هاني الظاهري

تقول الأخبار إن إحدى القنوات الفضائية الدينية التي يمتلكها سعوديون وتوصف بـ«المحافظة»، أخلت مسؤوليتها أخيراً عن تورط أحد أبرز نجومها في الانتماء لتنظيم «داعش»، بعد مصرعه في سورية تحت قصف قوات التحالف.

&

الإرهابي «ماهر مشعل»، الذي قدمته تلك القناة الفضائية كمنشد ونجم جماهيري، وملهم لملايين المتابعين من المراهقين والمراهقات بشكل متكرر ومكثف على شاشتها، ليس الإرهابي الوحيد الذي تخرج من الوسط الإنشادي «الصحوي» الذي تتبناه وتروج له القنوات الموصوفة بالمحافظة، إذ سبقه المنشد الإرهابي محمد شظاف الشهري، الذي فجر نفسه قبل نحو عشرة أعوام في مجمع الحمراء السكني في الرياض، وتسبب في مقتل عدد كبير من الأبرياء، بعد ظهوره كنجم إنشادي في قناة دينية مشهورة التي أخلت مسؤوليتها أيضاً آنذاك.

&

المصادفة الطريفة، أن مقتل المنشد الداعشي ماهر مشعل بنيران قوات التحالف في سورية تزامن مع مصرع منشد تنظيم «القاعدة» في اليمن المدعو «أبوهاجر باقعيطي» في اليوم نفسه، بقصف للتحالف أيضاً عبر طائرة من دون طيار في المكلا، وكأن قوات التحالف قررت تخليص العالم من أصوات الإرهاب النشاز دفعة واحدة، وحرمان الإرهابيين من التمتع بطربهم الخاص.

&

قانونياً، لا يمكن اعتبار القناتين المشار إليهما مدانتين بتفريخ الإرهابيين، لعدم وجود أدلة واضحة وصارمة تثبت ذلك، لكن كل قناة منهما متورطة أخلاقياً من رأسها حتى أخمص قدميها في صناعة نجومية أولئك القتلة، إذ أسهمتا بشكل أو آخر بتعاطف عدد كبير من المراهقين والمراهقات مع مقتل الإرهابيين، وهو ما ظهر جلياً في شبكات التواصل الاجتماعي بعد شيوع أنباء مصرع نجم القناة الداعشي، إذ خصص له جمهوره أو جمهور القناة «لا فرق» وسماً في «تويتر» بعنوان: «استشهاد ماهر مشعل» انهالت فيه التعازي الحارة وكأنه بطل قومي وليس قاتل أطفال وأبرياء، بل إن من دان فعله من ذلك الجمهور، دانه على استحياء، واصفاً الإرهابي بـ«المغرر به» و«المخدوع» وما إلى ذلك من تبريرات ساذجة، لتحسين صورة المجرم، وهذا بحد ذاته أمر خطر يجب الوقوف عنده.

&

قبل أعوام، قاتل التيار الصحوي وصرف الأموال من أجل صناعة باقات قنوات فضائية مشفرة ناطقة باسمه وآيديولوجيته، تحت وصف «الإعلام المحافظ»، لكنه فشل في تسويق تلك الباقات، على رغم الدعاية المهولة، لأن المعادلة دخلت دائرة التجارة والاشتراكات المدفوعة، فاضطر بعد عناء لاقتحام السوق الفضائية المفتوحة معتمداً على دعم التاجر الفلاني والداعية العلاني، وابتكر برامج الواقع الإنشادية السخيفة، واضطر في أحيان أخرى لتسويق الخلطات العشبية للنساء الجاهلات، ومارس من دون خجل أسوأ أنواع تجارة الجهل والتجهيل، موفراً لنبتة الإرهاب البيئة المناسبة للنمو، لأنها ببساطة لا تعيش إلا في أوساط جاهلة مغيبة تمثل في أفضل حالاتها مستنقعات موبوءة، لا يُكافح نتاجها إلا بردمها أولاً.
&