إميل أمين
سيلقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين في نيويورك، بعد غد الأربعاء 30 سبتمبر (أيلول) الحالي. ومما لا شك فيه أنه سيكون خطابا تاريخيا، ومنعطفا مفصليا وحساسا في طريق القضية الفلسطينية، وعليه يحتاج اللحظة الآنية إلى مصالحة فلسطينية داخلية، لا سيما مع حماس وبقية الفصائل، عطفًا على دعم عربي أدبي ومادي، وزخم من شعوب العالم المحبة للسلام والاستقرار.
وهنا نتساءل: هل بلغت القضية الفلسطينية منعطفًا ربما كان هو الأهم في مسيرتها الطويلة والحزينة بل والمؤلمة؟
ربما كان ذلك كذلك بالفعل، بعد عقود طوال من التسويف والمماطلة وبعد أكثر من عشرين سنة على اتفاقية أوسلو، التي تعلقت بها الآمال في أن تكون بداية لمسيرة سلمية حقيقية، تنهي واقع الاحتلال المرير من جهة، وتعطي الأمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة على التراب الوطني الفلسطيني من جهة ثانية، لكن يبدو أن الآمال والطموحات كانت أعرض وأوسع مما يجب.
يعن لنا أن نتساءل هل وصل أبو مازن إلى نهاية الحارة المسدودة التي وضعته فيها إسرائيل؟
يمكن بالفعل أن يكون ذلك كذلك، ولهذا تكثر الأقاويل حول الخطاب المتوقع للرجل في الأمم المتحدة، والمؤكد هنا أن كلاما كثيرا يدور حول ما ينويه أبو مازن، بعد أن بلغ به الإحباط مبلغه، من جراء المناورات والمراوغات الاعتيادية من قبل نتنياهو.
أكثر الحديث الدائر الآن، يتصل باحتمالية أن يعلن أبو مازن عن إلغاء اتفاقية أوسلو الموقعة مع إسرائيل في أوائل تسعينات القرن المنصرم، بعد أن بدت غير فاعلة، أو ماضية على الأرض لانتشال الشعب الفلسطيني من نكبته التي طالت.
ما الذي يمكن لأبو مازن أن يفعله أيضًا من على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة؟
يذهب البعض من المراقبين السياسيين والمحللين للشأن الفلسطيني إلى أن أبو مازن، قد يعلن كذلك وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، إذ إنه لم يأت بمردود إيجابي على الفلسطينيين طوال العقدين المنصرمين.
يقتضي الأمر هنا التساؤل: ما هو رد فعل إسرائيل على فكرة أو طرح إعلان أبو مازن إلغاء اتفاقية أوسلو، ثم بالتبعية ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة من هذا الإعلان بوصفها بنوع خاص أهم أطراف الرباعية الدولية التي تسعى في طريق إيجاد تسوية سلمية للقضية التي طال بها الزمن؟
في مقال له عبر موقع «تايمز أوف إسرائيل» يرى محلل شؤون الشرق الأوسط آفي سسخاروف أن استقالة عباس قد تكون جدية بالفعل، وقد لا تكون أكثر من مشهد ومناورة سياسية الهدف منها الشروع في عملية دبلوماسية من شأنها إحراج إسرائيل، ملقية بظلال الشك على علاقات السلطة وإسرائيل بالكامل.
في الأيام القليلة الماضية كشف مسؤول فلسطيني بارز في السلطة الفلسطينية، عن تلقي مكتب رئاسة السلطة الوطنية اتصالات من مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لثني عباس عن اتخاذ أي قرارات يمكن أن تغضب الولايات المتحدة.
في هذا الإطار يبدو واضحًا أن هناك بالفعل ضغوطات وتهديدات أميركية تواجه أبو مازن، بل هناك خطوات عقابية يتوقع حدوثها في حال نفذ الرئيس عباس تهديداته.
على أنه وفي وسط هذه الأزمات المتلاحقة، قد يقتضى الحال الإشارة إلى أن أميركا وإسرائيل على أهمية مواقفهما، لا يعنيان ولا يشكلان المجتمع الدولي بأسره، والذي بات قريبا جدًا من الإقرار بالفعل بوجود دولة فلسطينية مستقلة، وآية ذلك رفع العلم الفلسطيني على مقرات الأمم المتحدة نهاية الشهر الحالي، هذا القرار اعتمد في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 119 صوتًا، فيما امتنعت 45 دولة عن التصويت، وعارضت القرار ثماني دول فقط، ومن بين المعارضين لمشروع القرار إسرائيل والولايات المتحدة، إضافة إلى كندا وأستراليا، في حين صوتت فرنسا وروسيا والصين مع القرار وامتنعت بريطانيا وألمانيا عن التصويت.. هل لهذه الخطوة قيمة رمزية فقط؟ بالقطع إنها أكبر من ذلك، إنها دلالة وجدانية على توجه أممي عام، يشعر الآن بعمق مأساة الفلسطينيين عبر سبعين عامًا وأزيد، ويرى نحو سبعة ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم.. أنها خطوة على طريق حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة. الشرق الأوسط لديه ما يكفيه من مآس، وليس في حاجة إلى مشاهد عنف جديدة.
التعليقات