سمير عطا الله
مرة أخرى مع كتاب «حلف الشياطين»، لروجر مورهاوس، حكاية «المعاهدة» التي وقعها ستالين وهتلر عام 1939. كلاهما تعهّد، في نص ودّي لا يُصدّق، عدم الاعتداء، أو المشاركة في اعتداء، أو التحالف مع عدو لأي من الفريقين. ثم جاء فجر 22 يونيو (حزيران) 1941، فجأة، بدأ الألمان بقصف القوات السوفياتية على جبهة طولها 1300 كيلومتر، من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. ألوف الدبابات تقصف وخلفها 3 ملايين جندي يتقدمون عبر ما كان يُعرف بـ«حدود السلام». وفي الأراضي السوفياتية نفسها كانت قوات ألمانية خاصة تخرب خطوط اتصال الجيش الأحمر. في برلين استدعى وزير الخارجية الألماني، ريبنتروب، السفير السوفياتي ليبلغه أن قوات الفوهرر قررت التصدي «لعدوان الجيش السوفياتي على أراضيها». كان الوزير قد تناول الكثير من الخمر لكي يستطيع أن يبلغ السفير بالأمر، فهو الرجل الذي وقع معاهدة عدم الاعتداء مع مولوتوف، وزير خارجية ستالين. لم يصدق ستالين نبأ الزحف بداية الأمر. ثم قيل له إن الألمان دمروا 1500 طائرة مقاتلة سوفياتية وهي جاثمة على الأرض، وما تبقى من السلاح الجوي لم يكن كثيرًا.
ازدادت حدة الاكتساح الألماني بالثواني. وفي اليوم التالي كان يُقتل جندي سوفياتي كل ثانيتين. وأخيرًا، أيقن ستالين أن المعاهدة كانت خدعة أخرى، وأرسل مولوتوف يقرأ رسالة إلى الأمة باسمه: «كذب كل ما قيل عن الخروقات السوفياتية للحدود. إن حكام ألمانيا الفاشيست المتعطشين للدماء قد استعبدوا الفرنسيين والتشيك والبولنديين والصرب والنرويجيين وبلجيكا والدنمارك وهولندا واليونان ودولاً أخرى. لكن الجيش الأحمر وشعبنا سوف يخوضانها حربًا مجيدة من أجل الشرف والحرية». وفي نهاية اليوم الأول، كانت الفرقة العاشرة من الجيش الأحمر قد بقي منها خيام القيادة. وقبل ذلك - بساعات - كانت مؤلفة من 6 كتائب مدرعة، 6 كتائب مشاة، كتيبتي خيالة، وثلاث فصائل مدفعية. أما الخسائر في صفوف الفرق الأخرى، فكانت أضخم بكثير. وكتب أحد الضباط الروس لاحقا: «لم يبق من كتيبة الرماية 56 سوى اسمها».
لكن هل لاحظتم أي مشابهة حتى الآن؟ صدام حسين يربت على كتف جابر الأحمد: مرحبًا «بجابر العرب». وبعد أسابيع قليلة، يتهم الكويت (والإمارات) بالعمل على خفض سعر النفط وإفقار العراق. تخيّلوا المشهد: الكويت تحاول إفقار العراق. يتكرر ذلك دائمًا، ليس فقط في حكاية لافونتين؛ الذئب والحمل الذي يعكر عليه صفو النبع، بل بين الأصلاف أيضًا. ولم أستطع أن أفهم كيف كان ستالين يحصي أنفاس الروس ولم يعرف أن 3 ملايين جندي ألماني يستعدون للزحف على أراضيه. أم هو المشهد ذاته في مصر: صلاح نصر يعرف ألوان المخادع السرية، ولا يعرف أن السلاح الجوي المصري سيدمَّر فجر ذلك النهار المذل؟
إلى اللقاء..
التعليقات