إميل أمين

قبل أسابيع قليلة من الاختيار النهائي للمرشحين الرئيسيين الذين سيخوضون غمار معركة انتخابات الرئاسة الأميركية 2016، نلاحظ أن هناك ظاهرة مثيرة تعاود مخاطبة مشاعر الأميركيين، وتعمل كأحد أسلحة الصراع الانتخابي، ونقصد بها إحياء وتيرة العزف على الدين والمعتقد كأداة لاختطاف عقول الناخبين وقلوبهم.


من قبل أثار المرشح الجمهوري دونالد ترامب الأميركيين بحديثه عن منع المسلمين من دخول البلاد، وزايد عليه جراح الدماغ الشهير بن كارسون عندما ذهب إلى أنه من غير الممكن أن يكون رئيس أميركا مسلمًا، غير أن الوضع الآني يأخذ منحى آخر.


مرة جديدة حاول ترامب مغازلة التيارات الإنجيلية التي تمثل نحو 70 في المائة تقريبًا من سكان البلاد، عبر الحديث عن حتمية توفير حماية للمسيحية والمسيحيين في أميركا، ولو كلف الأمر بناء سور مثل سور الصين.
كلمات ترامب جاءت خلال خطاب انتخابي ألقاه في جامعة ليبرتي قال فيه إن المسيحية تحت الحصار، وإذا كنت مسيحيًا في سوريا فستقطع رأسك. 


يكاد المرء يوقن بأن سور ترامب حقيقي غير مجازي، وإن كان غير مبني بأحجار، بل عبر عسكرة أميركا من جديد، الأمر الذي يستدعي ربطًا لا بد منه بين تنامي روح الراديكالية الدينية في ذلك البلد، وأعمال المجمع الصناعي العسكري، التي تجيد إشعال الحروب، من أجل تشغيل مصانعها، وتحقيق الأرباح الخيالية.
هل ترامب وحده الذي أثار المسألة الدينية في أميركا؟
بالقطع لا، فقد مضى السيناتور مارك روبيو الذي يسعى بدوره للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري له في هذا الطريق، فقد أعلن عن حملة كبيرة عبر موقع الاتصال الاجتماعي «يوتيوب» تجمع رجال دين مسيحيين غرضها إعادة بلورة الإيمان والدفاع عنه.


لم يتحدث روبيو مباشرة عن الرئاسة كهدف له، لكنه حتمًا بطريق غير مباشر يقدم نفسه للناخبين الأميركيين بوصفه المنقذ المحتمل من التردي العلماني والإلحادي الذي تغرق أميركا اليوم في لجته، لا سيما بعد اعتبار رئيسها اعتراف المحكمة الدستورية العليا في البلاد بكافة حقوق المثليين «انتصارًا للحب».


يدفع روبيو بأن الأجيال الأميركية الجديدة مندفعة بشكل كبير نحو دعم الإجهاض المشرع في البلاد والمدعوم من قبل الدولة، ناهيك عن تشريع زراعة وتسويق حشيش الكيف في ولايات عدة وأيضًا تجارة السلاح، بل بلغ الأمر مداه السلبي لدى البعض عندما تمت محاكمة أولئك الذين عارضوا قرارات المحكمة العليا في تشريع زواج المثليين.


هل يؤكد مسلك روبيو هذا نتائج استطلاع مركز «بيو» للأبحاث في واشنطن العام الماضي؟
قد يكون الأمر على هذا النحو بالفعل، لا سيما أن كثيرين باتوا ينظرون لأوباما خاصة وللديمقراطيين عامة بأنهم سبب من أسباب «غضب السماء» على أميركا في الآونة الحالية.


في أوائل أغسطس (آب) المنصرم، أصدرت الإدارة الأميركية قرارًا إداريًا حاولت من خلاله إجبار الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية والمؤسسات التابعة لها، على توظيف المثليين، وإلا فستحرم من التمويلات الحكومية... هل يتفق هذا الضغط والإجبار مع دولة تتشدق بحرية الرأي والمعتقد والضمير، أم أن إدارة أوباما تسعى لعلمانية جافة مسطحة؟
بعض الأصوات ومنها ترامب نفسه، لا يوفر الاتهامات لأوباما لجهة أنه غير مسيحي، والإسلاموفوبيا تطارد أوباما منذ أن دخل البيت الأبيض، وعليه يتوقع المرء اختصامًا من رصيد الديمقراطيين من جراء مواقف أوباما، رغم محاولته الأخيرة عبر خطاب حالة الاتحاد، بالتمسح في رداء بابا الفاتيكان واستعارة بعض من كلمته التي ألقاها في الكونغرس.


يمكننا استشراف معركة دينية كبرى في الولايات المتحدة، لا سيما أن هنالك حملات قوية يقودها رجال مثل راعي أبرشية دنفر - كولورادو، ضد قرار المحكمة العليا التي شرعت عمليات الإجهاض، ويجند لها المئات للوقوف في وجه «ثقافة الموت»، والمؤكد أيضًا أن مثل تلك الحملات ستتماس ولا شك مع الواقع الثقافي والاجتماعي، ثم السياسي للبلاد في زمن هذه الحملة الانتخابية، حيث أميركا تحاول الإفلات بكل قوة من مصير «فرط الامتداد الإمبراطوري» الذي يلاحقها.


هل لنا أن نقلق في العالم العربي والإسلامي من توجهات الرئيس الأميركي القادم لا سيما إذا جاء مغرقًا في اليمينية الراديكالية؟
أضعف الإيمان ينبغي مراقبة المشهد وتحليله، والاستعداد للتعاطي معه باللغة التي يفقهها، لا سيما أن التعامل مع واشنطن، وربما التحالف معها، أشبه بالعيش على ضفاف نهر كبير، الأرض خصبة جدًا، لكن كل أربع أو ثماني سنين، يغير النهر مجراه، وقد تجد نفسك وحيدًا في الصحراء.
&