نوال السعداوى

 كتبت هذا المقال، قبل معرفة نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد سقط المرشحان الاثنان، الديمقراطى والجمهوري، فى نظر الشعوب، وإن نجح أحدهما غدا وجلس على العرش،

فقد سقط العرش كله المصنوع بالقش، المزركش بشعارات خاوية كالهواء، تنتقل عبر الفضاء بالدعاية والأضواء، تتخفى بحجاب الأخلاق والإنسانية، تجعل الرأسمالية العنصرية دينا مقدسا، والمضاربات المالية والتجسس مباديء عليا، والغش فى السوق والانتخابات قمة الديمقراطية. 

اليوم تسقط ورقة التوت عن وجوه الآلهة فى الدولة الأمريكية الكبرى، الذين قتلوا ونهبوا، وساندوا الطغيان والبطش فى كل مكان، تظهر حقيقتهم اليوم دون مساحيق ملونة وجراحات تجميل . 

حين اشتد طغيان الكهنة تحت حكم الكنيسة فى القرون الوسطي، بدأت الشعوب المقهورة تكتشف الترابط بين الآلهة والحكام، وهو ترابط قديم منذ بداية التاريخ، كان قدماء المصريين يربطون بين الإله والملك، بين مالك الروح والنفس ومالك الجسد والأرض، لم ينفصل الإله رمسيس عن الملك رمسيس، كان الاثنان رجلا واحدا، يرتدى ملابس الإله أمام عبيده الساجدين بالمعبد، ثم يخلعها بغرفة لا يدخلها إلا الكهنة، ويرتدى ملابس الحكم الرسمية بالنياشين ليظهر أمام عامة الشعب، لم ترتفع عيون العبيد لترى الوجه المقدس وإلا صرعهم الموت، كما كانت المزامير والأبواق تعلن بأصوات الكهنة، تحالفت السماء والأرض لقمع الشعوب. 

لم ينفصل الدين عن الدولة إلا بثورات العبيد، الرجال والنساء، حين رفعوا عيونهم واكتشفوا لدهشتهم، أن الإله والملك هما شخص واحد بأزياء مختلفة . 

فى هذا الشهر تكشف معركة الانتخابات الأمريكية عن الوجه الحقيقى للديمقراطية الرأسمالية، كما تكشف المعركة بين إسرائيل ومنظمة اليونسكو عن الوجه الحقيقى للنظام العالمى كله، لم تقف الأمم المتحدة منذ نشوئها مع الشعوب المقهورة، لم تنفذ دولة إسرائيل، منذ نشوئها، قرارات الأمم المتحدة، لم تعاقب محكمة العدل الدولية مجرمى الحرب الأقوياء فى أى دولة بما فيها إسرائيل. 

فى الشهر الماضي، صدر قرار اليونسكو بأن المسجد الأقصى وحائطه (المبكي) يرتبطان بالتراث الإسلامى وليس بالتراث اليهودي، مما أفزع إسرائيل وهز كيانها، وقد اعتمدت فى نشوء دولتها على الدين اليهودى وآية الأرض الموعودة، تحلم إسرائيل باحتلال الأراضى ما بين نهرى الفرات والنيل، كما جاء بالكتاب المقدس، تستخدم السلاح الدينى والسلاح العسكرى معا لاحتلال أرض فلسطين كلها، تملك إسرائيل وحدها، تحت الرعاية الأمريكية، الأسلحة النووية فى المنطقة التى يسمونها الشرق الأوسط . 

تواصل إسرائيل الحفر تحت الأرض فى مدينة القدس الشرقية باحثة عن هيكل النبى سليمان، وأصدرت أمرا عسكريا للجنود ليشاركوا فى عمليات الحفر، أصبح التنقيب عن الهيكل واجبا وطنيا ودينيا معا، لإثبات أن حق إسرائيل فى الأرض، وفى الصلاة بهيكل سليمان والبكاء على حائطه المبكى، حق شرعى للشعب اليهودي، وأن المسجد الأقصى، بعد الغزو الإسلامي، بنى على أنقاض هيكل سليمان، ويستمر التنقيب حتى اليوم ، للعثور على البقايا الحجرية للهيكل ، الدليل المادى على حق الدولة اليهودية فى الأرض بمدينة القدس الشرقية. 

وتلعب الدول الرأسمالية الكبرى، داخل منظمات الأمم المتحدة، دورا سياسيا وعسكريا معا للحفاظ على دولة إسرائيل وتفوقها العسكرى والدينى فى المنطقة، وإبعاد الإدارة الفلسطينية عن الآثار المسيحية والإسلامية بالقدس الشرقية ، على أن تقوم الأردن بهذه المهمة، تحاول إسرائيل بالقوة العسكرية والمراوغة السياسية والدينية، أن تستولى على أرض فلسطين كلها بما فيها مدينة القدس الشرقية، وإن كان للفلسطينيين الحق فى الأرض التى بنى فوقها المسجد الأقصى، فإن هيكل سليمان تحت الأرض هو حق إسرائيل، يسقط الحجاب ويظهر الوجه الحقيقى المزيف للنظام الاستعمارى الأمريكى الإسرائيلي، الذى يرتدى ملابس الكهنة فوق الزى العسكري. 

ترفض إسرائيل قرار اليونسكو كما رفضت من قبل قرارات الأمم المتحدة، ترى إسرائيل نفسها بسلاحها النووى أقوى من الأمم المتحدة، لا توجد قوة فى العالم قادرة على عقاب إسرائيل أو إيقاف بطشها، واليوم هل يعاقبها أحد وهى تضرب عرض الحائط بقرار اليونسكو؟ وهل عاقبها أحد حين رفضت تنفيذ قرارات الأمم المتحدة السابقة، ومنها قرار وقف الهجرة وقرار العودة، وقرارات ٢٢٤ ، ٣٢٨ و و و ؟ بل إسرائيل تعاقب اليونسكو، وتجمد عضويتها بها، وتواصل الحفر، باسم النبى سليمان، بأيدى جند الله فى الجيش الإسرائيلي، لكن اليوم، وبالانتخابات الأمريكية، يسقط العرش كله، المصنوع بالقش.