سمير عطا الله
خلال أقل من عام يفقد أربعة من قادة «العالم الحر»، في لغة الحرب الباردة، مواقعهم: الرئيس الأميركي أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والإيطالي رينزي. استقال الإيطالي لأن الناخبين رفضوا مشروعه الإصلاحي، واستقال البريطاني لأن الناخبين رفضوا دعوته إلى البقاء في أوروبا. وخرج الفرنسي من المعركة الرئاسية المقبلة في مايو (أيار) المقبل، لأن الاستفتاءات تُظهر أن الرضا الشعبي عليه شديد التدني.
أوباما يخرج لأن ولايته انتهت، ولا يحق لأي رئيس أميركي التمديد أكثر من ولايتين. اليمين المتطرف هزم في النمسا رغم التوقعات التي أظهرت أن الموجة اليمينية في الغرب لن تتوقف. دونالد ترامب خالف كل الدراسات والتحليلات وفاز.
كل هذه المتغيرات الجوهرية تمت من دون «ضربة كف». الذين قرأوا الإرادة الشعبية، حزموا حقائبهم من تلقاء أنفسهم. الذين انتهت مواعيدهم الدستورية أعدوا ببساطة منازلهم العادية المقبلة. في 21 يناير (كانون الثاني)، لن يكون في إمكان باراك أوباما دخول البيت الأبيض إلا بموجب دعوة رسمية، مع سائر الرؤساء السابقين.
لم تحل الأنظمة الديمقراطية مشكلات العالم، لكنها حلت مشكلة أساسية: للرئيس حقوقه الدستورية، والناس كذلك. ريتشارد نيكسون كان يحمل المفتاح النووي لأكبر قوة تدميرية في العالم، لكنه أُرغم على الاستقالة مهانًا، لأنه كذب. فمن أدى اليمين الدستورية لا يحق له الكذب. عاش بقية حياته في منفى داخلي، وما زال، على الصعيد الوطني، فاقد الاعتبار.
حوكم بيل كلينتون علنًا بتهمة أخلاقية، واستطاع النجاة من ثقب القانون. لكن لم يكن له الحق في أن يسجن خصومه أو يعدمهم أو يدمر أميركا على رؤوسهم، لأنهم يعارضونه. تستطيع أن تشن حربًا عالمية، أجل، لكن أن تشن حربًا على شعبك، لا تستطيع.
أحيانًا، سوء الديمقراطية لا حدود لسوئه. تخيّل سيلفيو برلسكوني في كرسي يوليوس قيصر. بالانتخاب. ثم بالانتخاب. ولكن أيضًا تذكر الاشتراكي فرنسوا ميتران ينهي الإرث الديغولي. ثم فرنسوا هولاند ينهي الإرث الاشتراكي. ثم اليسار يذوب، تقريبًا في كل مكان، لأنه لم يستطع الاستمرار في مستوى نفسه. كل ذلك يحدث في صندوق اقتراع. لقد ضمن فيدل كاسترو لكل كوبي التعليم والطبابة والكرامة الوطنية، ونسي أن يضيف إليها قليلاً من الحرية: صحيفة لا تؤلِّهه، إذاعة تجرؤ على ذكر اسم معارضيه، فيلم وثائقي يتحدث عن أسلافه دون شتائم. هزم كاسترو أميركا، لكنه لم يعرف كيف ينتصر على نفسه. لم يدرك أن الطيور تولد مغردة، قبل «تويتر» بآلاف السنين.
التعليقات