خيرالله خيرالله

يتابع الملك محمّد السادس جولته الأفريقية التي شملت إلى الآن دولا عدة هي رواندا وتنزانيا والسنغال وأثيوبيا ومدغشقر، كما تشمل نيجيريا وكينيا. يحقّق المغرب كلّ يوم اختراقات أفريقية على كلّ صعيد، لا لشيء سوى لإيمانه بعمقه الأفريقي والدور الذي يمكن أن يلعبه في خدمة المصالح المشتركة بينه وبين دول القارة التي ينتمي إليها من منطلق واقعي. إنّه منطق البعد عن المزايدات والشعارات الرنانة التي ليست في واقع الحال سوى شعارات فارغة لم تجلب للأفارقة سوى البؤس ولا شيء غير البؤس.

إلى جانب المصالح المشتركة، هناك علاقة عاطفية بين المغرب وغير دولة أفريقية. كان أفضل تعبير عن هذه العلاقة إلقاء العاهل المغربي خطاب الذكرى السنوية لـ”المسيرة الخضراء” من داكار، وذلك لتأكيد عمق الروابط بين المملكة والسنغال التي شاركت في دعم نضال الشعب المغربي بقيادة الملك الحسن الثاني، رحمه الله، من أجل استعادة الصحراء التي هي جزء لا يتجزّأ من التراب الوطني المغربي.

كذلك، زار محمّد السادس في أثناء وجوده في مدغشقر الفندق الذي أقام فيه أفراد العائلة المالكة في المغرب، على رأسهم جدّه محمّد الخامس، رحمه الله، عندما نفاهم الاستعمار الفرنسي في العام 1954 ردّا على “ثورة الملك والشعب”.

ما لبثت “ثورة الملك والشعب” أن انتصرت وأدّت إلى استقلال المغرب وعودة أفراد العائلة إلى المملكة، عودة المنتصر، تجسيدا لتلك العلاقة القائمة بين الملك والشعب، وهي علاقة مبنية على تفاهم في العمق بين الجانبين اللذين ليسا في نهاية المطاف سوى جانب واحد متماسك دائما.

من اللافت أن الجولة الأفريقية لمحمّد السادس جاءت في وقت انعقدت فيه قمة عربية-أفريقية في مالابو (غينيا الاستوائية). تميّزت تلك القمّة بمحاولة لاستفزاز المغرب الذي عاد أخيرا إلى موقعه الطبيعي في الاتحاد الأفريقي. تبيّن بكلّ بساطة أن هناك موقفا عربيا مشرّفا أيّد المغرب في رفضه الاستفزاز المتمثّل في وجود أداة جزائرية اسمها جبهة “بوليساريو” في القمة.

مجرّد رفع علم ما يسمّى “الجمهورية الصحراوية” إساءة للاتحاد الأفريقي وليس إلى المغرب. ما دام علم الجزائر رفع في القمة العربية-الأفريقية، لم تعد هناك حاجة لا إلى علم “صحراوي” ولا إلى ما شابه ذلك، هذا إذا كان هناك في أفريقيا، حيث أكثرية مع عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، من يريد الاستجابة إلى نداء المنطق والعقل السويّ.

تضامنت دول عربية عدّة مع المغرب وانسحبت من القمّة. لم تفقد القمّة معناها أصلا بسبب رفع علم “بوليساريو” فحسب، بل كان غياب المغرب إشارة إلى أن هناك من يسعى إلى تسخيف الاتحاد الأفريقي أيضا، بدل العمل على تنشيطه وتحويله إلى جسم قادر على التعاطي مع التحديات الحقيقة التي تواجه دول القارة.

اتباع سياسة الاتفاقيات الموقعة

بين الدول التي وقفت مع المغرب وقضيته المحقة، كانت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والأردن. لا يمكن تجاهل أن دول مجلس التعاون الخليجي أقامت علاقات خاصة مع كلّ من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية. كذلك، سبق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن اتخذ موقفا لا لبس فيه من قضية الصحراء المغربية، التي هي في الأصل قضيّة مفتعلة لا أكثر.

لا وجود لقضية اسمها الصحراء الغربية التي هي صحراء مغربية. هناك بكل بساطة محاولة جزائرية مستمرّة لابتزاز المغرب. هناك مشكلة غير طبيعية بين المغرب والجزائر كان يفترض أن تحلّ بين البلدين الجارين. هناك على الأصح عقدة جزائرية اسمها المغرب، الذي هو قصة نجاح قبل أي شيء آخر.

النجاح المغربي يعود قبل أيّ شيء آخر إلى الابتعاد عن المزايدات وعن الغرق في الابتذال وتفادي إطلاق شعار “حقّ تقرير المصير للشعوب” لتحقيق مكاسب لا علاقات لها من قريب أو بعيد بحقّ تقرير المصير.

لو كانت الجزائر حريصة بالفعل على الشعب الصحراوي، لكانت أقامت دولة له في أراضيها. الشعب الصحراوي موجود في كلّ الساحل الأفريقي بدءا بموريتانيا وصولا إلى البحر الأحمر، مرورا بالجنوب الجزائري. هذا واقع لا يمكن تجاهله. لماذا إذن، تلك المحاولة للمتاجرة بهذا الشعب المنتشر في منطقة واسعة معرّضة لمخاطر كثيرة من بينها التطرّف والفقر والإرهاب؟ هل من مبرر آخر لافتعال مشكلة اسمها الصحراء غير طموح الجزائر لإيجاد منفذ لها على المحيط الأطلسي، فضلا عن الإساءة إلى المغرب طبعا؟

فشلت القمة العربية-الأفريقية. كان الغياب العربي كفيلا بذلك، على الرغم من أنّه لم يكن غيابا شاملا. كان التمسّك الأفريقي بهذا الكائن المصطنع الذي اسمه “بوليساريو” دليلا على أن لا نيّة حقيقية لتفعيل العلاقة العربية-الأفريقية.

من يريد تفعيل هذه العلاقات، إنّما يسير على خطى محمّد السادس وما يقوم به المغرب الذي يعمل من أجل إقامة علاقات سليمة مع كلّ أفريقيا. ففي كلّ بلد حلّ فيه العاهل المغربي هناك مستشفيات تبنى وهناك مدارس تشاد وهناك نشر لروح التسامح وللإسلام الحقيقي البعيد عن العنف والتطرّف بكلّ أشكالهما.

لا شكّ أن الاتحاد الأفريقي مؤسسة مهمّة. تستطيع هذه المؤسسة لعب دور على صعيد القارة كلّها وعلى صعيد تحسين العلاقات بين دول القارة والعالم. لكنّها لا تصلح لأن تكون ساحة للمماحكات. هذا يعني بكلّ بساطة أن ليس في الإمكان السكوت عن الخطأ عندما يكون هناك خطأ. كان الوقوف مع المغرب وقضيّته المحقة رفضا للسكوت عن الخطأ. كان ذلك تعبيرا عن رغبة واضحة في جعل المؤسسة التي تجمع بين الأفارقة تعود إلى رشدها.

العودة إلى الرشد تبدأ بالاعتراف بأنّ القافلة المغربية تسير أفريقيا وتتقدّم في كلّ الاتجاهات، غير آبهة بمناورات الآخرين. لم تعد تجدي أساليب سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، عندما كانت الجزائر تعتقد أنها قوّة إقليمية وتستطيع لعب دور على الصعيد العالمي. لم تعد هذه الأوهام التي رحلت مع هواري بومدين تفيد. ما يفيد هو التعاطي مع الواقع كما هو وليس السقوط في الأوهام. ما يجدي هو الاعتراف بأنّ ليس في الإمكان تهميش المغرب بأيّ شكل من الأشكال.

في نهاية المطاف، كانت الجولة الأفريقية لمحمّد السادس أهمّ بكثير من القمّة العربية-الأفريقية. فشلت القمّة ونجحت الجولة. يكفي عدد المدارس والمستشفيات التي أقامها المغرب والتي تهتم بالنساء والمواليد الجدد للتأكّد من ذلك. يكفي التفكير في دعم المغرب لكلّ القوى التي تحارب الإرهاب والتطرّف للتيقن من صحّة ما يقوم به محمّد السادس.

من لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع أن يسأل نفسه كم بئرا حفرت القمّة العربية-الأفريقية التي قاطعها العرب؟ ما هي مساهمتها في الحرب على الإرهاب والتطرّف؟ كم عدد الأئمة الذين دربّتهم القمة وثقفّتهم من أجل نشر الإسلام المعتدل وتأكيد أنّه دين التسامح أوّلا؟