علي القاسمي

يضعنا انفلات السلوكيات الناجم عن حمل السلاح إزاء صور متنوعة من الانحراف الأخلاقي، تضع المجتمعات في حال طوارئ حتى في لحظة أمان وهدوء، ويظل ضعف العقوبات أو على الأقل تمييعها سبباً جوهرياً للتعاطي البارد المعلب مع هذا الانفلات.

&

لا أعني التعاطي مع قضايا في شكل منفرد، بل التعاطي العام في صناعة مجتمع واعٍ ومؤمن أن السلاح في أيدي الجهلة لن يأتي بخير.

&

لست هنا لسرد ماذا يحدث في الشارع من أحداث وجرائم بين حين وآخر، ولا أحمل إحصاءات دقيقة، إنما أملك توجساً كبيراً من حمل السلاح كما لو أنه قلم حبر في جيب علوي. حامل السلاح إذا اتصف بالحمق والجهل والمراهقة فهو يذهب لفعل مخز. ويصل بتوافه النزاعات إلى سقف رفيع من العنف والإجرام، ليبقى السؤالان الدقيقان مطروحين حتى الآن: من الذي يحمل السلاح في الشوارع؟ ولماذا يحمله؟

&

في زعمي أنه لا يحمل السلاح في جولاته ومغامراته اليوميـة سـوى فـوضوي قادر على اختلاق القضايا والمضي فيها للرمق الأخير، ولا يحمله إلا من تـعلم من الشارع أن السلاح حلّ فصل في أي معركة طارئة أو مشاكسة تفرضها لوازم الطريق، ولا يحمله إلا من يرى أن عضلاته أقوى من أي شيء آخر، ولا يحمله - في الأغلب - إلا من كان عقله معطلاً أو خارج نطاق التغطية لسبب مجهول.

&

الحقيقة أن العادات والتقاليد نَمّت في جيل مسكين ضرورة حمل ما خف وزنه وغلا ثمنه من الأسلحة للمباهاة والاستعراض وإبراز الرجولة، لكن هذه العادات لم تنمِ العقول بالتوازي، فصار الميدان قابلاً للاشتعال والقتال، لكون حامل السلاح تعلم الرجولة بالطريقة الخاطئة وفهمها واستوعبها ملخصة في «استخدام سلاح». جيل السلاح يخرج من ورطة ما تصنع يداه بمهرب الكفالة، والتشديد على أن من عفا وأصلح فأجره على الله، وكارثة «هذا من طرف فلان»، وسوق الديّات الشهير.

&

أما لماذا يحمله... فلأن القوانين لم تخرج من دائرة الورق، والتحذيرات والتهديدات لا تتجاوز حاجز يوم أو يومين وتموت بعدها. حامل السلاح يعرف أن استخدامه إن لم ينفع فلن يضر بقوة العلاقات والوجاهة والفيتامينات التي تحيل المستحيل ممكناً.

&

هَبوا أن شاباً تجاوز بسلاحه كل المحاذير واستخدمه كيفما يريد وأحدث باستخدامه لغة شارع جديدة، ستكون قبيلته أول المدافعين عنه وستقف خلفه بالمال والرجال، لا ترضى أن يذهب ابنها ضحية تصرف طائش مهما كان حجم الخسائر في الطرف المتضرر. سيجتمع العقلاء والكبار وعلية القوم لإيجاد المخارج وابتكار الحلول، وتسخير الأموال، والوقوف على قضايا أحدثها من ألِف الشارع ورآه حاضناً له أكثر من غيره.

&

لكنهم لم يجتمعوا للحظة في إيقاف مهزلة هذه الأسلحة والاعتراف بأن الشاب يحملها ويتساهل بأي تراكمات أو تداعيات لها، ثقة بأن خلفه من سينسيه فوضى حملها، ويخفف عنه ثقل جريمته، ويقول له يوماً وإن طال: «بيض الله وجهك ما دون العنق سوى اليدين». وهكذا سيكون الشارع ميدان التفاهم، والسلاح صانع الانتصار، والمجتمعات ما بين «فزعتكم يا رجال» و «تبقى خمسة ملايين على اكتمال الدية».
&