خالد السهيل

ما زالت ثقافة التيئيس والتحريش والتجييش تتسلل من هنا وهناك، حاملة في ثناياها رسائل تحفز على الموت. هذه الصيغة التي كانت ولا تزال تستغلها “داعش”، أوجدت واقعا مريرا عانت منه مجتمعاتنا.

لا أظن أن القرن الواحد والعشرين شهد جماعة إرهابية أسوأ ولا أبشع من عصابة داعش. ولو استعرضنا 16 عاما الماضية منذ بدايات هذا القرن، فإننا سنرى إرهاصات سحب البساط من القاعدة، لتبدأ مرحلة “داعش” التي استحوذت على الشر، إذ أخذت قوافل الأشرار المنضوين تحت لواء “داعش” بالتسلل صوب العراق أولا ثم في فترة لاحقة صوب اليمن وسورية وليبيا ودول أخرى. كانت عصابة القاعدة العراب والأب الروحي للدواعش. لكن “داعش” خرجت على طوقها، وبدأت في العمل على ترجمة أجندتها إلى واقع على الأرض، من خلال استغلال فوضى العراق وبعدها سورية.

هكذا أسهمت الفوضى في تغيير الواقع على الأرض بالهيمنة على مدن وقرى والتحصن بأهلها والاستقواء عليهم، وتحويل غير المسلمين منهم إلى سبايا وعبيد. كانت تلك بداية ما يطلق عليه خلافة داعش، وظهر الخليفة المزعوم لمرة واحدة من على منبر مسجد في الموصل مستعرضا بساعته الفاخرة وملابس المهرجين التي يرتديها، والأفكار الملغومة التي يرددها.

 مشكلة العالم حاليا لم تعد مع الجانب الخشن والمتوحش من “داعش”، ولكنها تتمثل في التيار الناعم، الذي يمارس حيادا تجاه أفكار التكفير والخروج على المجتمعات.

لقد بدا شكل عصابة داعش مريبا، إذ كان له محاضن متعددة. وكانت دول متعددة تسمح لمجرمي داعش من مختلف أرجاء العالم بعبور الحدود والتجمع في الأراضي الموبوءة بالفوضى.

وما زال بعض قادة الفكر الداعشي الناعم يمارسون سياسة دفن الرؤوس في الرمال، إذ عندما تناقشهم في جرائم داعش، يعودون للتاريخ لاستعادة الجرائم التي ارتكبتها جماعات وأطياف وأديان أخرى. وكأن هذه الحيلة تريد منا أن نتوكأ على الماضي ونتجاهل الحاضر باعتبار أن حركة التاريخ مستمرة، وعلينا فقط أن نراقب بسلبية هذه الحركة. وهم يترجمون ذلك فعليا، إذ يندر أن تجد منهم من ينتقد ممارسات داعش. وحتى عندما ينتقدها يربطها بما يطلقون عليه مشكلات المجتمعات.

العالم اليوم حسم أمره في مواجهة “داعش”، وعلى العالم أن يحسم أمره في مواجهة القوى الناعمة التي تسهم في تغذية “داعش” بالبائسين الذين لا تزال تنطلي عليهم كذبة الجهاد في العراق وسورية وسواهما. إذ في ظل السكوت عن كشف كذب “داعش”، وتزييف الحقائق على الأرض. يتم تفريخ المزيد من النفوس الناقمة على كل ما حولها.