سعيد الحمد 

من الأفكار والسلوكيات المغلوطة تمامًا مفهوم الاستخفاف بالدولة، والذي قاد «معارضتنا» إلى الاستخفاف بالمواطن.
فعندما يعتمد الاستخفاف أسلوبًا وطريقة تفكير، فالمعارضة «أية معارضة» ستتورّط في النهاية نتيجة هذا الأسلوب الأرعن والمتهوّر لتجد نفسها آخر المطاف أمام عزلة ذاتية لا نظير لها انعكاسًا لأسلوبها الاستخفافي بكل ما حولها حتى تضيق عليها الدائرة وتحصر نفسها داخل إطار صغير جدًا، هو جماعتها، يتبادلون بالتناوب نفس الأفكار ويديرون اللحظة التاريخية بكل منعطفاتها الحادة والكبيرة بأسلوب الاستخفاف إيّاه.
فينزلقون إلى إطلاق تصريحات متهوّرة وطائشة بوصفها أفكارًا فتضلل صغارها ويُعيد كبارها هذه التصريحات وكأنهم في مباراة تصريحات رعناء ومن دون رابط منطقي يتّسق وينسجم مع ما يعلّق عليه هذا التصريح أو ذاك من تصاريح شعبوية زاعقة وحماسية زائدة في واقع مجتمعي لم يعد معنيًّا ولا مهتمًّا بمثل هذا الزعيق والحماسيات التي ربما صدق بعضها وكانت التجربة مريرة وقاسية وخاسرة لمن صدّقها وسار خلفها في ظرف عربي استثنائي خاطئ ترك لهذا المواطن تحديدًا تركة ثقيلة من المعاناة والحسرة على التوريطة.
ومشكلة الاستخفاف أسلوبًا وتفكيرًا أنه لا يقرأ الواقع بواقعية، فالذات المتضخّمة بورم الاستخفاف بما حولها وبمن حولها تحلل وتفسّر وتقرأ باستعلاء وفوقية نتيجة مرض الاستخفاف الذي تمكّن منها.
فطروحاتها دائمًا تقدّمها بوصفها «القول الفصل» لا تقبل فيها أخذًا ولا ردًّا، وهكذا حال أبراج الوهم التي دخلت إليها ذات لحظة طارئة خاطئة ولم تخرج منها مع أن اللحظة تلك انتهت غير مأسوف عليها.
سؤال الاستخفاف قد يصلح عنوانًا ليت «معارضتنا» تفتح له مساحة من نفاشاتها وندواتها بدلاً من تكرار واستعادة وإعادة إنتاج عناوين مستهلكة لم تضف إليها شيئًا مثل هذه الندوات المستمرة بلا طائل.
ومشكلة أي ندوة لهم هي مشكلتهم مع الاستخفاف، فالمعالجات والنقاشات والمداخلات تصبّ جميعها في ذات السياق من الاستخفاف المعهود.
فهل هي مشكلة نسق تفكيرهم حسب تعبير الدكتور عبدالله الغذامي في تحليله لتفسير انسياق التفكير، ولذا ستلاحظ أنهم لا يغرّدون ندوة لشخص أيًّا كان هذا الشخص ما لم يكن من ذات النسق الفكري وواحدًا من أساطين أسلوب الاستخفاف وحتى لو كان هذا الشخص متعاطفًا مع تيّارهم ومن ذات التوجه لكنه اذا لم يعالج المشهد باستخفاف لن يرحّبوا به وبوجوده منتديًا بينهم.
تابعوا اسلوب المداخلات والنقاشات وستجدونه مزايدات في مباراة الاستخفاف إيّاها.
وبهذا ترتفع جرعات الاستخفاف بينهم ارتفاعًا خطيرًا كونهم لا يبحثون عن حلول جادة ومعقولة ومقبولة من الناس ومن القاعدة الجماهيرية الأعرض التي استخفّوا بها في انقلابهم وتوهّموا أن بضع المئات هم أغلبية الشعب فوقعوا في مأزق وهَم الاستخفاف الذي وصل الى الاستخفاف بالشعب.
وحين يبلغ الاستخفاف هذه الدرجة وهذا المبلغ الخطير فإن «المعارضة التي تمارسه تتحوّل إلى «شلة» قد تكبر وقد تصغر وتضيق بها دائرة الشللية لكنها بالقطع لن تكون تيّارًا يعبّر عن جمهور وعن قاعدة يمكن التعويل عليها ووضعها في معادلات اللحظة، فالمعادلات الحقيقية لا تقوم على تصوّرات «شلة».
ولنا حول الشللية موضوع آخر نتناول الظاهرة فيه.