وحيد عبد المجيد

كشف الاعتداء الذي تعرض له معسكر لقوات التحالف العربي في مأرب يوم 3 سبتمبر الجاري، أهمية الإسراع في توفير المقومات اللازمة لحماية ظهر هذه القوات عندما تتقدم لدعم القوات الموالية للحكومة الشرعية لدى زحفها إلى صنعاء. فتحرير صنعاء هو المعركة الحاسمة التي ستُتوِّج إنجازات عمليتي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، وستقدم نموذجاً لما يستطيع العرب إنجازه حين يمتلكون الإرادة والقرار ويتحملون التضحيات بشجاعة على النحو الذي نراه في موقف دولة الإمارات التي قدمت أكبر عدد من الشهداء الأبطال.

لكن معركة صنعاء ليست منفصلة عن المعارك الراهنة، بل محصلة لها. لذلك ربما يجوز القول إن مقدماتها بدأت منذ تحرير عدن ومعظم الجنوب اليمني، وبدء الانطلاق نحو الشمال أوائل الشهر الماضي. فكل ما يحدث منذ ذلك الوقت يصب في المسار المؤدي إلى صنعاء.

&


وتبرز في هذا السياق الإجراءات الهادفة لمحاصرة المتمردين اقتصادياً، فإضعافهم في هذا المجال سيهدِّدهم في معاقلهم التي يتحصنون فيها، ويُسهِّل بالتالي تحرير صنعاء. وفي مقدمة ذلك استئناف العمل بفرع البنك المركزي في عدن عقب تحريرها، وتحويل حركة الملاحة الجوية من مطار صنعاء إلى مطار عدن، وتحويل حركة الملاحة الجوية من ميناء الحديدة إلى ميناء عدن.

ورغم عدم وضوح ملامح خطة تحرير صنعاء حالياً، فليس صعباً تصور أن هذا التحرير يتطلب إحكام السيطرة على أربع محافظات مهمة، أولاها مأرب في الشرق. وتعطي قوات التحالف أولوية اليوم لإكمال السيطرة عليها، بعد وصول تعزيزات نوعية لها. وعندئذ ستكون مأرب جاهزة لمعركة صنعاء، خاصة بعد أن أقامت قوات التحالف مدرجاً لطائرات أباتشي في مناطق قريبة منها، فضلاً عن أن التعزيزات التي وصلت لهذه القوات شملت منطقة بيجان المحاذية لها، كما تمثل قمم الجبال في منطقة نهم الواقعة بين مأرب وصنعاء منطلقاً مهماً للقوات التي ستتقدم لتحرير العاصمة.

أما المحافظات الثلاث الأخرى، فهي الجوف في الشرق، والحُديدة على البحر الأحمر، وصعدة الشمالية التي تُعد المعقل الرئيسي للحوثيين. وقد بدأ الإعداد فعلاً لمعركة فاصلة لتحرير الجوف التي تدور فيها معارك كثيفة منذ منتصف أغسطس الماضي وكذلك الحال بالنسبة لمحافظة الحُديدة. أما محافظة صعدة فبدأت قوات التحالف تحقق اختراقات أولى فيها عبر إدخال قوات إلى بعض مناطقها. وربما تكون هذه مقدمة لوضع صعدة بين فكي كماشة في فترة لاحقة. وقد تكون «استراتيجية الكماشة» هي الأكثر فاعلية في تحرير صنعاء نفسها أيضاً، رغم عدم وجود «روشتة» معتمدة في هذا النوع من المعارك. ويُقصد بهذه الاستراتيجية الزحف إلى صنعاء من ثلاث جبهات في مأرب والجوف وصعدة، فيما توفر السيطرة على الحُديدة الحماية للقوات التي ستُطبق عليها. وإذا تزامن ذلك مع إحراز تقدم في الجهود المبذولة لبناء حركة مقاومة شعبية قوية في صنعاء، ربما يصبح تحريرها أسهل مما يبدو الآن في بعض التقديرات. وقد لوحظ وجود تحركات مكثفة لهذا الغرض، خاصة منذ الاجتماع المشترك للرئاسة اليمنية وهيئة مستشاريها والحكومة الشرعية في 13 أغسطس الماضي، والذي صدر عنه نداء إلى الشعب اليمني للالتحاق بالمقاومة لتسريع عملية استعادة الشرعية. فقد ازدادت أعداد اليمنيين الذين يتلقون تدريبات في جنوب السعودية، بينما يبذل قادة الجيش الموالون للشرعية جهوداً لتحقيق اختراق في أوساط القيادات العسكرية والأمنية الموجودة في صنعاء، إن لم يكن للالتحاق بالمقاومة فلإلقاء السلاح حين تبدأ عملية تحريرها التي سيُفاجأ الجميع بها كما حدث في عدن.

وهكذا دارت عجلة التحرير التي ستبلغ صنعاء خلال فترة قد تُعد بالأسابيع وليس بالشهور. لذلك وجب الاستعداد من الآن لمعركة لا تقل أهمية وصعوبة، وهي إعادة بناء اليمن.
&