&مصر: الدولة العميقة شديدة البيروقراطية تتفنن في إهدار الوقت والجهد والمال… وعقول لا تستطيع الابتكار تتبوأ مراكز القرار

&

حسنين كروم

&

لا تزال اهتمامات الأغلبية على حالها بعيدا عن السياسة، وكثرة الموضوعات الجديدة التي تنشرها الصحف المصرية، وبعضها لا تهتم بها إلا فئات محددة تتصل مصالحها المباشرة بها، وهو ما عكسته صحف أمس الأربعاء 27 يناير/كانون الثاني، مثل اجتماعات رئيس مجلس النواب (الدوما) الروسي بالرئيس السيسي، ورئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال.

والتبشير بعودة رحلات الطائرات الروسية لمصر وما سيعقبها من عودة السائحين، وهو ما يهم العاملين في السياحة، وكذلك قرار البنك المركزي رفع حد الإيداع للشركات بالدولار إلى ربع مليون دولار لتسهيل عمليات الاستيراد، وهو ما يهم المستوردين والتجار لا رجال الأعمال، وحتى مشكلة قانون الخدمة المدنية، الذي رفضه مجلس النواب، فلم يعد جاذبا للاهتمام بعد نشر التوصل إلى تعديلات عليه بين النواب والحكومة.

الاهتمام الأكبر توجه لموجة البرد وشدة الأمطار التي أجبرت الناس على البقاء في منازلهم، وعدم الخروج إلا للضرورة، إلى درجة أن تخوفات الأمن من مظاهرات في ذكرى ثورة يناير انتهت. ما دفع زميلنا الرسام في «اليوم السابع» محمد عبد اللطيف إلى النزول في يوم ذكرى الثورة وعيد الشرطة فلم يجد إلا عسكريا يقول للضابط في الهاتف:

- نتصرف أزاي؟ تجمعات كثيفة لمياه الأمطار.

والموضوع الثاني الأكثر اجتذابا لاهتمامات الأغلبية غير البرد والمطر، كان مشكلة مجلس إدارة النادي الأهلي، وحتى الحكم الذي أصدرته محكمة جنح الخليفة بحبس الشاعرة فاطمة ناعوت ثلاث سنوات وغرامة عشرين ألف جنيه بتهمة ازدراء الأديان، لم يثر الاهتمام. وكانت فاطمة قد هاجمت شعيرة ذبح الأضحية كما يحدث علنا ولم ينتبه أحد إلى أنها قلدت في ذلك الحملة التي قادتها من سنوات الفنانة الفرنسية الشهيرة بريجيت باردو ضد قيام المسلمين الفرنسيين بعملية ذبح الأضحية ووصفتها بالوحشية وإيذاء الحيوان. كذلك نشرت «المساء» في صفحتها الثالثة خبرا لزميلنا زكي مصطفى عن نقل الفنانة فيروز، التي اكتشفها الفنان الراحل أنور وجدي إلى غرفة الإنعاش في أحد المستشفيات وعمرها الآن اثنان وسبعون سنة، وهي شقيقة الفنانة نيللي واسمها الحقيقي نيروز أركين كالفيان، وهي من أسرة أرمينية سورية من حلب هاجرت إلى مصر وولدت في القاهرة وتزوجت من الفنان الراحل بدر الدين جمجوم ولها منه ولد هو أيمن وبنت اسمها إيمان. وإلى شيء من أشياء عديدة لدينا.

حمدي السيد: جمال مبارك

لم يكن شريرا وكان يتدرب على الحكم

وسنبدأ من ثورة يناير وأبرز ما نشر عنها وكان يوم الثلاثاء عن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك والدكتور محمد البرادعي وحبيب العادلي، فقد نشرت «الأهرام» المسائي حوار على كامل صفحتها الخامسة أجراه زميلنا أحمد مطاوع مع صديقنا الدكتور حمدي السيد أستاذ جراحة القلب الشهير ونقيب الأطباء الأسبق وعضو مجلس الشعب الأسبق عن الحزب الوطني إذا قال عن الثورة: «لم أكن من المتحمسين لثورة 25 يناير لأن جماعة الإخوان المسلمون استولت عليها، فكانت في اليوم الأول حركة محمودة من شباب مصري لا تعجبه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكان يطالب بالتغيير، لكن الإخوان نزلوا في اليوم الثالث؟ وأنا في اليوم الثاني سألت الدكتور عصام العريان في مؤتمر جمعني به في نقابة الأطباء، لماذا لم تنزلوا في اليوم الأول من الثورة فقال لي هذا يوم عيد الداخلية، وإحنا مش عايزين نزعلهم في يوم عيدهم.

وقال حمدي: اعتبر أن موقف مبارك من الثورة كان كريما ووطنيا، لأنه أعطى تعليماته للحرس بعدم المساس بأي متظاهر، وهذا موقف كريم وإنساني، عندما تقارنه بأفعال الآخرين. كما أن مبارك لم يشترط شيئا عند تنحيه ولم يأخذ طائرته ويذهب للسعودية أو الخليج، مثلما فعل زين العابدين بن علي، ولم يطلب تعهدات مكتوبة بعدم المحاكمة مثلما فعل علي عبد الله صالح في اليمن، وكان يمكنه أن يرحم نفسه من الإهانة التي تعرض لها والمحاكمات، وأعتقد أنه عيب كبير على الشعب المصري ألا يتذكر حسنة واحدة لحسني مبارك. قبل الثورة بثلاثة أسابيع كنت حاضرا حفل تكريم الدكتور مجدي يعقوب ومنحه قلادة النيل في رئاسة الجمهورية، فدعاني مبارك لتناول الشاي معه بعد اللقاء، فشكوت له من تزوير الانتخابات في 2010 فقال لي: أنا سمعت ما قلته في التلفزيون حول هذا الموضوع، وأنا مستغرب أزاي ده يحصل، رغم أني كنت مديهم تعليمات بعدم التزوير. وهذا دليل على أن مبارك لم يكن في الصورة، وأن من حوله مثل أحمد عز وزكريا عزمي وصفوت الشريف كانوا يتصرفون بعيدا عن رئيس الجمهورية. وقال لي مبارك وقتها كلمة مازلت أتذكرها: على أي حال أصبر وكله هيتغير. جلست أفكر في هذه الكلمة كثيرا وكنت أتصور وقتها أنه سيطيح بالمجموعة التي زورت الانتخابات، لأنهم أساءوا إليه لأنه كان يريد انتخابات نزيهة، ولكنهم للأسف زورها بشكل لم يسبق له مثيل. وكان أحمد عز مصمما على أن يأتي بمجلس99٪ من نوابه من الحزب الوطني، لتمرير ترشح جمال مبارك للرئاسة، من دون معارضة. أعتقد أنه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير فكانت هناك تراكمات كبيرة موجودة وكانت تنتظر شيئا يسرع بنهاية المشهد فجاءت انتخابات 2010 وحققت لهم ما يريدون. وقال الدكتور حمدي أيضا: جمال لم يكن شريرا ولكنه كان يتدرب على الحكم. أحمد عز هو العقل المدبر له سياسيا، وهو مثقف جدا ورجل تنظيمي من الدرجة الأولى. وعن الصراعات بين الحرس القديم والجديد في الحزب الوطني بخصوص التوريث؟ قال لم أر هذا الصراع وأنا شخصيا لو كنت موجودا أثناء ترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية كنت سأمنحه صوتي، فهو مدرب جيدا على الرئاسة، وغاص في مشكلات البلد لسنوات طويلة، وكان يشارك في إعداد التقارير ويستمع لكبار المتخصصين، وكانت عنده لجنة سياسات فيها أفضل علماء مصر في كل التخصصات».

دور البرادعي في التعبئة لإسقاط نظام مبارك

ومن مبارك إلى الدكتور محمد البرادعي الذي قال عنه في يوم الثلاثاء أيضا في «الأهرام» زميلنا وصديقنا الدكتور أسامة الغزالي حرب في عموده اليومي «كلمات حرة»: «وسط الاحتفالات الرسمية والشعبية بثورة 25 يناير/كانون الثاني، وفي مقدمتها الكلمة التي ألقاها الرئيس السيسي، والتي وصفها بحق بأنها الثورة «التي ضحى خلالها شباب من خيرة أبناء الوطن بأرواحهم من أجل دفع دماء جديدة في شرايين مصر، تعيد إحياء قيم نبيلة افتقدناها لسنوات وتؤسس لمصر الجديدة»، أقول وسط هذه الأجواء الاحتفالية أعتقد أنه من المنطقي والأخلاقي أن نذكر بالرمز الأول للثورة الدكتور محمد البرادعي، الذي أطلق صيحة احتجاج قوية ومبكرة في البيان الذي أصدره من فيينا يوم 3 ديسمبر/كانون الأول عام 2009، أي قبل اندلاع الثورة بأربعة عشر شهرا تقريبا. لقد كان بإمكان البرادعي الحائز جائزة نوبل، وأعلى الأوسمة في الدولة المصرية، أن يظل بعيدا صامتا ومستريحا، ولكنه لم يفعل ذلك أبدا، وأعلن – وسط أجواء التمديد لمبارك أو التوريث لابنه- إمكان ترشحه للرئاسة، ولكن الأهم من ذلك أنه حدد الشروط الواجبة لأي انتخابات رئاسية أو تشريعية وهي: أن تجرى على غرار المعمول به في سائر الدول الديمقراطية، من وجود لجنة قومية مستقلة للانتخابات والإشراف القضائي الكامل عليها، ووجود مراقبين دوليين من الأمم المتحدة، وتنقية الجداول الانتخابية، وإتاحة مساحات متكافئة في الإعلام للمرشحين. كما طالب بضرورة وجود إجماع وطني على قيم بناء الدولة المدنية العصرية، التي تقوم على الحداثة والاعتدال والحكم الرشيد، ووضع دستور جديد يكفل الحريات ويقوم على أن الدين لله والوطن للجميع. ولم يكن غريبا أن وجد البرادعي لدى وصوله إلى مصر في أول فبراير/شباط 2010 استقبالا شعبيا حافلا، خاصة من الشباب الذين تحلقوا حوله ليكونوا أكثر من حملة شعبية لدعم البرادعي ومطالب التغيير، وكان استقباله في منزله بعض القيادات والشخصيات السياسية والفكرية، هو المناسبة التي تشكلت فيها «الجمعية الوطنية للتغيير» برئاسته، والتي لعبت دورا رئيسا في التعبئة والحشد لإسقاط نظام مبارك! ومرة ثانية وعندما تدهورت الأوضاع في ظل حكم الإخوان المسلمين كان محمد البرادعي في الصف الأول من المظاهرات في 30 يونيو/حزيران لإسقاطهم، ليكون حاضرا في المشهد الشهير حول السيسي يوم 3 يوليو/تموز، وإنهاء حكم الإخوان، فإذا كان للبرادعي تقييمه الخاص لطريقة فض اعتصام رابعة، فإن هذا لا يقلل أبدا من مكانته المركزية ومن دوره الأساسي المستحق للذكر والعرفان في الثورة المصرية ثورة 25 يناير».

الفريق شفيق ما زال مغضوبا عليه

ومن مبارك والبرادعي إلى قضية الانتخابات بين مرسي وشفيق، التي أثارت نقاشا حساسا بعد حكم محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة ضد قرار سابق أصدره النائب العام بحظر النشر في التحقيقات الخاصة بقضية تزوير الانتخابات الرئاسية، التي جرت عام 2012 بين الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق وتزويرها لصالح الأول. وقال عن الحكم يوم الأحد زميلنا جمال سلطان رئيس مجلس إدارة وتحرير جريدة «المصريون» الخاصة الأسبوعية: «أصدرت محكمة القضاء الإداري أمس حكما مهما يتعلق بقرار حظر النشر الصادر من النائب العام في تحقيقات ما عرف بقضية تزوير انتخابات الرئاسة 2012، التي جرت بين الرئيس الأسبق محمد مرسي ومنافسه الفريق أحمد شفيق، وهي القضية التي ما زالت تمثل لغزا، نظرا لأن الفريق شفيق ومعسكره ما زالا مصرين حتى الآن على أن الانتخابات تم تزويرها والتلاعب بنتائجها لحسابات سياسية، وأنه هو الذي كان فائزا قبل أن تتدخل أياد مجهولة لتغيير بوصلة النتائج. هذا الملف خطير للغاية بالفعل لأن بعض نتائجه قد يجعلنا أمام تفسير جديد لتحولات السياسة المصرية الداخلية منذ يناير 2011 وحتى الآن، ومن المعروف أن ثمة خصومة شخصية عميقة بين الفريق شفيق والمشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري السابق، فأحدهما لا يطيق الآخر. كما أن الفريق شفيق ما زال مغضوبا عليه حتى الآن من قبل السلطات المصرية الحالية، ومنذ ظهور نتائج تلك الانتخابات بينه وبين مرسي، وقد غادر مصر على الفور، وظن البعض أنه لجأ إلى الإمارات هربا من بطش محتمل من الإخوان، إلا أن الإخوان رحلوا وهو ما زال لاجئا هناك ولا يستطيع العودة، وهو ما جعل لهذا اللجوء أو الهروب بعد الانتخابات أبعادا أكبر من مشكلته مع الإخوان. الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري حمل إشارتين في غاية الأهمية، الأولى في تفسير عقلاني ووطني لأهمية محاصرة ظاهرة حظر النشر، التي توسعت السلطات فيها مؤخرا، في ما يشبه فرض حصار إعلامي حقيقي على الرأي العام في القضايا المهمة. قال المستشار يحيى الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة: الأخبار والمعلومات التي تخص الشأن العام تعتبر من أدوات تشكيل الرأي العام، وأن للمواطنين ولوسائل الإعلام الحق في اللجوء لمصادر المعلومات الصحيحة للحصول عليها وتداولها ونقلها وإجراء النقاش والجدال حولها، ليشكل كل مواطن رأيه في الشؤون العامة على هدى من نور الحقيقة».

مرسي فاز في انتخابات نزيهة

أما زميلنا وصديقنا في «المصري اليوم» سليمان جودة فإنه تناول هذه القضية في عموده اليومي «خط أحمر»، وبينما أشار سلطان إلى الخصومة بين المشير طنطاوي وشفيق فقد أشار سليمان لأول مرة إلى الرئيس السيسي ورأيه في هذه القضية بقوله:

«بما أن الحين إياه قد مرّ، وبما أن حظر النشر قد زال، فمن حق كل مواطن أن يكون على دراية بما جرت به الأحداث في تلك الأيام، ومن حقنا أن نعرف ما إذا كان «مرسي» هو الفائز فعلاً أم أن يداً تدخلت وعدَّلت في النتيجة، ليكون هو الفائز على غير ما يقول؟ هل كان القصد من وراء حظر النشر ألا يُقال ــ مثلاً ــ وفي ظروف معينة أن أحمد شفيق كان هو الفائز؟ إذا كانت تلك «الظروف المعينة» قد انقضت فهل أطالب «المصري اليوم» بأن تعود إلى نشر ما كانت سوف تنشره، ثم وقف قرار الحظر في طريقه وفي طريقها؟ أذكر جيداً أن الرئيس السيسي كان قد قال أثناء زيارته إلى ألمانيا إن مرسي فاز في انتخابات نزيهة، وهو تصريح أظن أنه لم يكن موفقاً بالمرة من جانب الرئيس لأسباب كثيرة، أستطيع أن أُحصيها سبباً.. سبباً غير أن أهمها الآن على الأقل هو، أن القضية موضع تحقيق وبالتالي فإن تصريح الرئيس في هذا الاتجاه يمكن جدا أن يؤثر على مجرى التحقيق فيها، ولو بشكل غير مباشر! الأيام وحدها سوف تكشف عن الكثير جداً مما لا يعلمه الناس في هذه القضية اللغم».

هل تتستر السلطة على وقائع الفساد في مؤسساتها؟

وإلى المعارك والردود المتنوعة التي سيبدأها زميلنا الكاتب فهمي هويدي يوم السبت في مقاله اليومي في جريدة «الشروق» عن قرار حظر النشر في قضية تصريحات المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، التي قال فيها، إن تكلفة الفساد عام 2015 وصلت إلى ستمئة مليار جنيه. وقرار الرئيس بتشكيل لجنة لبحث الأمر انتهت إلى تكذيب جنينة والأرقام والوقائع ووجهت إليه اتهامات خطيرة بتعمد تزوير وقائع وأرقام وسوء الغرض فقال هويدي: «فوجئنا بقرار أصدره النائب العام يحظر النشر في الموضوع، ويلزم الجميع بالصمت على أمور بالغة الخطورة تمس سمعة الدولة وهيبتها. حين يحدث ذلك من دون أن يبين النائب العام الأسباب التي دعته إلى فرض الحظر، فإن ذلك يفتح الباب لإساءة الظن بموقفه وبالأسباب التي دعته إلى ذلك.. ذلك أنه في غيبة الأسباب التي كان عليه أن يوردها لإقناع الرأي العام بالكف عن الحديث في الموضوع، يجد الناس أنفسهم أمام احتمالين لا ثالث لهما، الأول أن إغلاق الباب أريد به التستر على فضائح معينة منسوبة إلى المؤسسات المهمة في الدولة، التي هي فوق القانون وفوق الحساب. الثاني أن النشر كان مباحا ومرحبا به طالما ظل يعبر عن خطاب التشهير والاتهام والاغتيال المعنوي، ولكن حين بدأت الحقائق تظهر من خلال صوت الرأي الآخر، تمت المسارعة إلى إغلاق الباب وطولب الجميع بالصمت، وفي الحالتين فإن الإساءة تصبح من نصيب السلطة التي يظن البعض أنها تتستر على وقائع الفساد في مؤسساتها، كما أنها تسيء إلى النائب العام نفسه، الذي قد يظن به أنه استخدم صلاحياته لحماية طرف وتشويه طرف آخر، من دون أدنى احترام لحق الناس في المعرفة، الذي لا يقل خطورة عن هذا، ذلك أن الذين أداروا العملية كلها لم ينتبهوا إلى أن هناك جمهورا ذكيا ومفتوح الأعين يرفض ابتلاع مثل هذه الرسائل. من المصادفات أن قرار النائب العام بحظر النشر في إحدى قضايا الفساد الشهيرة صدر بعد قرار محكمة القضاء الإداري بإبطال حظر النشر، الذي أصدره النائب العام السابق في تحقيقات قضية انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2012 وقال قرار المحكمة، التي رأسها المستشار يحيى الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة، إن قرار النائب العام اغتصب سلطات قاضي التحقيق المخول له قرار حظر النشر في قضية معينة ما دام هو من يباشر التحقيق فيها».

هدف التنمية والبناء

ويوم الأحد شنت زميلتنا الجميلة في «الأهرام» سلوى العناني هجوما ضد خطة الحكومة طرح أسهم الشركات المملوكة لها في البورصة ونظرت بعين الريبة إليها بقولها: «نحن نعلم أن إعادة إحياء العديد من المشروعات العامة يتطلب بالفعل ضخ رؤوس أموال لمواجهة احتياجات التطوير، وإعادة الهيكلة وتحديث الآلات والمعدات. لو خرجت علينا الحكومة تقول إن لديها خطة واضحة المعالم بتوقيتات محددة لإعادة هيكلة المشروعات العامة وإدارة مختلفة تتمتع بالكفاءة والنزاهة وأنها تطلب من الشعب الاكتتاب في توفير التمويل اللازم لسداد المديونيات القائمة على تلك المشروعات العامة وتدعيم رؤوس أموالها لقلنا لها مرحبا. تجربة تمويل قناة السويس الجديدة من خلال الاكتتاب العام تؤكد التفاف الشعب المصري حول هدف التنمية والبناء، وتفتح الباب لإمكانية التكرار لو آمن الشعب بجدية المشروع ووضوح كل من التكلفة والعائد واطمأن إلى النتائج وضرورة أن يقترن ذلك بوضع حد أقصى لأي زيادة يتم طرحها، بحيث لا تمثل إلا نسبة أقلية من رأسمال الشركة ككل. كما نؤكد ضرورة وضع حد أقصى للمكتتب الواحد حتى لا نفاجأ بأن هناك مستثمرا فردا يملك حصة مؤثرة من رأسمال شركة عامة».

سطوة الأجهزة الأمنية

وحتى يطمئن قلب سلوى طالب زميلنا في «الوفد» محمد الشربيني يوم الثلاثاء الرئيس السيسي بما هو آت: «لا نحتاج إلى ثورة يناير/كانون الثاني جديدة، فعلى الرغم من سوء كثير من الأوضاع وتدني الاقتصاد وتزايد الفساد وسطوة بعض الأجهزة الأمنية، إلا أننا نوشك أن ندخل مدخلاً جديداً تدور فيه الحياة دورتها التصحيحية، لدينا الآن «برلمان» يافع شأن كل برلمانات العالم التي نختلف معها، ولدينا قبل ذلك رئيس يسعى بجهد مذهل إلى امتلاك ناصية الأمور في عالم يمر بموجات العنف والتطرف والفوضى غير الخلاقة، بل الفوضى الناسفة. الثورة القادمة سيقودها الرئيس على الدولة العميقة شديدة البيروقراطية التي تتفنن في إهدار الوقت والجهد والمال، وتستنزف الناس في المصالح الحكومية، ثورة على العقول التي لا تستطيع الابتكار، ومع هذا تتبوأ مراكز القرار، وهل هناك أسوأ من وزير يقول إن قانون الخدمة المدنية صدر حتى نستطيع الحصول على قرض البنك الدولي».

إيهاب شاهين: إن سقط البخاري فما دونه أيسر

وإلى الإسلاميين ومعاركهم وسنبدأ من يوم الجمعة وجريدة «الفتح» الأسبوعية لسان حال جمعية الدعوة السلفية التي خرج منها حزب النور، حيث قال المهندس إيهاب شاهين في ثقة شديدة: «لا يخفى أن هناك الكثير من المؤامرات التي تحاك لبلادنا خاصة، والأمة الإسلامية عامة، التي هدفها الأساس أن يعيش الفرد في أمته بلا هوية من خلال بث الأفكار الغربية في عقول شباب ينشأ بين أسوار بيئته ويتشبع بأفكار الغرب ويبثها بلسانها في وسط مجتمعه. الزعم بأن هناك ثمة تعارضا بين النص والعقل مع تعظيم دور العقل جدًّا أمام النصوص، وأطلقوا على أنفسهم العقلانيين والتنويريين والمثقفين، وأن عقولهم فوق جميع العقول ومن ثم لهم فهم للنصوص لا يفهمه أحد مثلهم، إلا من كان على شاكلتهم، الطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونقلتها فتجد الطعن على الإمام البخاري خاصة لأنه كالقبة بالنسبة لغيره من المحدثين، فإن سقط البخاري فما دونه أيسر عندهم، فبدأت حملة التشكيك في كتاب البخاري أنه ليس كتابًا معصومًا، بل به من الضعيف بل الكذب الصريح حتى يسقطوا هذا الثابت الأشم من قلوب الناس، وتكون النتيجة إذن ما في كتاب البخاري عرضة للرد والقبول. وبالبحث والتنقيب وجدنا أن البخاري يكذب وينقل الكذب إذن كتابه لا يصلح أن يحتج به وبذلك يسقطون السنة بإسقاط ناقليها أو يأتون بشبهات على فهم نصوص السنة على غير المراد تمامًا».

«كلمة حق يراد بها باطل»

وطبعا فإن للمهندس إيهاب رأيه وموقفه، ولكن أن يرتفع بكتاب البخاري أو مسلم والقرطبي وابن تيمية إلى مستوى القداسة أو القرآن الكريم، فهذا لا يمكن قبوله من أي إنسان مسلم مهما علا شأنه، ولذلك قال الإعلامي صديقنا السيد الغضبان في اليوم التالي مباشرة في جريدة «الوفد»: «حكم القضاء بعدم السماح للمنقبات بالتدريس في جامعة القاهرة، انتصار لدعاة التنوير والحريصين على تنقية الإسلام من التشوهات التي تعرض لها على يد جماعات التطرف البغيض، ودعاة التخلف المتاجرين بالعواطف الدينية العميقة للشعوب العربية عامة والشعب المصري خاصة. الحجة المحورية التي تمثل أبرز ما يقدمه دعاة تحجب المرأة والمدافعين عن «الحرية المطلقة للمتحجبات» قولهم إن ارتداء الملابس أمر يتعلق «بالحرية الشخصية» التي يتحتم احترامها وعدم المساس بها، وبهذا المنطق فإن ارتداء النقاب تصرف يحميه الدستور والقوانين بمواد واضحة تؤكد على «الحرية الشخصية» لجميع المواطنين في ارتداء الأزياء التي تعجبهم. هذا المنطق هو من قبيل العبارات التي ينطبق عليها القول المأثور «كلمة حق يراد بها باطل». فالحريات الشخصية التي كفلتها الدساتير والقوانين في جميع البلاد ليست حرية «مطلقة» لكنها حرية «مقيدة» باحترام حقوق الآخرين من المواطنين، وارتداء البعض للنقاب يسلب باقي المواطنين حقهم الطبيعي في التعرف على من يشاركهم مختلف ألوان النشاط اليومي، فهذا التعرف الدقيق والمفصل لمن نتعامل معه «حق طبيعي» لكل مواطن حتى يشعر بالاطمئنان إلى أنه يتعامل مع شخص يعرف ملامحه بكل تفاصيلها، وألا يحجب هذه التفاصيل كلها أو بعضها «نقاب» أو «لثام» أو التخفي بأي صورة من الصور، وحجب هذه الملامح يصيب المواطن الذي يتعامل مع من تحجب أو يحجب ملامحه بقدر غير قليل من «الريبة». والخشية أن يكون هذا «المتخفي» يضمر له شراً أو يتربص به».

هل تحولت مشيخة الأزهر إلى مشيخة أمن الدولة؟

وبعد الغضبان بيوم أي يوم الأحد قال كاتب «صوت الأمة» الساخر محمد الرفاعي وهو يداعب شيخ الأزهر: «- فقد الرجل الطيب شيخ الأزهر أعصابه للمرة الأولى، ومن خلفه شومان، وراحا يهددان ويتوعدان ويتهمان كل من انتقد المناهج المقدسة بأنه يريد هدم الأزهر فهل تحولت مشيخة الأزهر إلى مشيخة أمن الدولة؟.

- مولانا الطيب قال إن الإعلاميين إللي ابتلي بهم الإعلام يقتطفون الجمل من سياقها، لمجرد الهجوم على الأزهر، طب قلنا يا مولانا ما هو السياق المقدس «للمحارب والمسلم قتل المرتد وأكله»، كما جاء في كتاب «الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع» لشمس الدين الخطيب الشربيني و» أكل لحم الميت غير المسلم حلال للمسلم، أما إذا كان الميت مسلما والمضطر كافر فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام»، كما جاء في كتاب «الروض المربع في شرح زاد المستنقع» لمنصور بن يونس البهوتي. والكتابان يدرسان لطلبة الأزهر.

- كلاكيت ثالث مرة الأزهر هو الذي كفّر طه حسين وفرج فودة، ونصر حامد أبو زيد وفرق بينه وبين زوجته، ونجيب محفوظ وسجن إسلام بحيري ومنع «أولاد حارتنا» و»وليمة لأعشاب البحر» وأفلام «الرسالة» و»نوح» و»محمد» وأفتي بأن الجبان اللي مش هينزل ينتخب مبارك آثم قلبه».

إعلاء المذهب أو الدين فوق الوطنية والعروبة

ونظل مع معارك الإسلاميين، ولكن في الجانب الأشد خطورة منها وهو محاولات البعض إثارة الكراهية بين السنة والشيعة العرب، ويأتي على رأس هؤلاء في مصر السلفيون، ومنهم نائب رئيس جمعية الدعوة السلفية ياسر برهامي، الذي قال في مقاله يوم الجمعة في جريدة «الفتح» لسان حال الجمعية عما حدث في مدينة المقدادية في العراق: «منذ أسابيع اقتحمت موجات بشرية إيرانية محافظة «واسط» العراقية التقديرات ما بين نصف مليون ومليون ونصف المليون إيراني مع تمثيلية عراقية بأنها حاولت منعهم، ثم إنها لا تعلم عنهم شيئا. والمعلومات المتداولة تؤكد أنهم – أو أكثرهم- من الحرس الثوري الإيراني. وأعقب هذا الاقتحام بداية الحرب في المحافظات السنية -بالطبع تحت المظلة المعروفة: محاربة «داعش»؛ الصنيعة المزدوجة للأعداء؛ لتبرير كل الجرائم. وبعد سقوط «الرمادي» بدأ قتل المواطنين العُزّل من السنة؛ بزعم تطهير المدينة من أتباع «داعش» وبدايتها ما حدث في «المقدادية» تطهير عرقي واضح المعالم وجرائم ضد الإنسانية بلا تردد ولا شك، وتمهيد لما هو أخطر في المنطقة كلها وعلى دولها كلها عدا «إسرائيل». الجامعة العربية لم تحرك ساكنا؛ وكأن العجز العربي أصبح شاملا يذكرني ذلك بمشهد الخراف التي تنتظر دورها في الذبح، والجزار يسحب الواحدة تلو الأخرى وباقي أفراد القطيع لا يتحركون، مع أن الدور آت لا محالة. أمر غاية في الألم أن يكون هذا مصيرنا. وبعض دولنا السنية ربما تأخر هذا المصير عنها قليلا إلى أن يأتي دورها – إذا لم تنتبه كلُّها للخطر الشيعي الفارسي وممارساته؛ يا عرب يا مسلمون يا أهل السنة: هل تتحدون في مواجهته؟ في الوقت نفسه الذي يدعو البعض إلى منع توضيح خطر الشيعة في الخطب والدروس، مع أن أصابعهم التخريبية بصماتها موجودة في عدة أحداث إرهابية سابقة وأطماعهم في مصر غير خافية وشراءهم لكُتّاب وفنانين وصحافيين وإعلاميين وشيوخ وغيرهم مشهور معلوم فماذا ننتظر؟ اللهم أغث عبادك المستضعفين في كل مكان».

وهكذا يتأكد لنا باستمرار أن التيار الديني الإسلامي المتطرف، سواء السني أو الشيعي العربي هو الذي يعمل لحساب إيران وإسرائيل بإثارته الفتنة المذهبية بين العرب السنة والشيعة، والدينية بين المسلمين والمسيحيين العرب، وإعلاء المذهب أو الدين فوق الوطنية والعروبة .

التسخين المذهبي مخالف

لروح الدين ودعوته الرحيمة

لذلك قال الدكتور محمد حسين أبو الحسن محذرا في اليوم التالي السبت في مقال له في «الأهرام»: «بلاد العرب والمسلمين تحوز نصيبا وافرا من الصراعات القائمة على أسس مذهبية، بأسهم بينهم شديد، صراعات تعهدتها بالرعاية (دول إسلامية) انطلاقا من حسابات سياسية محضة، ورغبات جامحة للنفوذ والهيمنة، تتخذ المذهب السني أو الشيعي واجهة واسعة لحزمة مجنونة من ألعاب الصراع والتمدد والتسخين المذهبي الآثم، بصرف النظر عن مخالفة هذا المسعى لروح الدين ودعوته الحكيمة الرحيمة. إن «الكباش» المتصاعد في الشرق الأوسط بين دول إسلامية يصب في مصلحة إسرائيل ومن ورائها لقي الإسلام على يد هؤلاء المتخندقين وراء «مذاهبهم» ما لقي من النكبات. لم يكتف القوم بما تحياه شعوبنا من أزمات حادة ومشكلات طاغية، فراحوا يبعثون العداوة والشعوبية من قبور التاريخ وينفخون في نيران الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، وبين المسلمين وغيرهم، في مخالفة شرعية لأمر المولى سبحانه بأن تتوحد كلمتهم :«إن هذه أمتكم أمة واحدة» وقوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا». هنا يحضرني كتاب «إسلام بلا مذاهب» للمفكر الإسلامي الراحل الدكتور مصطفى الشكعة، حيث دعا شيخ الإسلام محمود شلتوت شيخ الأزهر- في تصديره لهذا الكتاب الكريم عام 1960- الأمة إلى توحيد كلمتها، وألا تكون شيعا وأحزابا يضرب بعضهم أعناق بعض، فكل عامل على لمّ شملها ساع إلى تأليف قلوب أبنائها هو مؤمن حقا مجاهد في سبيل أنبل غاية عنى بها الإسلام، وهي تأليف القلوب وتوحيد الأهداف، أما أولئك الذين يورثون العداوات ويبعثون العصبيات ويفرقون بين الأخ وأخيه، فهؤلاء هم الذين يسعون في الأرض بالفساد وواجب المسلمين المخلصين أن يقفوا لهم بالمرصاد، وأن يبصروا الأمة بهم ويكشفوا لهم أهدافهم وسوء غاياتهم. وقد حدد شيخ الإسلام طريق الوصول لتلك الغاية بإعادة الصف الإسلامي إلى وحدته وقوته، وأن نطرح وراء ظهورنا التأويلات البعيدة للنصوص الشرعية من كتاب الله والسنة الصحيحة وأن نفهمها كما فهمها المعاصرون للتنزيل وأن نجعل أهواءنا تبعا لديننا ولا نجعل ديننا تبعا لأهوائنا، وأن نحارب احتكار فرد أو أفراد تعاليم الدين. إن الفتنة المذهبية التي يحاول بعضهم تأجيجها في المنطقة ستكون لها تداعيات كارثية ولن يستفيد منها سوى أعداء الإسلام والعروبة. سقطت الأقنعة عن طرفيها وانكشف ارتهانها بأوهام الدور ورغبات السيطرة الطافحة، في ظل اعتلال مصر الطارئ، ما يؤكد أن مقعد القيادة رغم كل شيء- محجوز للمحروسة بقوة إشعاعها الحضاري وعطائها الإنساني «كنانة الله» بإسلامها الوسطى ومسيحيتها المعتدلة وبنفورها الشديد من التطرف والتعصب والإرهاب تعد «النموذج الأعلى» للتعايش والتراحم والتسامح. من هنا نفهم إلحاح الرئيس السيسي على «تجديد الخطاب الدعوي» .