السيسي يواجه الإخوان في ألمانيا بـقوى مصر الناعمة… وطغيان الأمني أزمة السلطوية الحاكمة


حسنين كروم

كما كان سائدا في الفترة الماضية لا تزال الأغلبية الشعبية تركز اهتماماتها بعيدا عن الأخبار والأحداث السياسية وتحركات الأحزاب والعمليات الإرهابية، وتصبها على امتحانات الثانوية العامة، التي ستبدأ يوم السبت المقبل، والاطمئنان للتقدم الذي حققته الحكومة في الحفاظ على قدرة وزارة الكهرباء على مواجهة الحر، وعدم تعرض الطلاب أثناء مذاكرتهم لانقطاعها، والتمتع بمشاهدة البرامج والمسلسلات في التلفزيون والتي يتابعون أخبارها من الآن، فقد واصلت الصحف الصادرة أمس الاثنين الأول من يونيو/حزيران التوسع في النشر عنها والاهتمام أيضا بتوفر السلع الغذائية من الآن، وطوال أيام الشهر الفضيل، وجولات رئيس الوزراء المتواصلة في شوارع المدن وتفقد أحوال المستشفيات والأسواق، وتصريحه بأنه خادم للشعب. وهو ما أكده أمس زميلنا الرسام في «الأخبار» عمرو فهمي، الذي قال إنه ذهب لزيارة قريب له في شقته، ففوجئ بدخول المهندس إبراهيم محلب حاملا على يده اليسرى فوطة وفي يده اليمنى صينية عليها كوب شاي يقدمه لقريبه ويقول له:
- أنا وفرت لك خزين شهر رمضان في دولاب المطبخ واللحمة من مراعي السودان للثلاجة عندك على طول وأدي واحد شاي مدعوم، أي أوامر تانية.
ومن الموضوعات الأخرى الجاذبة لاهتمامات الغالبية، استمرار توزيع بطاقات الحصول على البنزين والسولار المدعوم لأصحاب السيارات، وقدرت في اليوم الواحد بأربعين ليترا فقط. وبخلاف ذلك لم تلق الأخبار الأخرى الاهتمام مثل، صدور حكم محكمة الاستئناف بحبس إسلام بحيري خمس سنوات في أول قضية تتهمه بازدراء الأديان، ورفض لجنة حصر أموال وممتلكات الإخوان طلب لاعب كرة القدم محمد أبو تريكة رفع التحفظ على ممتلكاته وأمواله السائلة، ما لم يقدم ما يؤكد عدم علاقة شركته السياحية بتمويل أعمال الإرهاب. كما قررت التحفظ على جمعية تنمية المجتمع التي تملكها وتديرها كاميليا العربي وأموالها، وعلى أموال وممتلكات انجي ابنة المعلق الرياضي الإخواني الموجود في الخارج علاء صادق. وعدم الاهتمام نفسه امتد إلى العمليات الإرهابية.
وكان هناك اهتمام، ولكنه ليس في مستوى الاهتمام بالامتحانات والمسلسلات والسلع في رمضان، بتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي أعلنه صديقنا رئيس المجلس محمد فائق، وأكد فيه وجود تحسن ملحوظ، رغم مقاومة من جهات حكومية، وأن المجلس يستعين بالرئيس لإجبار تلك الجهات على الالتزام بمواثيق الأمم المتحدة والقانون المصري، وأكد وجود مشكلة في أماكن الحجز في أقسام الشرطة ومحادثات وزير الخارجية السعودي في مصر. وإلى شيء من أشياء لدينا….

ابتذال العلم والبحث العلمي

وإلى الإسلاميين ومعاركهم المتعددة ومنها التي أثارها طبيب الأمراض الجلدية والتناسلية الكاتب خالد منتصر في مقاله اليومي في «المصري اليوم بأن ماء زمزم ليس فيه الشفاء، كما يشاع، لأن التحاليل أثبتت أنه غير نقي ويسبب أمراضا ومشاكل، واستند في ذلك إلى ما قاله أطباء سعوديون وأجانب، مما عرضه إلى موجات من الهجوم والاتهام بالتشكيك، كما أنه قال عن الصيام إنه غير مفيد صحيا، وهو ما دفع زميلنا في «المقال» محمد زكي الشيمي إلى أن يدافع عنه بقوله في يوم الأربعاء: «خالد منتصر تحدث منذ بضعة أيام عن ضرورة التفريق بين أداء العبادات الدينية، من زاوية أنها عبادات دينية، وأدائها تحت زعم أنها مفيدة طبيا، ودلل على وجهة نظره الصحيحة تماما بأن الصيام غير مفيد صحيا، وأن مياه زمزم تحتوي على سموم. كلامه صحيح ومنطقي، فالعبادة تؤدى لأنها عبادة، وليس لأسباب طبية. أما الطب فهو شأن آخر مستقل تماما ولا يجب الخلط بينهما، وادعاء أن للعبادات فوائد صحية، اتباع للمنهج الزغلولي – الخاص بزغلول النجار في صناعة أكاذيب غير علمية وبيعها للناس الغارقين في التدين، على أنها علوم، ما قاد لإهانة العلم وابتذاله. الضجة التي ثارت تكشف إلى أي مدى أصبحنا مجتمعا مهزوما بالخرافات والتفكير العبثي، وإلى أي مدى أصبح معنى العلم والبحث العلمي عندنا مبتذلا وقريبا من معنى الدجل والشعوذة وافتقاد القدرة على الشك وافتقاد الحس النقدي والفكر العقلاني كان واضحا كالعادة.
ولكن الأغرب من بين كل ردود الأفعال، كان رد الرئيس السابق للمركز القومي للبحوث الدكتور هاني الناظر، الذي من المفترض بحكم منصبه السابق، أنه يعرف بديهيات وأساسيات البحث العلمي، إنبرى للرد على منتصر وبغض النظر عن المضمون، فإن كلامه لم يكن علميا، لسبب بسيط هو أنه خلط بين العلم والاعتقاد، وأنه أصر على أن المياه سليمة بدون مبرر علمي، ولكن الأهم أن نظرية «بتريح الكبد والكلى» هي نظرية غير علمية إطلاقا، وإذا كان مقتنعا بذلك فمن الممكن أن تريح القلب والمخ والرئتين أيضا، ومن ثم فإصراره على فكرة «أنا بتكلم بالعلم»، ربما كان لإدراكه أن كلامه غير علمي».

ماء زمزم طاهر بنصوص شرعية

وفي اليوم التالي الخميس نشرت «اللواء الإسلامي» التي تصدر كل خميس عن مؤسسة أخبار اليوم الحكومية تحقيقا لزميلنا مهدي أبو عالية جاء فيه: «د. شوقي علام مفتي الديار المصرية تساءل في عجب «معقول» في مصر بلد الأزهر تخرج علينا علمانية فاسدة تنعت الماء الطاهر النقي ماء زمزم بأنه سام، وسيدة تطالب بترخيص قانوني لبيوت الدعارة وتزعم أنها تناجي الله؟! إن ملايين البشر ممن رضوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد نبيا ورسولا، شربوا من ماء زمزم على مدى مئات السنين، بل آلاف السنين ولم يشك أحد مرضا أو سما، لأن هذا الماء طاهر بنصوص شرعية.
وأكد فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، القول إن ماء زمزم مسممة، قلة حياء وبلاء واشتغال بسفاسف الأمور، ولم ينجح المدعون في ادعائهم. د. نصر فريد واصل مفتي الديار الأسبق، يتساءل أين الأدلة التي قدمها صاحب رؤية أن ماء زمزم سام. إن الملايين شربوا منه مئات المرات، وأنا واحد منهم وأحمد الله أن هيأ لي أن أشرب ماء عذبا طهورا، أليس هذا إفسادا في الأرض وفتنة تؤدي إلى إشعال أمور خطيرة نحن في غنى عنها قائلا: «كل إناء ينضح بما فيه.
وفي مفاجأة مدوية فاجأني الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي قائلا: «نسأل الله العلي القدير أن يرزقنا شربة هنيئة من هذا «السم» نلقى بها الله تعالى يوم القيامة تبركا برسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف الحاقدين على هذا الدين، وأقول لمن يزعم بأن ماء زمزم سام «موتوا بسمكم».

بورقيبة يفتي بإفطار من يعمل في مهن شاقة

والحقيقة أن هذه القضية أثيرت منذ أكثر من سنة في بريطانيا، بعد أن قام أطباء بتحليل عينات من ماء زمزم، التي يتم بيعها للمسلمين هناك، واكتشاف أنها تحتوي على مواد ضارة. وتابعتها من خلال عرض إذاعة «بي. بي. سي العربية»، وما أذكره أن من بين الأسباب المرجحة لتلوثها قد يكون عدم اتخاذ الإجراءات الصحية اللازمة في عملية التعبئة وإرسالها من السعودية إلى بريطانيا، أي أننا أمام قضية سبق إثارتها. كذلك قضية فوائد الصلاة من ركوع وسجود في تنشيط العضلات وأعضاء الجسم. وفائدة الصيام لبعض المرضى، سبق للدكتور خالد نفسه أن أثارها مرات عدة في السنوات الماضية، كما أثارها غيره كثيرون من بعض السذج الذي يقولون أن للصلاة فوائد للعضلات والعمود الفقري في تنشيط تدفق الدم، وكأنها تمرينات رياضية، رغم أن من يريد ذلك عليه أن يمارس تمارين أخرى، فالركوع والسجود هما لله فقط، والتزاما بتعاليمه في العبادة، ولأن الشخص تجوز له الصلاة جالسا أو حت نائما، حسب حالته الصحية، كذلك أثر الصيام على المرضى أو فوائده قضية تتكرر كل سنة، وأصبحت روتينا وتمتلئ بها صفحات الصحف والمجلات المخصصة لشهر الصوم، وأيضا من هم أصحاب المهن التي يجوز لهم الإفطار مثل عمال الأفران والحديد والصلب، خاصة أيام الحر، بل وجواز الإفطار لمن يسافر أكثر من ثمانين كيلومترا، حتى لو كان في الطائرة أو القطار والسيارة وتمتعه بالتكييف، وعدم بذل مجهود. وأذكر بهذه المناسبة الضجة الهائلة التي تسبب فيها الزعيم التونسي المرحوم الحبيب بورقيبة، الأب الروحي للحركة الوطنية التونسية الحديثة وأول رئيس لها بعد استقلالها عن فرنسا، عندما ظهر على التلفزيون، ولا أتذكر الآن بالضبط العام الذي تمت فيه الواقعة عام 1964 أم 1965، وكان يعطي درسا في الدين، وقال إن الإنسان الذي يعمل في مهن شاقة أمام درجة حرارة عالية من حقه الإفطار، أو إذا كان صيامه سيؤدي إلى التقليل من الإنتاج، ثم تناول كوب ماء وشرب منه أمام من يتابعونه، وقال إنه باعتباره مفتي تونس الأول وإن كنت لا أتذكر نص العبارة الآن، فإنه يفتي بذلك للتونسيين. وأعتقد أن هذه الواقعة كانت عام 1964 قبل أن يقوم في العام التالي 1965 بزيارة مصر والاجتماع مع خالد الذكر، ثم ذهب إلى الأردن وزار الضفة الغربية عندما كانت وقتها جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، وأعلن في مدينة أريحا دعوته للصلح مع إسرائيل، على أساس قرار مجلس الأمن بدولتين فلسطينية وإسرائيلية، وقامت قيامة العالم العربي ضده، وقال إنه أتفق مع عبد الناصر على ذلك، بينما نفى خالد الذكر، وأكد أن بورقيبة فاتحه في الأمر فأخبره بأنه حر في موقفه ورأيه. المهم أنني فوجئت بأن زميلنا الشاب في المكتب المسؤول عن الجمع، جاء وأخبرني أن واقعة كلمة بورقيبة لم تحدث في الفترة من 64 – 1965 وإنما في عام 1960 ولما سألته من أين عرف وهو من مواليد عام 1987 قال إنه يتصفح الإنترنت ووجد هذه الواقعة في 13 فبراير/شباط سنة 1960 .
أييه.. أييه .. أيام وهكذا تسبب خالد منتصر في هذه السلسلة من الذكريات، كما ذكرني بزعيم، رغم الاختلاف معه، إلا أنني كنت معجبا به، وكان قد بعث إليّ بخطاب رقيق شكرني فيه على إهدائي له كتابي «عروبة مصر قبل عبد الناصر من 42 – 1952» لورود اسمه فيه عندما كان في القاهرة».

فهمي هويدي: ما هي جريمة أحمد شفيق؟

ما هي بالضبط الجريمة التي ارتكبها الفريق أحمد شفيق؟ ــ قبل أي كلام في الموضوع أسجل أنني لست من مؤيديه، ولا تربطني به أي علاقة، ولم يسبق لي أن التقيت به إلا مرة واحدة في القاهرة على حفل عشاء بحضور آخرين. هذا ما ابتدأ به الكاتب فهمي هويدي مقاله في «الشروق» عدد أمس الاثنين ويواصل: « سؤالي عن «جريمته» ليس استنكاريا، ولكنه استفهامي بالدرجة الأولى، ذلك أن المعلومات التي نشرتها جريدة «الشروق» عنه، في عناوين احتلت رأس الصفحة الأولى، أعطت انطباعا بأن الرجل ضالع في «مؤامرة» أقلقت النظام القائم في مصر. الأمر الذي اقتضى تحذيره ومطالبته بأن «يلزم حدوده». وكان محيرا ولايزال يفترض أن يمارس تلك الأنشطة من مقر إقامته في دولة الإمارات، التي تستضيفه منذ عام 2012، في حين أنها الآن على رأس الدول الداعمة للرئيس السيسي ونظامه. ولو أنه كان مقيما في دولة أخرى لفهمنا ولكانت «الحبكة» أكثر قبولا في القصة.
معلومات الموضوع انفردت بها جريدة «الشروق» في تقرير نشرته يوم 25 مايو/أيار للزميلة دينا عزت، ثم أكده وأضاف إليه معلومات أخرى زميلنا عماد الدين حسين رئيس التحرير. والاثنان اعتمدا على ما يوصف بأنه مصادر «سيادية»، وهو الاسم الكودي للأجهزة الأمنية المصرية، والمعلومات التي وردت فيما كتبه الزميلان لم تكذب ولم يعلق عليها أحد. الأمر الذي يعد قرينة على صحتها. في التقرير الأول الذي نشر في 25/5 إشارة واضحة إلى أن الفريق شفيق يقوم من خلال عناصر معينة بأنشطة استهدفت البقاء على الساحة السياسية في مصر، وأن تحركاته هذه تهدف إلى زعزعة شرعية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقد وجهت إليه رسالة صريحة باستحالة عودته ليلعب أي دور سياسي في المرحلة المقبلى.
يوم 28 مايو تحدث الأستاذ عماد حسين في زاويته اليومية عن أن ملصقات ظهرت في بعض شوارع القاهرة أخيرا، تبنتها حملة باسم «أنت الرئيس» طالبت بعودة الفريق شفيق. ووصف اسم الحملة وفعلها بأنه تجاوز للخطوط الحمراء، وذكر أن أعضاء في حزبه طالبوا الرجل بأن يصدر بيانا يرفض فيه ممارسات تلك الحملة، إلا أنه رفض إصدار النفي. وفي حين ذكر أن اسم الفريق شفيق لايزال مدرجا على قوائم ترقب الوصول في مطار القاهرة، وأبدى استغرابه لذلك، فإنه كشف عن أن حزب شفيق قام بتوسيط أحد السياسيين الذي فاتح أحد أركان الحكم في إنهاء الأزمة، وتلقى ردا من شقين: الأول أن الأمر بيد القضاء، والثاني أن عودة شفيق قبل الانتخابات النيابية غير مستحبة. وفي تبرير ذلك رجح أن الحكومة الحالية لا تود أن ترى شفيق رمزا انتخابيا، حتى لا يظن أن عصر مبارك قد عاد مرة أخرى. وهي الخلفية التي كانت وراء عدم الترحيب بترشح أحمد عز القيادي السابق في الحزب الوطني…. إذا كنا نتحدث عن القيم الديمقراطية فإن سعي الرجل لتشكيل تكتل يخوض به الانتخابات المقبلة يظل عملا مشروعا، رغم أنني لن أصوت له. أما غير المشروع فأن يمنع من ممارسة ذلك الحق لأن الرئيس السيسي دعا الأحزاب إلى تشكيل قائمة موحدة، وان يعتبر أي جهد يبذل خارج ذلك الإطار مرفوضا ومصنفا بحسبانه تجاوزا للخطوط الحمراء.
أكرر أنه ليس لدى أي دفاع عن الرجل ومشروعه إن وجد، لكن دفاعي الأصلى عن الدستور والقانون، وعن حق الناس في الاختيار. أخيرا وعلى الهامش فإنني لا أستطيع أن أخفي دهشة إزاء تضخيم الموضوع والمبالغة في التهديد الذي يمثله، لأن المصادر التي أطلقت الفرقعة جعلت من الحبة قبة كما يقال، فبدت أضعف مما نتصور وأعطت الرجل حجما ووزنا أكبر مما يتوقع».

لا خبز ولا أمن ولا حق ولا حرية

أما زميله عمرو حمزاوي فكتب في العدد نفسه من «الشروق» مقالا جاء فيه: «حين تتمكن السلطوية الحاكمة من مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية، حين تخضع فاعليات المجتمع المدنية والأهلية لإرادتها قمعا وتعقبا وتقييدا وتهديدا، حين تفرض على المواطن، إما تأييد الرأي الرسمي الواحد أو الرضا بالصمت وتجاهل المظالم والانتهاكات والضحايا، والبحث فقط عن العوائد الشخصية، أو قبول التهجير من المجال العام والامتناع عن التعبير الحر عن الرأي، أو تعرضه للظلم والتمييز والاستبعاد ــ فإن هاجس «الأمن» مختزلا في بقاء السلطوية الحاكمة وفي حماية المصالح الاقتصادية والمالية والإدارية المتحالفة معها، وفي الضغط المستمر على المعارضين يتحول إلى «الأولوية الأولى» ويطغى على كل ما عداه من مكونات قد تزين هنا وهناك الخطاب الرسمي، كسيادة القانون والعدالة الاجتماعية والتنمية المستديمة ويهمش الكثير من الاعتبارات، التي ربما يراد الانتصار لها من قبل الحاكم الفرد أو القلة المحيطة به، كتحسين ظروف الناس المعيشية ومحاربة الفساد وتطوير أداء الجهاز البيروقراطي للدولة وغيرها. طغيان الأمني، إذن، هو أزمة السلطوية الحاكمة الكبرى التي تنزع عن ادعاءات خطابها الرسمي المصداقية الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية، وتجردها تدريجيا في مجال السياسات العامة من القدرة الفعلية على إنجاز التغيير الإيجابي وإن عرف بمضامينه الاقتصادية والاجتماعية فقط، وعلى تحقيق التقدم وإن اختصر في الحد من الفساد والإصلاح المؤسسي.
طغيان الأمني، إذن، هو أزمة السلطوية الحاكمة الكبرى التي تدفعها إلى التوسع المطرد في العصف بسيادة القانون وفي توظيف الأدوات القمعية وفي السيطرة على المجال العام والنقاشات العامة، عبر عمليات غسل أدمغة الناس ــ تارة بالترويج للحاكم الفرد كالبطل المنقذ ومناط الأمل الوحيد، وثانية بتشويه وتخوين المعارضين السلميين وتجريدهم زيفا من كل قيمة أخلاقية وإنسانية ووطنية، وثالثة بالمقايضات السلطوية التقليدية «إما الخبز والأمن وإما الحق والحرية»… طغيان الأمني، إذن، هو أزمة السلطوية الحاكمة الكبرى التي تورطها هيكليا في رفض التداول الحر للمعلومات وللحقائق لكي لا يمتلك الناس من المعرفة ما قد يساعدهم على مقاومة غسل الأدمغة والتخلص من تزييف الوعي، وتورطها هيكليا أيضا في توظيف مؤسسات وأجهزة الدولة وفي توظيف سيطرتها على المجال العام لصناعة صنوف تتجدد باستمرار من الأعداء/ الخونة/ المتآمرين، وإلصاق اتهامات متنوعة بهم والترويج لمسؤوليتهم عن تعطل الإنجاز والتقدم، ومن ثم لحتمية «التوحد الوطني» في مواجهتهم. والمقصود طبعا هو تأييد السلطوية الحاكمة في قمع أولئك المصنفين كأعداء/ خونة/ متآمرين ــ طبعا على الاختلاف والتباين الشديدين في هوياتهم ومواقفهم وأدوارهم، والأهم هو إعفاء الحاكم الفرد والقلة المحيطة به ونمط إدارتهم لشؤون المواطن والمجتمع والدولة الذي يتجاهل الشفافية والرقابة والمساءلة والمحاسبة من المسؤولية عن تواصل التعثر الاقتصادي والاجتماع وغياب تحسن الظروف المعيشية، بينما تستمر المظالم والانتهاكات ويتضح تهافت المقايضة السلطوية «إما الخبز والأمن وإما الحق والحرية» وانقلابها إلى لا خبز ولا أمن ولا حق ولا حرية.
طغيان الأمني، إذن، هو أزمة السلطوية الحاكمة الكبرى التي أصبحت ملامحها حاضرة معنا في مصر، ولم تعد تفاصيل عمليات غسل الأدمغة والصناعة المتجددة باستمرار لصنوف الأعداء بخافية على الناس».

من يتحمل فاتورة سفر الفنانين مع الرئيس؟

وننتقل الآن إلى تساؤلات رئيس تحرير جريدة «المصريون» التنفيذي محمود سلطان عمن يتحمل فاتورة سفر الفنانين مع الرئيس يقول: « نشرت صحف أن السيسي يواجه الإخوان في ألمانيا بـ«قوى مصر الناعمة»!.. وعندما عدت إلى التفاصيل، وجدت أن قوى مصر الناعمة، محصورة في 13 فنانًا وفنانة وعدد من الإعلاميين المقربين من مؤسسات القوة.. سيصطحبهم معه في رحلته إلى ألمانيا. الأسماء التي وردت كلها من أصحاب الأجور المليونية، بل أن بعضهم يشترط حصوله على 100 ألف جنيه، كحد أدنى، لظهوره في أي برنامج «توك شو» ترفيهي على الفضائيات لمدة لا تتجاوز 30 دقيقة، يعني بأكثر من 3000 جنيه في الدقيقة الواحدة. ومن الثابت أنه زاد الطلب عليهم، بعد 30 يونيو/حزيران 2013، حيث يفضل الإعلاميون وأصحاب الفضائيات تقديم برامج للفرفشة، بدلاً من البرامج السياسية، التي باتت مغامرة خطرة، إذا خرجت عن اللحن الجماعي والمقرر اليومي والمحصور في تقديس السلطة وتقبيح الإخوان. من بين الذين حظوا بصحبة السيسي، إعلاميون يتقاضون الملايين أيضًا، من ملاك الفضائيات.. يعني: الفنانون والإعلاميون المسافرون مع الرئيس، كلهم ممن تنتفخ جيوبهم وحساباتهم البنكية بكل أنواع أوراق البنكنوت.. لا يوجد منهم فقير.. بل من زمرة الأغنياء والمترفين.. وكلهم يدعون أن حبهم للسيسي «حب إلهي» أنزله الله عليهم كما أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين يوم «الحديبية». وانطلاقًا من هذه المنحة الإلهية.. وهذا القبس من العشق المقدس.. الذي إذا أنفقوا ما في الأرض جميعًا ومثله معه ما نالهم حظ من لذته وجماله وحلاوته.. انطلاقًا من هذه النعمة ـ وكفى بها نعمة ـ نسأل سؤالاً بريئًا: من تكفل بفاتورة سفرهم وإقامتهم وتسوقهم ونزهتهم في ألمانيا؟ هل على نفقتهم الخاصة من أجل مصر وفداءً لرئيسهم المفدى والمحبوب.. أم على نفقة رئاسة الجمهورية؟ سؤال مشروع.. وأعتقد أنه من الشفافية أن يعرف الشعب المصري، من سيتحمل نفقات «قوى مصر الناعمة» التي سافرت للتصدي لأعداء السيسي في ألمانيا؟ وما أعرفه أن مؤسسة الرئاسة، مؤسسة خدمية، لا تملك اقتصادها المستقل، يعني لا تنتج ما تنفقه.. وإنما تنفق من أموال دافعي الضرائب من فقراء المصريين الغلابة، الذين تستضعفهم الدولة وتتفنن في ابتداع طرق لـ«تنفيض» جيوبهم كل يوم.. بل كل ساعة. وإذا كان من حق الشعب أن يسأل رئيسه، عن نفقات من اصطحبهم معه، فإن على مؤسسة الرئاسة أن تقدم القدوة في الشفافية ومكافحة الفساد.. وأن يكون من بين تقاليدها، أن تعلن ـ في كل مرة ـ عن الجهة التي تتحمل فاتورة الأجواء الاحتفالية التي تصاحب الرئيس في زياراته الخارجية».

هل لهذا الليل أن ينجلي؟

ومن «المصريون» إلى جريدة «المصري اليوم» عدد يوم الأحد، وتساؤل الدكتور يحيى الجمل في مقاله عن متى سينجلي هذا الليل الذي خيم على دولنا العربية يقول: «أتصور أنني متفائل بطبيعتي وأتصور أيضاً أن مصر لن تنكسر حتى إن تعثرت أحياناً، وتقديري أيضاً أن المملكة العربية السعودية – رغم ما حدث أخيراً – تتمتع بحماية من الله سبحانه وتعالى وبتماسك شعبها ووحدة عنصره – ولكنني رغم تفاؤلي – كما قدمت – أحس بأن المخاطر التي تحيط بالعالم العربي – الذي كنا نسميه في الأيام الخوالي الوطن العربي – عاتية ومدمرة. هذه المخاطر جعلت من العراق- البلد صاحب الحضارة القديمة، الذي يمتلك ثروات طبيعية وبشرية يندر وجودها لدى بلاد كثيرة – هذا العراق الغالي العزيز أصبح شراذم متناثرة للأسف الشديد. هذا يقول أنا شيعي وذاك يقول وأنا سني وثالث يقول أنا كردي، ويوشك العراق العزيز أن يضيع بين كل هذه الترهات التي لا أساس لها من دين ولا من قومية. وإذا تركنا بلاد النهرين ـ العراق ـ واتجهنا قليلاً نحو الغرب فإننا سنجد سوريا التي يمزقها الصراع بين نظام يرى أنه على الحق ويمسك بالسلطة إلى آخر نفس وآخر قطرة دم في الشعب السوري، الذي بدوره تمزقه نوازع طائفية دينية وقبلية وأوهام أخرى. سوريا هذه التي مازلت أذكر، وقد جرى على ذلك عدة عقود وأنا هناك في زيارة من الزيارات أقف على قمة جبل «قاسيون» وأنظر إلى السهول والوديان التي توشك أن تكون جنة من جنات الأرض. أين هذا كله من هذا الجحيم الذي يعانيه الشعب السوري الذي أصبح مجموعة من المشردين النازحين عن أوطانهم، إلى حيث لا مأوى ولا استقرار. الشعب السوري أصبح مجاميع من اللاجئين والمشردين وأوشك أن أقول والبعض منهم أصبح للأسف المرّ أقرب إلى العبيد والعياذ بالله. إلى المدى الذي قال بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة إن الشعب السوري وهو يخوض غمار السنة الخامسة من الحرب الأهلية قد وصلت أموره إلى مستويات من الموت والدمار تصدم الضمير العالمي. أهذا يمكن أن يقال عن هذا الشعب العظيم: الشعب السوري العربي الأصيل المقدام..! وهل بعد ذلك أستطيع أن أتحدث عن اليمن وما يجري فيه بين حوثيين وغير حوثيين، وبين أنصار من يقال له علي عبدالله صالح وبين أنصار عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية الشرعي، الذي تعترف به الغالبية – وهل أستطيع أن أتحدث عن ليبيا التي كانت في يوم من الأيام دولة من أغنى الدول في المنطقة – ليبيا هذه أصبحت أثراً بعد عين وتقوقعت في منطقة أقصى الشرق اسمها طبرق، وكما قال البعض، كنت أظن أنه لا يوجد نظام أسوأ من نظام القذافي حتى جاء هذا النظام الذي هو أسوأ من أي نظام في أي دولة. أليس هذا هو الحال بغير مبالغة ولا إسراف. وألا يدعونا هذا الحال إلى أن نتساءل هل لهذا الليل من آخر…؟ وقبل هذا التساؤل عن الأمل في أن يكون لليل آخر نتساءل عن أسبابه. هناك أسباب داخلية وهناك أيضاً وهذا هو الأهم والأخطر أسباب خارجية. فهل آن الأوان لنا جميعاً كأمة عربية أن نفيق وأن ندرك هذه المخاطر. تقديرى أن شيئاً من ذلك قد بدأ، ولكنه يجب أن يستمر وأن يتنامى وأن يأخذ أبعاداً متناسبة مع حجم هذه المخاطر التى تحدثت عنها.
قد تكون القوة العربية المشتركة بداية حقيقية لإدراك هذه المخاطر ولكن الأمر يحتاج إلى تصميم أكثر وتفعيل أكثر وإلى استثارة كل مكونات الأمة العربية».

نحلم بدولة مدنية الجيش
فيها يحمي ولا يحكم

وننهي جولتنا لهذا اليوم في العدد نفسه من «المصري اليوم» ومع مقال الكاتب أنور الهواري الذي يقول فيه: «يؤلمُني أن تُزعجَ كلماتي بعض أحبابي، وكل المصريين أحبابي. أعلمُ أن النفس البشرية مفطورةٌ على حب الكلمات الطرية المعسولة المدهونة الملونة، وأعلم أن الكبار يأنفون من العبارة الحادة والكلمة الجارحة والتعبير الصريح، ولكن ليس هُناك من بديل إلا أن نواصل مسيرة الأمل الكبير، إصراراً على الهدف، واستكمالاً للطريق، بعقول تنزهت عن ضلالها القديم، وبقلوب تجردت من هواها الدفين، وبإرادة لا تصدر إلا عن الخير المحض والحب المحض لهذا البلد وكل أبنائه، لسنا ننحاز لأحد إلا من كان على الحق، ولسنا ننحاز ضد أحد إلا مدفوعين بأطهر مقصد وأنبل غرض. قادمون بإشراقة هذا الصباح الجميل الواثق من نفسه، نبسُطُ رداء الأمل على مرمى البصر، حتى نرى دولة مدنية – في أجل قريب أو بعيد – على النموذج الأوروبي، الجيشُ فيها يحمي ولا يحكم، الجيش فيها يحرس ولا يملك، جيشٌ حديثٌ في دولة حديثة. حتى نرى دولة مدنية، تقودها طبقة سياسية متجددة الدماء، مؤهلة لقيادة البلد من المحليات إلى البرلمان إلى الوزارة إلى الرئاسة، طبقة لا تغسل الأموال، ولا تصنعها الأجهزة، وليست واجهة لشركة أو سفارة أجنبية. حتى نرى دولة مدنية، تحترمُ الأديان من حرية الاعتقاد دون إكراه، إلى حرية العبادة دون نفاق، الوطنُ فيها للجميع والأديانُ فيها لله، يتحرر فيها الدينُ من سطوة الدولة، وتتنزه فيها الدولةُ عن توظيف الدين. حتى نرى دولة مدنية، يُعالجُ فيها الرئيس في المستشفيات الحكومية، ويتعلم فيها أبناء الحكام والأغنياء في الجامعات الحكومية، وتتوافر فيها مرافق حكومية تحترم آدمية المواطن ولا تنتهكها، دولة تنتهي فيها الامتيازات الطبقية التي حلت مكان الامتيازات الأجنبية في حقبة الاحتلال. حتى نرى دولة مدنية، الحاكمُ فيها مواطن عادي، يدخل إلى موقعه بإرادة الناس، ويخرج من موقعه بإرادة الناس، ويكتسب احترامه من احترامه للدستور والقانون، دون تأليه فرعوني، ودون تسفيه أو إساءة لا تليق بمقام الرئاسة. حتى نرى دولة مدنية، تتقلص فيها الفجوة بين القول والفعل وبين الظاهر والباطن، فأغلبُ من يملأون الفضاء العام في مصر لا يستطيعون إثبات مصادر حلال ومشروعة لما راكموه من ثروات، مساحة اللصوصية أوسع مما نعتقد وتكتيكات الإثراء غير المحترم تفوق الخيال».

&