كيري براون

مرّ أكثر من عقد من الزمان على إيقاف الاتحاد الأوروبي لمحاولات التنصل من القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة بفرض حظر على تصدير الأسلحة والمعدات الدفاعية إلى الصين عقب الأحداث الدموية التي شهدتها ساحة «تيانانمين» عام 1989. ولقد وضعت المكائد السياسية التي ميزت ملف العلاقات الصينية الأوروبية حداً للآمال العريضة التي كان يعلقها الصينيون على تحسين العلاقات مع بروكسل. وتتجلى الصورة الأكثر وضوحاً لهذه الآمال من خلال «كتاب أبيض» أصدره مجلس الدولة الصيني عام 2003 نوّه من خلاله بأهمية دول أوروبا كشريك دبلوماسي وفكري واقتصادي.


وبعد عام 2004، عندما انتهت محاولات التخلي الأوروبي عن الحظر إلى الفشل، أصبحت اللهجة المتعلقة بالاتحاد الأوروبي الصادرة عن بكين أكثر بروداً، وخلال الفترة الأكثر سوءاً، تم إلغاء اجتماعات قمة على أعلى مستوى بين الطرفين بسبب سلسلة اجتماعات عقدها قادة أوروبيون مع الزعيم التيبيتي «الدالاي لاما». واستشاط المسؤولون والسياسيون الصينيون غضباً من ذلك السلوك، كما عبروا عن استيائهم من الظلم الذي ينطوي عليه قرار المقاطعة ووصفوه بأنه تصرف غير مقبول من طرف الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2014، وجّه الصينيون كتابهم الأبيض الثاني إلى الأوروبيين، لكنه اتّصف هذه المرة بالكثير من القسوة، وهكذا بدا وكأن الطرفين فقدا الأمل بتحسين العلاقات بينهما.

وأرى أن الواقعية الدبلوماسية ليست شيئاً سيئاً، وذلك لأن الشريكين الذين يعانيان من مشاعر المرارة المتأصلة في النفوس، وعدم الثقة ببعضهما البعض، عادة ما يفقدان الفرص المتاحة للتعاون عندما تتجلى أمامهما. وخلال عام 2016، يبدو وكأن الاتحاد الأوروبي والصين أصبحا أمام أول فرصة سانحة منذ عقد من الزمان لإحداث تغيير رمزي يهدف إلى تبنّي طريقة جديدة للتعامل مع بعضهما البعض وإيجاد أرضية مشتركة لتعزيز العلاقات بينهما وفقاً لإرادتهما، وهذه المرة، سوف يكون من المهم بالنسبة لبروكسل أن تعترف بالاقتصاد الصيني كاقتصاد سوق بدلاً من تركيز الاهتمام على حظر التعامل معه بالأسلحة والمعدات العسكرية.

وبناءً على القواعد والأحكام المعمول بها في «منظمة التجارة العالمية»، لا يوجد أي مانع يحول دون ذلك، ويبدو أن بروكسل باتت مرغمة على الإعلان عن اعترافها هذا قبل نهاية العام الجاري (2016). وحالما يتم ذلك، يصبح الدخول الصيني إلى سوق الاتحاد الأوروبي أكثر سهولة وأقل تعرّضاً للأعباء الجمركية والموانع الحمائية.

والقضية المثيرة للاهتمام الآن تتعلق بما إذا كان القادة الأوروبيون سوف ينظرون إلى مبادرة التعامل مع الاقتصاد الصيني باعتباره اقتصاد سوق، على أنه يندرج في إطار المساعدة، أم يأتي في إطار فتح الباب أمام مصادر، حتى لو لم تكن مرغوبة، للرفع من معدل النمو في منطقة اليورو؟ أم أن الأوروبيين سيشترون به دعماً سياسياً أكبر من بكين للمساعدة في حل المشاكل التي تعانيها أوروبا مثل قضية اللاجئين والموقف المعقد من الأزمة الأوكرانية والوقوف في وجه التأثير الروسي المتزايد، أم من أجل فتح الأبواب أمام استثمارات ضخمة ذات عوائد جيدة؟

ومن وجهة نظر ضيّقة، يمكن لقرار الاعتراف الأوروبي باقتصاد السوق الصيني أن يهدد بعض المصالح الأساسية لأوروبا، لكن، وفقاً لمفهوم أوسع مدى، يمكن لهذا الاعتراف أن يخلق الفرصة السانحة لوضع العلاقة الأوروبية مع الصين في سياق استراتيجي أكثر أهمية، ومن ناحية المبدأ، سوف يُظهر هذا الاعتراف للعالم أجمع أن الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يتجاوز رغبات واشنطن في مجال واحد على الأقل هو الاقتصاد، وأن بوسع أوروبا أن تتخذ قراراتها المنفردة في مجال التعامل من طرف واحد مع بكين، ومن ناحية أخرى، سوف يثبت شجاعة المفاوضين الأوروبيين. وحتى اليوم، لا يزال التعامل مع اقتصاد الاتحاد الأوروبي يمثل صفقة ضخمة بالنسبة للصين.

وبالطبع، سوف نسمع بعض الاقتصاديين وهم يهللون لهذه المبادرة أو يتنكرون لها، لكن مواقفهم لا يمكن أن تعبر عن المكاسب السياسية الكامنة وراءها، وهذا هو بالضبط الجانب الذي يستحق الاهتمام أكثر من غيره. وعلى المدى البعيد، سوف تقود هذه المكاسب إلى تأسيس علاقات متينة مع الصين وبما يعزز من قوة النفوذ السياسي الأوروبي على الساحة الدولية. ولا شك أن الخطر الكامن وراء الفشل في تحقيق هذه المبادرة، أكبر من الخطر الكامن وراء النجاح في تحقيقها.
&