شمسان بن عبد الله المناعي
أعمال الإرهاب التي تمثلت في التفجير داخل مساجد طائفة الشيعة أثناء صلاة الجمعة في شهر رمضان المبارك، الذي قام به تنظيم «داعش» في كل من السعودية والكويت، لم تكن في حدّ ذاتها أعمالاً إرهابية تمثلت في تفجير مساجد لطائفة الشيعة، ويجب ألا نأخذ هذه الأعمال الإرهابية في سياقها الطائفي والسياسي والديني فحسب، فـتنظيم «داعش» يتوقع منه أن يقوم بمثل هذه الأعمال الإرهابية، وإنما هناك أبعاد أهم لهذه الأعمال الدموية، وهي الأبعاد النفسية والسوسيولوجية، فمن الناحية النفسية الهدف هو بث الخوف والروع في نفوس مواطني مجتمعات الخليج العربية الآمنة، لأن هذه الدول لم تتعود على سفك الدماء وأعمال القتل، وكذلك من الأهداف النفسية محاولة زعزعة الثقة بين الشعب والقيادات، تمهيدًا لخلق نزاعات طائفية وتفكيك نسيج المجتمعات الخليجية، التي لا تعرف الطائفية، وتكوين بنية ديموغرافية جديدة لهذه المجتمعات، وذلك عندما تتكرس الطائفية وينتشر الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، تمامًا مثل ما يحدث في لبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا.
ولذا نتوقع أن تتكرر مثل هذه الأعمال، لأن «داعش» ليس هدفه القتل والتدمير، فهذه أهداف توصله إلى أهداف بعيدة. أما الأهداف السوسيولوجية فهي تتمثل في تغير التركيبة الديموغرافية لهذه المجتمعات، فرغم أن دول الخليج وصلت إلى مرحلة المجتمعات شبه المدنية، وفيها كثير من المؤسسات والقوانين، إلا أنه لا تزال توجد فيها ظواهر مثل الولاء القبلي، وهذا ما يظهر واضحًا في التواصل بين الحاكم والمحكوم أو أثناء الانتخابات أو البيعة أو غيرها من التغيرات التي تمر بها مجتمعات الخليج العربية.
ومن هنا يسعى «داعش» بأعماله الإرهابية هذه إلى إدخال المجتمعات الخليجية في دائرة ما يدور في المجتمعات العربية الأخرى التي يوجد فيها اضطرابات، وتشهد قتالاً طائفيًا وقبليًا وحزبيًا، وجعل الباب مفتوحًا للتدخلات الأجنبية وتفكيك وحدة المجتمعات الخليجية حتى يسهل على القوى الأجنبية التي لها أطماع إيجاد نفوذ وتبعية لها في دول الخليج العربي، وبالتالي يسهل على «داعش» الدخول على الخط ليصبح طرفًا في الصراعات التي ستحدث بعد ذلك، خصوصا أن «داعش» له أتباع وخلايا نائمة، مما يسهل أن يكون له موقع في دول الخليج، وذلك حلم «داعش» في أن يكون له وجود في دول الخليج العربية، خصوصا أن بلدان الخليج العربي مشغولة بقضية اليمن التي تهم دول الخليج، أكثر من أي دولة أخرى.
نعرف أن أطماع تنظيم «داعش» في دول الخليج العربية أكثر من أطماعه في الدول الأخرى التي يوجد فيها. وقد يسأل سائل لماذا هذا التوجه عند «داعش»؟ نقول إن السبب هو أن «داعش» له أحلام في احتلال دول ليعلن قيام دولته المزعومة، وهناك من القوى الأجنبية من يشاركها في هذا الهدف وهي إيران، ولذا ليس ببعيد أن يكون هناك تحالف بين «داعش» والنظام الإيراني، والدليل على ذلك يتمثل في السؤال التالي: لماذا «داعش» يقتل السنة في العراق وسوريا ولا يمس الشيعة؟ ولم يطلق رصاصة واحدة على قوات النظام الإيراني لا في العراق ولا في سوريا؟
نرى أن أهداف «داعش» تلتقي مع أهداف النظام الإيراني تجاه الخليج العربي والسعودية خاصة، وما قام به «داعش» من تفجير مساجد للطائفة الشيعية، يؤكد ذلك ويخدم أهداف النظام الإيراني، الذي يعتبر السعودية حجر عثرة ضد طموحاته الطائفية، وذلك لأنها هي من يقف ضد هذه الأطماع الإيرانية في المنطقة، ويقود التحالف على أهداف النظام الإيراني، وهذا لا نقوله نحن، إنما يعترف به النظام الإيراني من خلال تصريحات قياداته، إذ يقول محسن رضائي، في حوار مع وكالة أنباء فارس: «إن الخطوة التي قامت بها السعودية في اليمن والبحرين وسوريا ستتواصل»، مضيفًا أن «هناك تحليلات تذهب إلى أن هناك مؤامرات تحاك لاستهداف أمننا الوطني، وأنا كوني مقاتلاً أدعو كل أعضاء حرس الثورة الإسلامية والتعبئة الشعبية، وكل المقاتلين في جبهة الإسلام، إلى أن يكونوا على جاهزية تامة، لكي يكون ردنا حاسمًا على أي تحرك عند حدود البلاد، بحيث يحبط المؤامرات».
أمام هذا الواقع يتحتم على دول الخليج العربية، زيادة التنسيق الأمني في ما بينها، وعدم ترك المجال لأي خلافات قد تحدث في ما بينها، لأن الموقف يتطلب الوحدة والتماسك في ما بينها، وعدم إعطاء الفرصة لأحد للتدخل في شؤون الخليج العربي، ودول الخليج عرف عنها أنها عند الأزمات يزداد التماسك والتلاحم في ما بينها، وهناك أحداث كثيرة تدلل على ذلك وخصوصا أثناء الغزو العراقي للكويت، فلقد تجلى هذا الموقف، وأن أي خلافات في ما بينها ما هي إلا خلافات عابرة، وذلك لأن ما يربط دول الخليج العربي ليست هي المصالح الاقتصادية، إنما رابطة المصير المشترك وصلة الدم الواحد، فهل يصمد خليجنا؟
التعليقات