طارق إبراهيم

تناقض مثير؛ ذلك الذي يلف مواقفنا من ظاهرة العنصرية المتنامية داخل المجتمع السعودي، فنحن – من جهة – نفرط في اعتبار أنفسنا أكثر الشعوب رفضا وتنديدا لأي تمييز لفظي أو سلوكي يستهدف فردا أو جماعة على أساس قبلي أو جهوي، غير أننا - في المقابل- لا نتحرك بشكل فعال وممنهج لوضع تشريعات صارمة تردع من يفعلون ذلك!
صحيح أن خادم الحرمين الشريفين قد تدخل بنفسه في غير مرة لكبح نزوع البعض للتفاخر، موجها بذلك رسالة واضحة جلية بأن وحدة المجتمع السعودي خط أحمر غير مسموح لأحد – مهما علا – بأن يقترب منه، لكن يبدو أن بعضنا لم يدرك بعد جوهر هذه الرسالة، فبقي وفيا لتعصبه المقيت، حتى وإن تسبب له ولأهله في كوارث كتلك التي ظهرت مؤخرا في بعض الحوادث المحزنة.


وصحيح كذلك أن نخبتنا المؤثرة، دعاة وإعلاميين ومثقفين ورجال أعمال، لا تفوت فرصة للتحذير من هذا الخطر، ليس فقط لتناقضه مع ثوابتنا الدينية التي تحرم التنابذ بالألقاب، وتساوي بين الناس دون النظر إلى أنسابهم وألوانهم، وإنما أيضا ليقينها بما يمثله من خطر جسيم على وحدة شعبنا وسلامة وطننا المحاط أصلا بتهديدات سبق لها وعصفت ببلدان كنا نظن أنها أعصى على الفوضى، ثم وجدناها تتحول – بمجرد أن انجرفت في طريق الطائفية – إلى ساحات للحروب والدمار والدم، لكن أكثر ما يلفت النظر أن يقينا كهذا لم يجد – حتى الآن على الأقل- لا تشريعا يُجرم من يخالفونه، ولا توجها مؤسسيا أو إعلاميا ينقله من خانة الضمير إلى إجراءات فاعلة على أرض الواقع.
شخصيا؛ يدهشني أولئك الذين يغضبون - بصدق- من كل تصرف عنصري، فيخصصون لانتقاده والتحذير منه أقلامهم وبرامجهم، لكنهم يتوقفون عند هذا الحد ولا يشغلون أنفسهم بكيفية القضاء على جذوره، ولا بالطريقة المثلى التي تحمي الأجيال الجديدة من تداعياته، والسبيل الذي يرد للضحايا اعتبارهم أمام المجتمع.


ويدهشني أكثر أن بعض هؤلاء يرهن غضبه بزاوية واحدة في مثل هذه الظاهرة، فإن كان الأمر يمس – مثلا- لاعبا في فريق شهير أو إعلاميا مؤثرا، تحرك لمواجهته والتنديد به، أما إن كانت الإساءة موجهة لفئات أو أشخاص من دوائر أخرى غير مرئية أو مهمشة، فلا يلقي لها بالا، وكأن الجريمة تحدث في عالم آخر، رغم أن الحقيقة التي نعرفها جميعا تقول: إن التمييز في مثل هذه الدوائر يعد أصل الداء ومكمنه.


وفي تقديري أن التعامل الناجح مع قضية العنصرية يتطلب - قبل كل ما سبق- وجود قوانين واضحة وشاملة تتطابق مع ما جاء في شريعتنا الغراء من رفض جذري للعنصرية بكافة أشكالها، وتتضمن – في الوقت ذاته- عقوبات رادعة بحق كل من يخالفها، على أن يكون تطبيق هذه العقوبات أولوية لأجهزة الدولة، بما يثبت للجميع أن خطرا كهذا لن يُسمح له لا بتهديد وطننا، ولا بتعكير صفو حياتنا، ولا حتى بجرنا للانشغال به عن طموحاتنا في التنمية والرخاء.