عبدالله بن بجاد العتيبي

ما جرى في المملكة العربية السعودية مؤخراً من «تفجير مسجد القديح» ببلدة القديح و«تفجير مسجد العنود» بالدمام هو تحوّل إرهابي خطير، وقد راح ضحية الأول واحد وعشرون مواطناً من المنتمين للطائفة الشيعية الكريمة، وراح ضحية الثاني ثلاثة مواطنين من الطائفة نفسها، وهو ما يعبّر بجلاء عن مرحلة جديدة من الإرهاب سمتها ووظيفتها تكمن في نشر الطائفية كسلاحٍ إيديولوجيٍ للقضاء على الدول وتفكيكها عبر الاحتراب الطائفي، وقبل هذين التفجيرين ببضعة أشهر كان «تفجير الدالوة» وكانت خلية الخمسة وستين إرهابياً التي أعلنت السلطات السعودية عن اعتقال عناصرها وكانوا يهدفون لنفس الهدف ويبتغون ذات الغاية وهي «نشر الصراع الطائفي».

&


هذه المرحلة الجديدة من الاستهداف الطائفي ليست مصادفة، بل هي تعبّر عن نموذج جديد من التحالف الإرهابي بين أطراف متعددة، أولها وأشدها خطراً إيران والجماعات الإرهابية الشيعية التابعة لها من جهة، وثانياً، من جهة أخرى الجماعات الأصولية السُنية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية السُنية كتنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش".

قد يستغرب البعض من غير المتابعين والملمين بتاريخ هذه العلاقة بين الطرفين من أن يجتمعا ويتعاونا مع بعضهما البعض، وهو استغراب في محله لمن لا يعرف، ولكن مراجعة خطاب الطرفين وغاية كل منهما والأحداث والأرقام والشخصيات تجعل القصة قابلة للفهم والاستيعاب.

مع بداية القرن العشرين ظهر شيء جديد في العالم الإسلامي ألا وهو بروز شخصيات تتبنى نموذجاً جديداً للإسلام هو «الإسلام السياسي» ثم تحوّل الأمر إلى «جماعات» تتبنى هذه النسخة الجديدة من الإسلام، وهي جميعاً تهدف إلى أن تكون «الجماعة» أو «التنظيم» أو «الحوزة» بديلاً عن الدولة، وجميعها تستخدم خلط الدين بالسياسة بالعنف للوصول للغاية المطلوبة وهي السلطة وسدة الحكم.

حدث ذلك في أكثر من بلدٍ من أهمها ثلاثة: الهند تحت الاستعمار البريطاني وبخاصة في باكستان التي أصبحت دولة مستقلة لاحقا وظهور «الجماعة الإسلامية» ودور أبو الأعلى المودودي، ومصر عبر جماعة "الإخوان" وحسن البنا، وإيران عبر تلاميذ جمال الدين الأفغاني وورثته من آيات الله كآية الله الكاشاني وغيره.

مع الأخذ بالاعتبار الفروقات التي يفرضها الشرط العلمي إلا أن هذه في المجمل كانت تتطور وتستفيد من بعضها البعض، فسيد قطب كان يمجّد الكاشاني، والخميني يتأثر بكتابات وأفكار المودودي، والمودودي يتمنى بعد نجاح ثورة الخميني أنه صنع مثله، والخامنئي يترجم كتب سيد قطب، في قصة طويلة سبق تفصيل بعضها في هذه المساحة. العلاقة بين إيران وتنظيم "القاعدة" فهي أشهر من نار على علم، فلم تستهدف "القاعدة" قط إيران بل على العكس كانت بين الطرفين أواصر تعاون مستمرٍ، فأبناء بن لادن موجودون في إيران، وسيف العدل قيادي "القاعدة" موجود فيها، وربما أيمن الظواهري، وقد تحدث أبوحفص الموريتاني قيادي "القاعدة" عن إيواء إيران لعناصر "القاعدة" ودعمها لهم، وقد قام "حزب الله" اللبناني بتدريب بعض عناصر "القاعدة".

استهدف تنظيم "القاعدة" السعودية كهدفٍ رئيسٍ له ولم يقم بأي عملية ضد إيران، واستهدف تنظيم "داعش" السعودية ولم يقم بأي عملية ضد إيران، وتحالف تنظيم داعش مع حليف إيران النظام السوري وبشار الأسد، وفي العراق تنظيم "داعش" يأخذ بثأر "القاعدة" من عشائر الأنبار التي شكلت «الصحوات» التي قضت على "القاعدة" هناك.

المهم اليوم أن نشر «الصراع الطائفي» في السعودية قد يطال غيرها من الدول العربية وبالذات دول التحالف العربي لإنقاذ اليمن في «عاصفة الحزم» فاليقظة مطلوبة وبخاصة مع استحضار أدوار إيران المعادية لدول الخليج ودول التحالف العربي في اليمن. لقد ظلت السعودية لسنوات طوالٍ تحارب الإرهاب بينما ظلت إيران لسنواتٍ طوال تسانده، وهذه معلومة معتمدة على المستوى الدولي، وتبقى الأولوية في محاربة الشر الأصولي والطائفي في المراهنة على الوطنية والتسامح. أخيراً، فإنه كما انتصرت السعودية على الإرهاب الأصولي، من قبل فهي ستنجح في القضاء على الإرهاب الأصولي الطائفي.
&