سمير عطا الله

كتبت مرة منتقدًا إصرار سوريا على تعريب كل شيء في العلوم الحديثة التي تجاوز معظمها عصور العلم العربية، وبالتالي، نشأت عن ذلك مصطلحات وأعمال، من الأفضل والأسهل أن تبقى في لغاتها. وانتُقدتُ على ذلك كأنما النقاد أكثر حرصًا وعشقًا. كنت أقصد أن الإصرار على العربية لغة واحدة في التعليم هو انغلاق يمتد إلى كل المعارف والأفكار والثقافات. وأن الانغلاق في هذا الزمن المتسع غير طبيعي. ونتائجه ليست الحفاظ على اللغة والشعور القومي، بل البقاء في المراوحة والتراجع.


أحب أن أضيف أن العرب الذين ترجموا إلى لغتهم رواد العلماء والأطباء في اليونان هم الذين نقلوها، بلغتهم، إلى أوروبا. وهم الذين نقلوا إليها النزعة العلمية التجريبية بعد نقل الفلسفيات وغيبياتها وأحيانا سفسطتها. ولم ينقلوا فقط، بل وضعوا أصول الرياضيات وعلم الفلك. وفي زمن الأندلس أقيمت أول جامعات في القارة، وبسط الأندلسيون العلوم والترجمات في أنحائها.


لكن المحزن أن تلك العصور لم تستمر ولم يعد أحياؤها. والعلم لا يتوقف ولا ينتظر. وليس احتكارًا ولا قومية. وبعد الحرب العالمية الثانية تقاسم الأميركيون والسوفيات العلماء الألمان. وحمل اختراع الذرة في الجانبين تواقيع ألمانية. وكانت الدعابة الساخرة تقول: «ألماننا أفضل من ألمانكم».


لا أدري ما هي النسبة. لكن كثيرين ممن بنوا عصر العلم الأميركي ليسوا أميركيين. ولا يضير ذلك أميركا، بل تنافس بقية العالم على اجتذابهم. هكذا فعلت السينما التي كان أهم مخرجيها وممثليها من أوروبا. ففي النتيجة، انتهوا أميركيين ضمن خانة أميركية مع أن أسماء عمالقة المنتجين ظلت تدل على أصولهم الأوروبية الشرقية.


ليس للعلم قومية، إنما له أسماء علم نعرف بها اليوم ذبذبات الإذاعة وقوة الكهرباء والأدوية الخارقة التي تشبه السحر الأسطوري. والعرب هم أوائل من نقل العلوم الطبية التي كانت قبل ذلك تُعتبر مجرد ثقافة ومعرفة إضافية.


كانت أقدم جامعات في أوروبا طليطلة وقرطبة وإشبيلية. لكن اليوم هناك آلاف الجامعات التي ظهرت في العالم بعد الأندلس. وليس في بلادنا هارفارد أو أكسفورد أو ستانفورد أو السوربون. وذلك يلغي أهمية الأولية إلا من حيث التأسيس، ولا يبرر هذا التبلد الطويل والتشبب بالقرون الماضية.