حسين شبكشي

لم تُعرف روسيا يومًا بدفاعها عن «القيم والمبادئ» أو «نصرة الضعيف والمظلوم».. هذا هو الإرث الذي أسسته لنفسها عبر الأزمان والسنوات الكثيرة. فهي دولة تستخدم القوة بأي أسلوب كان لأجل دعم الطغاة وتأسيس التجبر والتسلط كما هو الحال مؤخرًا في كل من أوكرانيا وسوريا.


اليوم روسيا لا تقدم فقط الدعم الدبلوماسي والسياسي لنظام الأسد كما هو الحال منذ انطلاق الثورة السورية ضد حكم الأسد الطاغي، لكنها قررت وبشكل معلن أن ترسل عددًا مهمًا من جنودها المقاتلين وطياريها الحربيين ومستشاريها العسكريين إلى الأراضي السورية للمشاركة مع قوات الأسد في الدفاع عن نظامه، وهي بذلك القرار تشارك بشكل عملي في نفس صفوف الميليشيات الإرهابية الأجنبية التي جاءت من الخارج للقتال مع قوات الأسد، مثل تنظيم حزب الله والحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وتنظيم أبو الفضل العباس.


وعلى الرغم من الاعتقاد بأن روسيا تقاتل في سوريا للدفاع عن الأسد (فقط)، فإن الحقيقة هي أن روسيا لديها الرغبة الهائلة في إبقاء موقع قدم مؤثر جدًا لها على مياه البحر المتوسط، وذلك كآخر موقع لها في المياه الدافئة، وعليه فإن روسيا تعتبر أن سوريا نفسها هي جغرافيًا تقع ضمن منظومة الأمن القومي الروسي الذي يتطلب حماية استثنائية ضد «الأطماع الغربية والأميركية تحديدًا»، بحسب تفسير السياسة الروسية لما يحصل في سوريا اليوم.


تدار السياسة الروسية في الشرق الأوسط بعقلية جهاز المخابرات السوفياتي القديم المعروف باسم الـ«كيه جي بي»، وهو الجهاز الذي كان ينتمي إليه الرئيس بوتين شخصيًا. هذا الجهاز، وبوتين تحديدًا، لديه حساسية هائلة من الحركات الإسلامية الراديكالية، فالجهاز واجه عينات منها في أفغانستان من خلال معارك ومواجهات عنيفة، ثم واجه الشيء نفسه لاحقًا في الشيشان وفي داغستان وفي مناطق الشركس على سبيل المثال لا الحصر، وهذه المشاهد هي التي تؤثر وبقوة على حكم الروس على المعارضة السورية تحديدًا وعلى الثورة السورية عمومًا، فهي لا تراهم سوى «إرهابيين ومتطرفين سبق أن حاربنا مثلهم»، وهذه الصورة الذهنية تجعل من دعمها للأسد ونظامه مسألة «شخصية» و«انتقامية»، ورد حساب قديم، بحسب ما يتم شرحه في الكثير من الدوريات والمقالات التحليلية الروسية.


روسيا تدرك أنها تتدخل «متأخرة»، وأن تدخلها هو للحفاظ على ما تبقى من النظام وليس بالضرورة النظام نفسه سواء أكان بالشكل الجغرافي له، حيث إن النظام لا يسيطر فعليًا في سوريا إلا على 20 في المائة من مساحة الأرض، أو بالشكل السياسي للنظام نفسه مع ضعف الجيش والاقتصاد والقبول السياسي والشعبي له داخليًا وخارجيًا.


بوتين لديه غصة ومرارة كبيرة تجاه ما يسميه التآمر الغربي ضده، ويستشهد بالعقوبات الاقتصادية العنيفة التي أوقعها الغرب على اقتصاد بلاده والتي تسببت في أضرار بالغة ونتائج سلبية كبيرة، وذلك نتاج مغامرته في أوكرانيا. ويعتقد عن قناعة أن الغرب «ورطه» في هذا المستنقع، لأن الغربيين استفزوه أكثر من مرة؛ مرة بتدخلهم في جورجيا الجار المهم لروسيا، والتي يعتبرها الروس هي وأوكرانيا امتدادًا «طبيعيًا» ومنطقيًا للدولة الروسية نفسها.. وقبلها بتهديد الغرب بوضع عدد مهم من الصواريخ الباليستية في المجر والتشيك وبولندا وهي الدول التي كانت جزءًا من المعسكر الشرقي للاتحاد السوفياتي ذات يوم ليس بالبعيد، واعتبرت موسكو هذا العمل «عملا عدوانيًا».. وأخذًا في الاعتبار كل ذلك يكون من المفهوم لماذا تقاوم موسكو بكل هذا الجهد الرغبة الغربية في إزالة نظام الأسد المجرم وذلك نصرة وحماية للثوار.
بوتين يعتبر موضوع سوريا حفظ ماء وجه له شخصيًا أمام العالم والغرب، ولا علاقة لبشار الأسد بهذه المسألة البتة.