&زهير الحارثي

&الأحداث التي شهدتها مساجد في الاحساء والقطيف والدمام خلال الفترة الماضية أصابت الجميع بالحيرة والأسى والحزن فهي من ناحية فتحت باب التساؤلات حول أهدافها وخفاياها ومن يقف وراءها وان كرست الوحدة الوطنية في أبرز تجلياتها من ناحية اخرى.

لقد تبين بما لا يدع مجالا للشك ان الهدف لم يكن أبناء الشيعة بل كيان الوطن بمجمله. هي محاولات يائسة لهز استقرار بلادنا وشق صفها المجتمعي وإثارة الفتنة فيه ولذا فنحن مهددون من عدة جهات سواء أكانت دولا إقليمية ام جماعات راديكالية فضلا عن شريحة متعاطفة في الداخل.

تلك العمليات الارهابية البشعة التي راح ضحيتها أبرياء في مشاهد تقشعر لها الابدان قام بها أناس يعيشون عصرا ظلاميا ويعانون أزمة وعي وجهل مطبق بقيمة الحياة.

هذا واقع يكشف وبجلاء عن نموذج لجماعة مأزومة كونها تعارض كل ما يقع خارج عالمها وما اعتادت عليه حيث تزرع الكراهية وتناصب العداء وتميل للتشاؤم والانعزال ولا تؤمن بالاختلاف، وتحتكر الحقيقة المطلقة وتستنفر طاقتها ضد من لا يتفق معها بل وتهاجمه بضراوة حتى لو تطلب الامر قتله.

على ان الحقيقة الماثلة للعيان ان الشيعة هم اخوة لنا لا يجوز تكفيرهم ولا تخوينهم وهم مواطنون مثلهم مثل غيرهم، متساوون في ذات الحقوق وعليهم نفس الواجبات. واعتقد انه بات ملموسا ان هناك فئات شاذة ومتطرفة سواء في السنة او الشيعة لا تلبث ان تدفع باتجاه تغذية الطائفية واشعالها عبر خطابات تحريضية متشنجة كريهة ما يخلق حالة من التوتر والاستقطاب في المجتمع.

ومن المؤلم ان تجد من يروج للعنف، ويحض على الكراهية وتكفير الاخرين من بعض الدعاة والائمة والمثقفين ما يجعل شبابنا ادوات في ايدي الحركات المتطرفة. ومع ذلك لا تتم محاسبتهم او تجريم ما قاموا به من تحريض ما يفتح الباب للشحن الطائفي وبامتياز.

ومن الطبيعي ان يستغل داعش هذه الأجواء وما يجري في المنطقة ليستثمرها لمصلحته لاسيما وان لديه أساليب خادعة وجاذبة لصغار السن عبر الصورة والرسالة الإعلامية المؤثرة لينضوي الشباب المسلم تحت كنفها ويكسب من خلالها تعاطفهم.

ولعل مسألة عدم الثبات الفكري إشكالية مستعصية يذهب ضحيتها صغار السن والمراهقون ما يفسر استهداف الجماعات المتطرفة لهذه الشريحة التي تستخدمها بكل سهولة كأدوات تفخيخية من اجل تحقيق مشروعاتهم واجندتهم.

وفي هذا السياق تجد ان الإفلاس الفكري والإحباط النفسي وشبق الشهرة والدعاية من مرتكزات العمل الإرهابي وهي بذور في تلافيف تلك العقلية السيكوباتية المريضة التي لا تنمو الا في عالم التناقضات الحدية. وان كنت لا اميل الى الرأي الذي يعتقد ان الطائفية ستجد لها مرتعا في بلادنا طالما اننا كنا متيقظين، فهي وان وجدت لها حيزا مثلا في تأجيج الصراع الطائفي في العراق فان ذلك لا يعني بالضرورة ان تُقطف ثماره في السعودية لان المواطن بات على قدر من الوعي والمسؤولية في مواجهة هذا المخطط المشبوه لعوامل يطول شرحها ليست مثار نقاشنا هنا.

ومع ذلك ثمة ضرورة لمراجعة المناهج التعليمية التي تشكل عقلية الطالب وتوجهاته، وذلك بتكريس مفاهيم التسامح والتعايش وقبول الاخر فكرا وعقيدة وثقافة، والتركيز على التعليم المعرفي لا التلقيني، وفسح مساحات أوسع للنقد الموضوعي والاهتمام بالفنون والمسرح والآداب. كون هذه منظومة فكرية وثقافية واجتماعية متصلة لتشكيل مجتمع منتج وحضاري قادر على مواجهة التحديات والمخاطر.

ولكن ما الذي يريده داعش من هذا التخريب والتدمير في بلادنا؟ وزارة الداخلية اشارت عبر العميد بسام عطية إلى أن تنظيم داعش "وضع أهدافا آنية داخل القطاعات الخمسة في السعودية هي رجال الأمن والفتنة الطائفية والمقيمون والأهداف بعيدة المدى مثل العسكرية والأمنية والاقتصادية".

وأضاف أن من ضمن الاستراتيجية توزيع العناصر البشرية، وتعيين أمير على كل منطقة، وتأسيس المأوى والمخابئ، ورصد المواقع ذات الأهمية لاستهدافها. وهذا نهج داعشي يحاول به اثارة القلاقل والفوضى داخل البلدان العربية والدفع باتجاه خلق صدام ونزاع مجتمعي على أي شكل كان من اجل الاستيلاء على السلطة.

صحيح ان داعش مفلس فكريا وقد يتلاشى ويموت شكلا ولكنه سيبقى فكرا ومضمونا ما لم نقتلع أسباب نشوئه ومحفزاته وذلك من خلال تفنيده فكريا ورفضه داخليا عبر وضع استراتيجية مضادة شاملة انطلاقا من ترسيخ الخطاب الديني الوسطي المعتدل ونشر الثقافة التنويرية.

ولذلك هناك مسؤولية مشتركة على الجميع تحتم على كل واحد منا ان يساهم بدوره من اجل الحفاظ على بيتنا الكبير لاسيما بعد الملحمة الوطنية التي شاهدناها في المنطقة الشرقية ولذا فاليقظة الفكرية والاحساس الوطني والمكاشفة كأدوات هي ما يجب التسلح بها الان لمواجهة الطوفان المظلم. وهذا يعني تجريم كل الأفعال التي تهدد امننا ووحدتنا الوطنية ونسيجنا الاجتماعي وبث مفاهيم التسامح والتعايش والمحبة واحترام الاخر.

صفوة القول: تماسك شعبنا سنة وشيعة قادر على احباط مخططات داعش ومن يقف وراءه، فما زادتنا تلك الاعمال الإرهابية الا إصرارا على ترسيخ وحدتنا الوطنية وهذا يستدعي منا الوقوف صفا واحدا امام الأصوات الشاذة في الداخل سواء من هذا الطرف او ذاك ومحاسبة أي صاحب دعوى طائفية من اي مذهب كان.
&