اليمني بأسره، هي الملومة لا غيرها.
سادسا: التخرص في نتائج الحرب، وينسى أو يحاول من يفعل ذلك تجاهل قرارات مجلس الأمن، وهي الجهة الأكثر اهتماما بالأمن العالمي، وقد جاءت مؤيدة لأهداف حملة «الحزم» ومباركة «إعادة الأمل»، تقريبا بالإجماع الدولي، فالحديث عن أن أهداف الحملة قد فشلت بعدم وجود فعلي للحكومة اليمنية على أرض اليمن هو محاولة للتصيد في الماء العكر، فقد بقيت على سبيل المثال الحكومة الوطنية الفرنسية في المنفى لفترة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حتى بعد تحرير فرنسا من أجل تمهيد الأرض لرجوعها، كما بقيت الحكومة الجزائرية في المنفى إبان مرحلة التحرير، فالتأخير الزمني لا يعني فشل الحملة، هي عملية تحتاج إلى وقت كما فعلنا نحن في الكويت بعد تحريرها من الاحتلال العراقي، وهذا النوع من التخرص يسعى إلى هز الثقة لدى البعض وتطمين النفس لدى البعض الآخر.
سابعا: الحديث عن الضحايا في المؤسسات الإعلامية الدولية، وقد سمعت في إحدى المحطات الناطقة بالعربية (إذاعة وتلفزيون) حديثا لإحدى السيدات اليمنيات وتحديدا في صباح الثلاثاء الرابع من مايو (أيار) الحالي، تقول إن أختها أصابتها رصاصة قاتلة وهي بين أبنائها في فراشها في الدور الأول من المنزل! المُستنطق الذكي في تلك المحطة أوحى إلى المستمع أن تلك الرصاصة أطلقتها إحدى طائرات التحالف! والحقيقة الواضحة أن الطائرات لا تطلق الرصاص وتستهدف شخصا ما في الدور الأول من منزله، من يفعل ذلك إن كانت الواقعة صحيحة هي ميليشيات تعيث فسادا في بعض المدن اليمنية، إلا أن المُستنطق تجاوز ذلك في محاولة للاستهانة بذكاء المتلقي.
حقيقة الأمر أن لكل حرب ضحايا، من ينكر ذلك فهو ينكر وجود قرص الشمس، إلا أن سقوط الضحايا له مسببات، منها في الحالة اليمنية محاولة اختطاف وطن غصبا عن أغلبيته وبالقوة السافرة، «عاصفة الحزم» حققت أهدافا مهمة بعد انطلاقها، منها على سبيل المثال لا الحصر ظهور الإرادة الخليجية واضحة في ردع التمدد الإيراني، وهو ما أوقع طهران في ارتباك شديد، أفقدها ومحازبيها التفكير المنطقي، فقط قبل أشهر قليلة، كانت أصوات طهران تقول إن بغداد عاصمة الإمبراطورية وإن صنعاء العاصمة الرابعة التي سقطت في أيديهم، ولكنهم اليوم عاجزون حتى عن إرسال طائرة إلى «العاصمة الرابعة» لأن هناك إرادة واضحة محلية ودولية تمنعهم من ذلك.
آخر الكلام:
ينطبق على بيان القمة التشاروية الأخيرة لدول الخليج المثل الذي يقول: «تحدث بهدوء واحمل هراوة ثقيلة».
التعليقات