طارق إبراهيم

طلة واحدة على أوضاع الأمتين العربية والإسلامية تكفي المرء ليصاب بكثير من الإحباط والهلع.


الإحباط لا يعود فحسب إلى بشاعة المآسي التي تحياها أمتنا في غير موقع، وإنما أيضا إلى ذلك الاستسلام المتزايد من قطاعات يفترض أنها أكثر وعيا وثقافة، للشعور بالعجز في مواجهة القوى التي تقف وراء ذلك كله.


يحبطك مثلا أن تشاهد طفلا عربيا مسلما وهو يتلوى من الجوع والعطش، ثم وهو يبحث عن مأوى فلا يجد غير موج البحر فيستسلم له، أملا في أن يلقيه على شواطئ شفقة الآخرين، بينما قادة بلاده لا يرف لهم جفن ولا يهتز لهم ضمير وهم يشاهدون مأساته. وستحبط أكثر حين تتابع نفس الطفل، وهو يرد على سؤال المستقبل بتهتهة مشحونة بوجع ويأس، ثم وهو يشيح بوجهه رافضا أن يصدق الوعود التي تلقى إليه بأن القادم أفضل.


مشهد كهذا -وبكل ما فيه من دلالات- ربما يكفينا شر متابعة باقي أحوالنا التعيسة، لكنه سيضعنا بالضرورة أمام تساؤلات صعبة، أهمها هو: لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟ ومن المسؤول عنها؟ ثم، كيف نتجاوزها؟
تقديري أننا مطالبون أولا بالاعتراف بأن ميلنا القديم للإجابات السهلة المباشرة، هو الذي قادنا لما نحن فيه الآن، وأحسب أن بداية ذلك كله كانت مع استسلامنا للقول إن قضية واحدة "هي القضية الفلسطينية على أهميتها المؤكدة" هي فقط مركز خيبتنا القومية، وإن نجاحنا في حلها هو بداية خروجنا من أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


لقد أدى ذلك إلي نتيجتين كارثيتين؛ أولهما: أننا تجاهلنا أسباب ضعفنا الحقيقية، وهي بالمناسبة أصل ما حل بفلسطين وأهلها. وثانيهما: أن شعوبا عربية أخرى تعرضت -على يد حكامها المزايدين باسم القضية المركزية- لأزمات لا تقل قسوة عما تعرض له الفلسطينيون أنفسهم، فكانت بذلك تُزج إلى ذات المحنة، بدلا من أن تكون سببا في زوالها عن المنكوبين بالاحتلال.


أتابع ما يحدث للسوريين، فأشعر أنني أمام نسخة جديدة لنكبة فلسطين؛ نفس موجات النزوح، نفس الادعاءات الدولية بوجود فرصة لحلول عادلة للأزمة الإنسانية، نفس أشكال التعاطف، ومعها -للأسف- نفس سياسات التسويف والتأجيل والمماطلة، وكذا نفس الشعور الذي يسيطر على الخارجين من ديارهم قسرا أو خوفا بضياع الأمل.


الأمر نفسه شعرت به مع العراقيين قبل أكثر من عشرة أعوام، عندما أجبرتهم المذهبية المقيتة المتخفية وراء شعارات الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان على مغادرة ديارهم والتفرق بين المخيمات والملاجئ، هربا من أعمال القتل على الهوية ومخططات التطهير العرقي والديني التي كانت تتم أمام عيون الجميع.


أما الهلع فيعود إلي سببين: أولهما، الخوف من تحول الاستسلام النفسي لتلك الأزمات/ الخيبات إلى قاعدة تطمر تحتها كل أحلامنا المشروعة في النهوض واسترجاع حقوقنا المسلوبة. وثانيهما، القلق من أن يكون استمرار الصمت على هذه الأوضاع مقدمة لأحداث جديدة أكثر تعاسة وإحباطا.