محمد الساعد

كثير من السعوديين ممن عاشوا في السبعينات والثمانينات الميلادية وما بعدها لن ينسوا أبداً ماجد الشبل، وبدر كريم، ومحمد صبيحي، ومحمد رمضان، وعلي داوود، وشعاع الراشد، ودنيا بكر يونس، وغالب كامل، وسليمان العيسى، وغيرهم كثير من نجوم ونجمات الإعلام السعودي.

&

عن نفسي وربما غيري كثير، فإننا لا نعرف معظم مذيعي القناة الأولى الحاليين، فما بالك بالثانية والإخبارية، فما الذي حصل؟

&

الذي حدث أننا في لحظة من لحظات الاستسلام لثقافة «الموت»، وصناعة كوابيس الخصوصية، فقدنا طريقة صناعة النجوم، الذين يحملون صوتنا وإعلامنا السعودي إلى الداخل والخارج.

&

أولئك النجوم الذين كانوا في يوم من الأيام، وجهه المتألق الذي يبحث عنه الناس، ويحبون متابعته ومشاهدته والاستماع إليه، تسربوا خارجه إما بالمرض أو الموت، وإما باليأس مما وصلت إليه حالهم.

&

نحن لم نفقد الطريق فقط، بل نسينا أن الإعلام ليس وظيفة، وليس مجاملة، وليس ترقية في سلم الرواتب، نجامل فيها أقاربنا وأحبابنا.

&

الإعلام نجومية وهِبة وضعها الله في بعض خلقه، منوَّعة بتنوعهم، كما وضع هبة الرسم أو النحت أو الصوت العذب.

&

الإعلام التلفزيوني بالذات موهبة صعبة، ولها مواصفات خُلقية في الشكل، وملكات تولد مع صاحبها، ينميها بعد ذلك، ويبرزها لكي تبرزه.

&

إعلامنا السعودي اليوم، ولاسيما التلفزيوني، يكاد يكون كسيحاً، فها نحن نعيش بلا نجوم حقيقيين، وإن وجدوا، فهم قلة ذهبوا إلى القنوات المحسوبة على السعودية في الخارج.

&

الصحف تفقد قراءها يوماً بعد يوم، والتلفزيونات المحلية تكاد لا تشاهد، والمتابع نَفَر وابتعد، ليس لأن الإعلام الجديد اكتسحها، ولكن لأنها أضحت شاشة بلا نجوم، وأهلها الحقيقيون غادروها بلا رجعة.

&

صحيح أن المجتمع انساق وراء نجومية بعض الوعاظ، الذين صنعوا لأنفسهم هالة من «القدسية»، والوجاهة المالية والاجتماعية، لكن الناس لا تزال تبحث عن نجومها الحقيقيين في الفن والإذاعة والتلفزيون، نجوم الحياة، لا نجوم «تكفين الموتى في الأسواق».

&

فالمهمشون والهامشيون، الذين يطلون علينا صبح مساء، سواء من الإعلام التقليدي أم الإعلام الجديد، ليسوا إلا كوابيس مفزعة، هبطت علينا بالقوة، بعدما فرطنا في تسيدنا لصناعة الإعلام ونجومه.

&

ومن أراد أن يتذكر تلك الفترة الذهبية التي سدنا فيها الإعلام والفن، عليه أن يسأل عن صحيفة الشرق الأوسط في الثمانينات والتسعينات، وكيف كانت زعيمة الإعلام الورقي، الذي تساقط أمامها كل إعلام المهجر والعواصم المناوئة، وعن مجلة المجلة، وسيدتي، وأي آر تي، والإم بي سي، وأوربت.

&

صحيح أن بعضها لا يزال فعالاً بنسب متفاوتة، لكننا فقدنا تلك السلطة وتلك القوة الناعمة، بل تلك الهيمنة، ونحن اليوم على وشك أن نفقدها ربما جميعها، ما لم نتدارك أمرنا ونعيد صناعة نجوم الفن والموسيقى والمسرح والإعلام.
&