عبدالله خليفة الشايجي

أتابع في الولايات المتحدة حيث أمضي فيها فصل الصيف، الذي يقترب من نهايته، تطور الأحداث السياسية الجارية وتنوعها وتشعبها. والظاهرة اللافتة التي تفرض نفسها بقوة ولا صوت يعلو عليها هو «دونالد ترامب» الملياردير المثير للجدل، الذي يريد التعامل مع السياسة كرجل أعمال وليس كسياسي، ونقل مفهوم «البزنس» إلى السياسة، ولذلك عندما ترشح لسباق الرئاسة لم يعره كثيرون اهتماماً.. وقد اعتقد الجميع أنه فقاعة وسحابة صيف ستختفي سريعاً! ولكن ذلك لم يحدث!

ويبدو أن هناك انزعاجاً وخشية لدى الناخب الأميركي من أن يقتصر السباق على منصب الرئيس بين هيلاري كلينتون -زوجة الرئيس بيل كلينتون عن الحزب الديمقراطي، وجيب بوش ابن الرئيس بوش الأب وشقيق الرئيس بوش الابن، وكأنه أصبح أمام أميركا الملكية وليس الجمهورية، ليتكرر اسم المرشح بوش للمرة الثالثة وكلينتون للمرة الثانية!

&


ولكن الملياردير «ترامب» صاحب العقارات الشهيرة والاستثمارات المتنوعة وبرامج الواقع على شبكات التلفزة، غيّر قواعد اللعبة كلياً وفرض نفسه كحالة فريدة همّش فيها بقية المرشحين الستة عشر الآخرين عن الحزب الجمهوري، الذين يأتي جلهم من الخلفية التي توصف عادة بخزان ومصنع الرؤساء الأميركيين -منصب السيناتور وحكام الولايات! وقد خالف «ترامب» تلك القاعدة أيضاً بقدر ما خالف مواقف السياسيين والمرشحين التقليدين من الحزبين، فهو يتهم المرشحين بأنهم ألعوبة بأيدي لوبيهات المال والشركات وأصحاب المصالح الذين يتبرعون لحملاتهم الانتخابية.. ويصف خصومه، حتى من الحزب الجمهوري، بالفاشلين مثل جيب بوش حاكم ولاية فلوريدا الأسبق، والسيناتور ماركو روبيو (من أصول كوبية)، وهو يتقدم عليهما في استطلاعات الرأي بين الناخبين من الحزب الجمهوري، حتى في ولاية فلوريدا نفسها التي ينتميان إليها!

وآخر استطلاعات الرأي في نهاية الأسبوع الماضي تظهر «ترامب» وقد زاد تقدمه من 25% إلى 32% وهو بذلك يضاعف الفارق بينه وبين جيب بوش الثاني في الاستطلاع! وتتسابق الآن وسائل الإعلام على استضافته، ويجري مقابلات، ويعقد لقاءات، وتزين صورته غلاف مجلة «تايم» الشهيرة لهذا الأسبوع! وأنا أكتب هذا المقال أحتشد أيضاً للاستماع له عشرات الآلاف في ملعب كرة القدم الأميركية في مدينة «موبيل» بولاية ألاباما، وهذا ما لم يحدث من قبل!

ومن اللافت في «ترامب» صراحته المفرطة إلى حد الوقاحة، وتوجيهه إهانات للمرشحين الجمهوريين سواء في المناظرة أو في المقابلات كما فعل مؤخراً مع «ميجين كيلي» المذيعة ونجمة شبكة «فوكس نيوز» التي شاركت في إدارة أول مناظرة تلفزيونية بين عشرة مرشحين للرئاسة عن الحزب الجمهوري تابعها 24 مليون مشاهد -وهذا رقم قياسي لمشاهدة مناظرة تلفزيونية قبل 15 شهراً من انتخابات الرئاسة! وطبعاً سبب هذا الرواج هو مشاركة «ترامب» الذي طغى حضوره على الجميع، ودخل في سجال مع عريفة المناظرة!

ويركز «ترامب» في حملته الانتخابية على شعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» وينتقد تخبط وفشل أوباما وإدارته التي جعلت الصين تتقدم على أميركا ودفعت بالمصانع الأميركية للانتقال إلى الخارج، وحتى المكسيك.. وينتقد الاتفاق النووي مع إيران، وفشل السياسة الأميركية في سوريا، ويريد المزيد من الدعم لإسرائيل!

ولا يجد «ترامب» حرجاً ولا تردداً في شن حرب وتوجيه سيل من الانتقادات اللاذعة لفشل أوباما وكذب هيلاري كلينتون التي يصفها بأنها أفشل وزيرة خارجية في تاريخ أميركا. ويتهم جيب بوش بأنه دمية بيد اللوبيهات وأصحاب المصالح، ويهاجم أيضاً شبكة «فوكس نيوز».

ولاشك أن «ترامب» ظاهرة تستحق الدراسة وخاصة أنه أصبح محط إعجاب الملايين من الأميركيين. وبدأ يؤثر على مزاج الناخب الأميركي المتلهف للتغيير وكسر الروتين والتقليد.. ولهذا لن يكون «ترامب» سحابة صيف عابرة كما راهن البعض، بل هو قوة تغيير تثير الحماس عند الناخب الأميركي، لأنه يتحدث عن استعادة عظمة ودور أميركا ولو بشكل عاطفي ومبالغ فيه... وكذلك يثير «ترامب» أيضاً الذعر والرعب عند المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين وفي مؤسسة الحزبين معاً! وكل ذلك سيجعل انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة في نوفمبر 2016 أكثر متعة وإثارة وتشويقاً.. وفي مقال آخر سنتطرق، إن شاء الله، إلى «ترامب» ورؤيته لدور أميركا تجاه القضايا العربية والخليجية.
&