حسن بن سالم

تنظيم داعش هدفه وغايته من عملياته الإرهابية الأخيرة: إثارة الفوضى، وتقسيم وحدة المجتمع السعودي، وزعزعة أمنه استقراره، ولتحقيق ذلك فإنه لن يتورع عن استخدام جميع وسائل القتل والترويع، بلا تفريق أو تمييز في استهدافه، بين مواطن ومقيم، وسني أو شيعي، وكبير أو صغير، وأية محاولة لإلباس الإرهاب ثوباً طائفياً، أو الاعتقاد بأن إرهاب داعش يستهدف مذهباً أو طائفة معينة، هو أمر لا يصب إلا في مصلحة وتحقيق أهداف هذا التنظيم، فهو لا يرى المخالفين له سنةً وشيعةً سوى أنهم مرتدون أو كفاراً، وأن كل من لم يبايع خليفتهم ليس في أراضي سيطرتها فحسب، بل في جميع العالم، فهو إما مرتد أو كافر، ودمه وماله حلال، وأعظم خدمة يمكن تقديمها لهذا التنظيم هو في جعل جرائمه وإرهابه سبباً للاختلاف والاحتراب الطائفي.

&

فهذا التنظيم، ومنذ ولادته على يد مؤسسه الأول أبومصعب الزرقاوي، قام على نهج واستراتيجة القتل بلا تفريق وبلا هوادة، وقد ورد في رسالتين ضمن مجموع رسائله أنه «لا فرق بين عدو خارجي باعتباره كافراً أصلياً، أو عدواً داخلياً باعتباره كافراً مرتداً، فلا فرق بين أميركي أو عراقي، كردياً كان أم عربياً؛ سنياً كان أم شيعياً» «ومع تسلسل وتطور الأحداث بعد الاحتلال الأميركي وهيمنة القوى السياسية الشيعية وشعور المجتمع السني بالتهميش والإقصاء، عمد الزرقاوي على ترسيخ الشرخ الطائفي واستغلال الأوضاع، بطرح تنظيمه كمدافع عن الهوية السنية، فبدأ باستهداف مساجد ومزارات الشيعة بالمفخخات والعمليات الانتحارية، وباتت أولوية التنظيم هو العمل على إثارة الاحتراب والاقتتال الطائفي بكل الوسائل، وقد كان من ضمن الرسائل المهمة التي كشفتها الإدارة الأميركية في منزل بن لادن بعد مقتله في أبوت أباد، رسالة من الزرقاوي لقادة القاعدة، بضرورة خلق حالة طائفية شديدة، وأنها عامل رئيس في تحشيد المجتمع السني خلف التنظيم، وسار على هذا النهج من بعده أبو عمر البغدادي، ولكن وبعد أن تراجع التنظيم بحلول عام 2009، وأصبح يعيش في عزلة وضعف وضمور، على يد الصحوات وأبناء العشائر السنية، وفقد نتيجة لذلك جاذبية الحشد والتعبئة، أدرك التنظيم وجوب إعادة أولوياته وتغيير بوصلة الصراع وتحويل سلاحه ضد الصحوات السنة وقتالهم، بالأساليب ذاتها التي انتهجها التنظيم من قبلُ ضد الشيعة.

&

ولذلك أصدر تنظيم «دولة العراق الإسلامية» وثيقة مطلع عام 2010 بعنوان: «خطة إستراتيجية لتعزيز الموقف السياسي لدولة العراق الإسلامية»، كان من أهم مبادئها: الدعوة إلى استهداف من سمَّتهم الأعداء الداخليين، وذلك تحت مبدأ «تسع رصاصات على المرتدين ورصاصة على الصليبيين»، وهم يعنون بالمرتدين الصحوات وأبناء العشائر السنية، وعلى هذا النهج فتنظيم داعش الآن وفور دخوله أي مدينة سنية يعمد إلى البحث عن المعارضة السنية وكل من يرفض الانضمام إليه، ومبايعة خليفته، تتم تصفيته، فهو قد قتل وذبح 800 من أبناء عشيرة الشعيطات السنية في محافظة دير الزور شرق سورية، وأصدر حكماً بالقتل على كل من يتجاوز عمره 14 ربيعاً، وكذلك أعدم التنظيم ما لا يقل عن 500 من أبناء عشيرة البونمر في محافظة الأنبار غرب العراق، من بينهم 29 امرأة، وهو بذلك يبعث رسالة مخضبة بالدماء للصحوات ولبقية أبناء السنة، الذين يعارضون ويرفضون الخضوع للتنظيم.

&

وهكذا فإن النهج المتوحش الذي يسلكه «داعش» هو القتل بلا تمييز، لدين أو مذهب، ولو نظرنا إلى مخططاته التي يستهدف بها بلادنا، فإنه لم يستهدف طائفة أو مذهباً بعينه، فهو -كما أعلنت الجهات الأمنية- قد عمد في استراتيجيته إلى تقسيم المملكة إلى خمس ولايات أو قطاعات، والعمل داخل تلك القطاعات بتشكيل خلاياه وتزويدها بالسلاح، ورصد المواقع المستهدفة، وإنشاء جناح للمعارك والمفخخات والاغتيالات، وقد تم رصد أهداف آنية للتنظيم، وأخرى بعيدة المدى، ويأتي على رأس تلك الأهداف الآنية استهداف وقتل رجال الأمن، في شتى المناطق بالمملكة، وعلى مدى الأشهر الماضية تم الكشف عن خلايا مرتبطة به، كانت تخطط لتنفيذ هجمات مختلفة في المملكة، بلغ عدد أعضائها 93 شخصاً، وكان من بينها خلية تطلق على نفسها «جند بلاد الحرمين»، تكونت من 15 شخصاً جميعهم سعوديون، تزعمها شخص متخصص في صناعة العبوات المتفجرة.

&

ولكن التشديد الأمني في المملكة زاد من صعوبة استهداف «داعش» للمصالح والمرافق الحيوية والأمنية، فلم يتمكن إلا من تنفيذ عمليات محدودة، وهي الاعتداء على مركز سويف الحدودي بشمال المملكة، واستهداف مقيم دانمركي في طريق الخرج بمدينة الرياض، وُقبض على ثلاثة سعوديين تورطوا في ارتكاب تلك الجريمة، وأخرى بإطلاق نار على دورية أمن غرب مدينة الرياض، وقُبض على مرتكبها أثناء محاولته التسلل عبر الحدود الجنوبية إلى اليمن، فيما نفّذ التنظيم الإرهابي عمليته الأخرى باستهداف دورية أمن في شرق الرياض، ونتج منها استشهاد رجليْ أمن.

&

وبعد أن شعر التنظيم بضعف إمكان تنفيذ عمليات نوعية، وفشل الكثير من عملياته، لجأ إلى محاولة خلط الأوراق وزرع الفوضى، واستهداف الجبهة الداخلية وتقسيمها، من خلال إشعال التوترات الطائفية، ودق إسفين الطائفية بين مكونات المجتمع السعودي الواحد، والعمل على إستراتيجية تفجير الخلافات والنزاعات الطائفية، وإيجاد شرخ وصراع طائفي في الداخل السعودي، عبر استهداف مسجدين للشيعة، بعمليات انتحارية، إذاً فهذه العمليات الإجرامية هي ذات بعد سياسي يسعى التنظيم من خلالها إلى توظيفها في خدمة مصالحه بالانتشار والتوسع، وتجنيد المزيد، وأية أصوات نشاز من أبناء الطائفة الشيعية، قد تلقي بكامل بالمسؤولية على أهل السنة أو على دعوات تحريضية، وهي مرفوضة ومجرمة بلا شك، فإن في ذلك أعظم ما يمكن تقديمه للتنظيم.

&

وقد استطاع المجتمع السعودي باختلافه وتنوعه الوقوف بحزم في رفض هذه العمليات، وقد لمسنا بعد العملية الثانية المزيد من التلاحم والرفض، حتى إن قريب مرتكب الجريمة الثانية، وهو من المنضمين إلى التنظيم والقتال في سورية كتب بكل يأس في «تويتر» عن دفاع السنة ورفضهم لهذه الجريمة التي وقعت في مسجد من مساجد الشيعة.
&