عبدالله بن بجاد العتيبي

الملك سلمان بن عبد العزيز في الولايات المتحدة الأميركية، الشريك والحليف الاستراتيجي الأكبر للمملكة العربية السعودية. لقاء قمةٍ واستقبال كبير للضيف الكبير، واجتماعاتٌ ومشاوراتٌ، ولجانٌ وملفاتٌ، وحواراتٌ لا تخلو من الصراحة والشفافية.


أعلن الملك سلمان حرصه على أن تكون زيارته الخارجية الرسمية الأولى لأميركا، وقال: «نحن نعتبر علاقتنا مع الولايات المتحدة الأميركية مفيدة للعالم ولمنطقتنا»، ومع تأكيده أن «السعودية بلدٌ مستقرٌ»، أشار لحرص البلدين على نشر الاستقرار في المنطقة.


بدا واضحا في واشنطن النهج السعودي الجديد في العلاقات الدولية، الذي يزور بلدان العالم ليبني توازنات جديدةٍ ويقدم فرصًا استثماريةً واعدةً للمستثمرين الأجانب ويعرض تطوير العلاقات عبر حزمةٍ من الملفات المنظمة تتعلق بكل المجالات، وهو ما يمكن استحضار سوابق له في روسيا وفرنسا من قبل، لكنه أكثر جلاءً في هذه الزيارة المحورية.


حظي الجانب الاقتصادي بنصيب كبيرٍ من الزيارة الملكية، وتمّ تقديم العديد من الفرص الاستثمارية للمستثمرين الأميركيين في مجالات التعدين والنفط والغاز وقطاع التجزئة بمبالغ تقارب النصف تريليون دولار، وتم بحث مجالاتٍ أخرى تتعلق بالتعاون العسكري والتعاون في مجال الصحة ومكافحة القرصنة وحماية البيئة وغيرها.


يأتي هذا في سياق ما تحدث عنه وزير الخارجية السعودي، من أن الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد قدّم للرئيس الأميركي عرضًا لمشروع الشراكة الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين، وأن الملك سلمان والرئيس أوباما طلبا وضع آلية لهذه الشراكة المتجددة، و«كشفت مصادر الوفد السعودي أن الأمير محمد بن سلمان اجتمع مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري.. وعرض عليه مشروع الشراكة الاستراتيجية والذي يربط القطاع الخاص الأميركي بالسعودية لعقود طويلة».


الجانب السياسي هو أحد الجوانب الأكثر أهميةً في هذه الزيارة، فملفات المنطقة الساخنة تحتاج إلى معالجةٍ تجمع بين الإحكام بحسب العقل والسرعة بحسب الإمكانية، فالملف الإيراني كان على طاولة المحادثات السياسية وبأبعاده الثلاثة: الملف النووي، تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية، ورعاية إيران للإرهاب. في الملف النووي صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن «أوباما أكد لخادم الحرمين الشريفين أن الاتفاق يمنع إيران من تطوير سلاح نووي»، وفي تدخلات إيران في الدول العربية ترى السعودية أنه يجب لجم تلك التدخلات الإيرانية وإيقاف طموحاتها لفرض هيمنتها وبسط نفوذها على الدول العربية والشعوب العربية، وأنه لا يمكن إيقاف الإرهاب والقضاء عليه بشقيه السني والشيعي، ما لم تتخل إيران عن زرع الميليشيات وخلايا الإرهاب والتجسس في الدول العربية، وأن محاولاتها لزرع الطائفية، كسلاحٍ سياسي وأداةٍ لتفتيت الوحدة الوطنية في الدول العربية، لن تجلب سوى الخسارة لها في المنطقة.


طبيعة العلاقات السعودية الأميركية منذ بدئها باللقاء التاريخي الشهير بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، وصولا للقاء الملك سلمان بالرئيس أوباما، كانت دائما قائمةً على التحالف والمشاركة والتعاون، والحلفاء يختلفون وتتباين وجهات نظرهم وتفترق رؤاهم، ولهذا يجتمعون ويتواصلون ويتناقشون، ومهما كانت الخلافات كبيرة تبقى العلاقات أعمق والمشتركات أكبر.


أوصى الملك عبد العزيز ابنه وولي عهده سعود قبل رحلته لزيارة أميركا بالقول: «أكدوا للرئيس ولرجال حكومته ولجميع من تقابلونهم، وفي جميع المناسبات التي يتاح لكم الحديث فيها، محبتنا لأميركا». وأضاف بناء على وعيه التاريخي الحاد بتوازنات القوى في عصره وتخلي أميركا عن عزلتها قائلا: «أظهروا لهم أننا قد نظرنا بعين الرضا والاطمئنان إلى ترك الولايات المتحدة سياسة العزلة والانقطاع التي كانت تسير عليها في الماضي» (الزركلي ص 776).


وقد شهد الملف اليمني توافقا بين الطرفين، وأكدا على ضرورة التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 2216 المتعلق باليمن، وكانت «عاصفة الحزم» في اليمن هي الردّ السعودي القوي على التدخلات الإيرانية في ذلك البلد العربي المغلوب على أمره من المخلوع صالح، ومن ميليشيا الحوثي الإرهابية. وها هي بشائر نصرها تلوح في ربوع اليمن. وبعد النجاح الكبير للقوات الجوية افترق العمل إلى مسارين بالتوازي: مسار الدعم البري للجيش اليمني الموالي للشرعية والمقاومة الشعبية «السهم الذهبي»، ومسار العمل الإغاثي «إعادة الأمل» الواسع الذي يقوده مركز الملك سلمان للإغاثة، والذي لقي نشاطه ترحيبًا في واشنطن.
الملف السوري والأزمة السورية كانا حاضرين بقوةٍ في مباحثات الزعيمين. وقد أكد البلدان اتفاقهما على أن مستقبل سوريا يجب أن يكون خاليا من نظام بشار الأسد الذي فقد شرعيته بقتله لشعبه بكل أنواع الأسلحة. وقد تزامن ذلك مع تصاعد مأساة اللاجئين السوريين أوروبيا وإعلاميا بعد دخول الآلاف منهم للدول الأوروبية، وتباين مواقف بعض الدول تجاههم، وبعد الصورة المفجعة للطفل السوري الملقى غريقا على شاطئ البحر، بما تحمله من رمزيةٍ وتكثيف لحجم المأساة السورية.


في الملف اللبناني والملف العراقي هناك توافق كبير بين الطرفين على أهمية انتخاب رئيس في الأول ودعم كل سبيلٍ لاستقرار الثاني. والسعودية معنيةٌ بمساعدة الأشقاء في البلدين من دون تمييزٍ أو استثناء لأي حلولٍ تضمن وحدة البلدين واستقرارهما واستقلال القرار فيهما عن أي مؤثراتٍ خارجيةٍ أو أطماعٍ إمبراطورية مزعومةٍ، وبما يخدم شعبيهما ويرعى مصالحهما.
&

تعلم واشنطن جيدًا أن السعودية حليف استراتيجي قوي وقادر على محاربة الإرهاب، وتاريخ الإنجازات الأمنية السعودية في مواجهة الإرهاب تاريخٌ مشرفٌ ونموذجٌ مبهرٌ. ومن هنا فقد كان ملف محاربة الإرهاب حاضرًا في المحادثات المعمّقة التي تمّت خلال الزيارة. والسعودية طالما كانت ركنًا رئيسيًا وفاعلاً في محاربة الإرهاب لا على المستوى المحلي فحسب، بل على المستويين الإقليمي والدولي. وقد أكد الجانبان حرصهما على استمرار وتعزيز التعاون في هذا المجال لا سيما والسعودية شريك فعلي في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.


كان الملك سلمان حاضرا في واشنطن بكل ما تمثله السعودية من ثقلٍ سياسي وعسكري واقتصادي، وهي في مرحلةٍ تقود فيها الدول العربية في «التحالف العربي» في اليمن، وتدافع عن الدول العربية وترعى مصالح الشعوب العربية، وبوصفها بلد الحرمين الشريفين ومليكها خادم الحرمين الشريفين، وهو أمر تعرفه واشنطن حق المعرفة.


أخيرًا، لم ولن تنتهي الخلافات تجاه العديد من الملفات بين البلدين، هذه حقيقةٌ واقعيةٌ وهذه طبيعة العلاقات السياسية، لكن حكمة الملك سلمان ووعيه السياسي وقيادته الفذة تبعث طمأنينةً للمنطقة في مستقبلها وحرصًا على السلم الدولي.