مشاري الذايدي

من التجارب التي تكررت كثيرًا لمن انتقد الجماعات الأصولية المسيسة، داخل إطار المسلمين، هو وجود أصوات شيعية مساندة ومؤيدة إذا كان النقد موجهًا للجماعات المنتمية للسنة، والعكس صحيح، مساندة أصوات سنية إذا كان النقد موجهًا للجماعات المنتمية للشيعة.


هذه ردة فعل تكررت بشكل رتيب وعجيب على مدى السنين. وشخصيًا اختبرت هذه المواقف منذ اندلع إرهاب «القاعدة» والزرقاوي في بداية العقد الماضي. ثم إرهاب حزب الله اللبناني التابع للخمينية. والميليشيات الشيعية العراقية منذ أبو درع حتى الحشد الشعبي.


حين كانت الكتابة والتعليق في نقض ما فتلته «القاعدة» وجعله أنكاثا، وتحرير الضمير المسلم والثوب الوطني من درن القتل والتكفير والتخريب في الأرض تحت شعار «القاعدة» وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وسيد قطب والزرقاوي، كان هناك من يصفق ويؤيد من الصف الشيعي - ولست هنا أتحدث عن النبلاء ممن ارتقوا عن منطلقات التشفي الطائفي - وكان هؤلاء الذين يصفقون هم أول من يغضب ويحنق من نفس الكاتب والمعلق إذا ما مس بنقده حسن نصر الله أو قاسم سليماني أو نوري المالكي.


والآن، وبعد أن صارت «داعش» ومعها شقيقاتها في التكفير والتفجير باسم الخلافة الإسلامية، هي مصادر الخطر والضرر على هوية ووجود المسلمين وصورة الإسلام نفسه، صرنا نقرأ ونسمع هذا التعليق المكرر عند كل نقد ونقض يتوجه لـ«داعش» وشقيقاتها وهو: أينكم عن جرائم حزب الله اللبناني وميليشيا الحشد الشعبي ضد أهل السنة في العراق وبلاد الشام، وأينكم عن خبائث الحوثيين ومكائد الإيرانيين الحاقدين؟
والحق أنه لم يقل عاقل إن ضرر «داعش» وقبلها «القاعدة» يلغي ضرر الحوثي والحشد الشعبي وقبلهما حزب الله. تعددت الأسماء والشر واحد.


الحديث عن خطر المخطط الإيراني بنكهته الخمينية وشعاراته المدمرة، لا يعني السكوت عن دمار التمدد المتطرف بنكهته القطبية القاعدية الداعشية.


هذه المطالب بالصمت عن «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» لأن إيران والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان هم الخطر الحقيقي - فوق أنه تضليل - هو مساهمة أيضا في تغذية مصادر الخطر كلها بمقومات البقاء والنماء.
والأمر الآخر، هذه المطالب من الراديكالي الشيعي أو السني هي حيلة لتشتيت النقد عن جماعة المنقود. أو لنقل ليس جماعته ولكن من يتعاطف معهم بدرجة ما.


الشر واحد. والخطر متشابه، بل إنه يتغذي من وجود الطرف الآخر الشبيه له في تفكيره.


لا خروج من دائرة الشر هذه إلا بكسرها، ونقض منطقها الذي يبدو في ظاهره متناحرًا ولكنه في باطنه شديد التشابه.


ضد «داعش» و«القاعدة» و«النصرة»، وفي الآن نفسه ضد حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي وميليشيا الحوثي. هل هذا مستحيل؟