الدولة تتم إدارتها بلا رؤية سياسية… وبعد ثورتين ما نزال عاجزين عن إدارة أي أزمة أو حل أي مشكلة بسيطة

حسنين كروم

بدأت الأغلبية الشعبية تميل قليلا للاهتمام بالسياسة الاقتصادية الداخلية، وهو ما عكسته الصحف المصرية أمس الثلاثاء 16 فبراير/شباط، بسبب استمرار رئيس الوزراء شريف إسماعيل في عقد اللقاءات مع الصحافيين والإعلاميين، ليضمن استمرار النشر عن البرنامج الذي ستقدمه حكومته لمجلس النواب في السابع والعشرين من الشهر الحالي، للحصول على ثقته.

وركز على خطورة الدين العام الداخلي الذي وصل إلى اثنين تريليون وثلاثمئة مليار جنيه مصري، لكنه لم يذكر حجم الدين الخارجي، وأكد ضرورة اتخاذ إجراءات لتقليل عجز الموازنة من جهة، وزيادة موارد الدولة حتى تتمكن من الصرف على الخدمات حتى لا تنهار مثل، رفع الدعم عن الطاقة، وزيادة سعر مياه الشرب وتذاكر القطارات والمترو، وزيادة الجمارك على بعض السلع المستوردة، مع حماية محدودي الدخل، والتيسير على أصحاب المصانع لزيادة قدراتهم على التصدير، وجلب المزيد من العملة الأجنبية. ولا أحد يعلم إن كان البرنامج وما يحتويه من مشروعات وخطط سوف يمر بسهولة من المجلس، خاصة رفع أسعار بعض الخدمات، بسبب خوف النواب من ناخبيهم؟ أم ستقتنع الأغلبية بقبول هذه التضحيات ولو مؤقتا، اعتمادا على سيطرة روح الخوف على البلد من الانهيار الاقتصادي، وعدم الرغبة في رؤية اضطرابات أو ثورة جديدة مهما كانت الأسباب الداعية إليها؟ والمصريون يشاهدون يوميا ما يحدث في العراق وسوريا وليبيا وما يواجهونه من عمليات من وقت لآخر في شمال سيناء. وعمليا وعلى الأرض لا توجد قوة قادرة على اجتذاب أي اهتمام جماهيري الآن، إضافة إلى أن الأغلبية لا تريد الاهتمام بالسياسة، إنما بلقمة العيش والأمان.

ويسود الآن اهتمام كل فئة اجتماعية بمصالحها الخاصة، بل تختلف في ما بينها على أسلوب تحقيق هذه المصالح، وتربص الفئات الأخرى بها، وكانت مشكلة نقابة الأطباء ووزارة الداخلية كاشفة لهذا الوضع في مصر لمن يريد تحليله وفهمه كما هو، لا كما يتمناه أو يتخيله أو يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي في معلوماته، فالحقيقة أنه أمام غضب الأطباء وتضامن البعض معهم، فقد انفجرت موجات غضب عارمة ضدهم وضد بعض السياسيين الذين ذهبوا للنقابة لمساندتهم، وإذا كانت هناك حالة غضب من الشرطة بسبب ممارسات بعض عناصرها، فهناك شبه إجماع على رفض أي محاولة للتحريض عليها. وعلى كل حال فإن ما ينشر في الصحف الحكومية والخاصة والقنوات الفضائية من آراء متناقضة، كاشف عن هذه الحالة ومهدئ أيضا لأي احتقان. رغم أنه وصل إلى مستوى أن زميلنا الرسام في «الأخبار» هاني شمس أخبرنا أمس أنه كان في زيارة صديق له أمين شرطة فوجده يقول لزوجته هو يشير لابنه:

- تعالي شوف أبنك الفاشل عاوز يمرمغ اسم العيلة في الوحل ويدخل كلية الطب لما يكبر.

وعموما الأزمة في طريقها للحل بسبب تدخل الحكومة وإحالة القضايا كلها إلى النيابة العامة، وعدم سماح النظام لأي من عناصره لتوريطه في خصومات أو معارك مع أي فئة اجتماعية. وامتلأت الصحف بالهجمات العنيفة ضد محمد سعد واتهمته بالإسفاف والانحطاط وأنه أفلس ولا يجدد نفسه. وكذلك اهتمت بنفي إيطالي لما نشر عن اعتقال الأمن المصري للباحث جوليو ريجيتي.. وإلى بعض مما عندنا..

لا ظهر يحمي البسطاء

من تغول أي سلطة من هذه السلطات

وإلى أبرز وأهم ما نشر عن الأزمة بين نقابة الأطباء ووزارة الداخلية، بسبب اعتداء عدد من أمناء الشرطة على طبيبين في مستشفى المطرية التعليمي واجتماع الجمعية العمومية للأطباء يوم الجمعة الماضي، وتجمع كبير لهم أمامها في شارع القصر العيني بمشاركة عدد من السياسيين والناشطين، وهو ما شكل من الناحية العملية إحراجا شديدا للنقابة والأطباء، وكان وقودا للحملة ضدهم بأن لهم أجندة سياسية خاصة عندما طالب الدكتور ممدوح حمزة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهاجم الجيش، ما ساهم في زيادة التعبئة الشعبية ضدهم لأن الأغلبية التي تعالج في المستشفيات الحكومية تشكو منهم، ومن يعالجون في العيادات والمستشفيات الاستثمارية يشكون مما يتعرضون له من استغلال مادي، بالإضافة إلى الأخطاء التي تودي بحياة المرضى أو تسبب لهم عاهات دائمة، من دون أن تتخذ النقابة إجراءات ضدهم، وكل هذه المشاعر انفجرت ولا تزال. لدرجة أن زميلنا وصديقنا في جريدة «روز اليوسف»(حكومية) والشاعر محمد بغدادي «ناصري» صاح يوم الاثنين: «كل هذه السلطات المتنفذة، سواء كانوا ضباطا أو أمناء أو سلطات قضائية أو سلطات عسكرية أو شرطة أو أطباء يتحكمون في أرواح المواطنين، فكم من مريض فقد حياته لإهمال طبيب أو إدارة مستشفى عام أو خاص؟ ومرت هذه الجرائم حتى إن كانت (قتلا خطأ) من دون عقاب، أو حتى مجلس تأديب من النقابة، أو وقف عن مزاولة المهنة. وكم من طبيب يستغل المرضى؟ وكم من طبيب سرق أعضاء أطفال الشوارع أو البسطاء ضمن تشكيل عصابة طبيب عتيد الإجرام؟ وقس على ذلك كل الجرائم الأخرى التي ترتكبها كل هذه السلطات حتى إن كانت حالات فردية في الشرطة أو القضاء أو الأطباء، إلا إنها تحدث بين الحين والآخر، ولكن لغياب العقاب الرادع فإنها لن تكف عن الحدوث. ماذا يفعل الرئيس السيسي في هذه الأزمات المتكررة؟ وماذا يفعل المواطن البسيط الذي ليس له ظهر يحميه من تغول أو تجاوز أي سلطة من هذه السلطات؟ وماذا يفعل أي مواطن في مواجهة تجاوزات أي طبيب انتزعت من قلبه الرحمة؟ فمن يقاوم التغيير ومن الذي يسعى لأن يعيدنا لعصر الفساد البغيض ليبقى الحال على ما هو عليه؟ ومن يقاومون التغيير كثيرون فهم جيش من الموظفين والمسؤولين يعتقدون أنهم يملكون مؤسسات الدولة وأنهم ورثوها عن آبائهم لذلك فهم يقاومون التغيير بكل ما يتمتعون به من قوة وسلطة وسطوة ومهارات التحايل والتلون».

محمد فودة: الأطباء ينافسون «قارون» في كنوزه

كما انفجر في يوم الاثنين نفسه زميلنا في «المساء» (حكومية) رئيس تحريرها الأسبق محمد فودة قائلا والشرر يتطاير من عينيه: «الآن تحول الطبيب إلى نصف طبيب، وأصبحت مهنته تجارة تخلو من الشطارة، هدفه الأول والأخير مص دماء المرضى حتى ضاقت خزائنهم بالأموال، فبدأوا ينافسون «قارون» في كنوزه. هو في مستشفاه الحكومي نصف إله، أنفه معقوف وصدره منفوخ يكلم المريض الذي هده الداء وكأنه خادم، وهو في عيادته الخاصة جبار، لافتته تحمل شهادة كذا وزميل كلية كذا وخصوصاً في إنكلترا وأمريكا. أقل كشف الآن في عيادة أي طبيب ثلاثمئة جنيه مع ضرورة دفع «فيزه» أيضاً لسكرتيره، ورغم ذلك لا يحضر الطبيب في موعده، بل يتأخر بالساعة وأكثر وعندما يدخل كأنه «طاووس» ولم لا؟ فهؤلاء المرضى في نظره لا قيمة لهم، لكن فلوسهم حلال. قبل عشرين أو ثلاثين سنة كان العرب كل العرب من المحيط إلى الخليج يتوافدون بمئات الآلاف على مصر، حيث كان الطبيب عالماً وليس تاجراً، الآن انصرف عنا العرب بعد أن أصبح أطباؤنا ينقصهم العلم والخبرة، وزاد طمعهم المادي. لو دخلت عيادة أحدهم ستجد أن عدد المرضى لا يقل عن ثلاثين مريضاً والحصيلة النهائية في اليوم 9 آلاف جنيه، أي أن دخل الطبيب في الشهر مئة وثمانون ألف جنيه، بالإضافة إلى أن معظمهم يعمل أستاذاً في الجامعة ويجري جراحاته قبل أن يذهب إلى عيادته. هل حكومة مصر «الواعية» وضعت يديها على هذه الظاهرة؟ أم أنها أغمضتها عنهم عامدة متعمدة؟ إنني أطالب مصلحة الضرائب في مصر أن تعلن لنا ما حصلته من آلاف الأطباء كضرائب على دخلهم؟ وكيف تحسب هذه الضريبة؟ هل الطبيب يعطي المريض إيصالا بما دفعه؟ أم أن تقدير الضرائب على الأطباء يأتي جزافاً؟ لكن السؤال الذي لم يسأله أحد رغم تعدد الأخبار والموضوعات وكذلك مقالات الكتاب: إذا كان قد حصل اعتداء من أمناء الشرطة على بعض الأطباء: ما هو السبب الذي دفع هؤلاء الأمناء لارتكاب هذا الخطأ؟ هل ذهبوا إلى المستشفى عامدين متعمدين لهذا الغرض؟ أم أن الأطباء استفزوهم وتكبروا عليهم، للدرجة التي أفقدتهم أعصابهم فتصرفوا هذا التصرف؟ لا بد من سبب ولو دققت في الأمر ستجد العجب وبعد التحقيق واللجوء إلى القانون «سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».

أطباء تتجسد فيهم الإنسانية

والرحمة بأرقى معانيها

وما ذكره فودة ومن قبله بغدادي صحيح تماما، بل أشد قتامة لما وصلت إليه الأمور، بل هناك أطباء يجرون عمليات جراحية لمرضى لا يحتاجونها. وحدث هذا مع زوجتي رغم أن وظيفة صحافي تخيف البعض من هذه النوعية. في المقابل هناك أطباء تتجسد فيهم الإنسانية والرحمة بأرقى معانيها، وهم كثيرون والحمد لله، تكفي الإشارة إلى الدكتور مجدي يعقوب وإلى آلاف الأطباء الذين يبادرون إلى تقديم العلاج وعمليات مجانية للحالات التي تعرضها الصحف والفضائيات لمرضى فقراء، وهناك أطباء إذا أحسوا بأن المريض فقير يعيدون إليه الكشف، ويشترون له الدواء. وقد رأيت هذا من صديقنا جراح القلب الشهير ونقيب الأطباء الأسبق الدكتور حمدي السيد، وكان صديقي المرحوم الدكتور سمير يونس رئيس قسم أمراض النساء والولادة في كلية الطب في جامعة القاهرة، استمر في سعر الكشف عشرة جنيهات، في الوقت الذي كان وقتها قد وصل إلى خمسين جنيها في السبعينيات، ولما سألته لم لا يرفع سعر الكشف مثل زملائه الأساتذة قال «شوف أنا عندي فلوس كتير في البنك وبتزيد لوحدها ودخلي من العيادة ومستشفى الولادة ومرتب الجامعة باصرف جزء والباقي على البنك، هاستفيد أيه لما أخد من موظف أو عامل أربعين جنيها زيادة، هتكسر وسطه هو وعيلته». وتوفي سمير وكشفه في عيادة المنيل عشرة جنيهات وتكاليف الولادة في مستشفاه في المهندسين الأرخص في مصر.

ويذكرني هذا بالذي كان يا ما كان في عهد خالد الذكر، وكان يعترف في خطب علنية بأننا فشلنا في إدارة وتطوير مستشفى قصر العيني، بينما نجحنا في إدارة قناة السويس. وحدث أن رفع الأساتذة أجرة الكشف في العيادات من خمسة إلى عشرة جنيهات، فانتابته موجة غضب شديدة لدرجة أنه في خطبة علنية تساءل، والمواطن الغلبان يعمل أيه؟ إذا ما تراجعوش عن القرار سيتم تأميم الطب، ولن تكون هناك عيادات خاصة هم مش معجبين بالغرب أنا هطبق النظام المطبق في بريطانيا. وكان يشير إلى أخذ حكومة حزب العمال بتأميم الطب. وبسرعة تراجع الأساتذة عن فكرة زيادة سعر الكشف، ولكن في المقابل تم بحث عدة أفكار لتطوير الخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية لتخفيف العبء عن الدولة من جهة، وزيادة دخل العاملين فيها ومنافسة القطاع الخاص، فطبقت عدة اقتراحات لا يزال معمولا بها حتى الآن، وهي فرض رسم على الدخول لزيارة المرضى كان في البداية خمسة قروش ثم زاد إلى عشرة وأصبح المريض يتحمل جانبا من الأدوية، كما خُصصت أقسام للعلاج الاقتصادي، أي ليست مجانية وأقسام أخرى أرقى، أي أنه لم يكتف بالتهديد فقط، وإنما كان يعلم حجم المشكلة وحاول التكيف معها».

الأطباء يطالبون بإقالة وزير الصحة

وبعد ذلك نتحول إلى «الجمهورية» وزميلنا السيد نعيم وقوله: «معركة لم يكن لها أساس من الإعراب وما كان يجب أن تحدث أصلاً، ولكنها العنجهية والغرور والإحساس المبالغ فيه بالذات والسيادة من جانب بعض أمناء الشرطة، الذي يأتي بأشد العواقب وأعمق المشاكل، بعد ذلك لم يعجب الأطباء تلك المعاملة القاسية وغير المحترمة من جانب هؤلاء الأمناء واعتبروها مساساً بكرامة الطبيب، وهذا حق لهم بالتأكيد، وكان من الممكن أن يقف الوزير المسؤول منذ البداية موقفاً محدداً يحتوي فيه تداعيات الأحداث وتفاقم المشكلة وإصرار الأطباء على ضرورة محاسبة أمناء الشرطة المعنيين بالمشكلة، وتوقيع العقاب القانوني عليهم، جراء ما اقترفت أيديهم في حق الأطباء، ولكن الوزير لم يفعل وكذلك رئيس الحكومة الذي لم نسمع له رأياً أو موقفاً في المشكلة، إلا عندما انفجر الأطباء في جمعية عمومية يوم الجمعة الماضي وعبروا عن غضبهم الشديد وهتفوا واستغلت بعض القوى المناوئة الأخرى هذا التجمع الكبير المحتشد في شارع القصر العيني، ليصطادوا في الماء العكر ويرفعوا شعارات وهتافات ضد الدولة. أصدر الأطباء قرارات شاركوا فيها بالإجماع والموافقة كان أبرزها، إحالة وزير الصحة للجنة التأديبية لتقاعسه عن حماية أطباء مستشفى المطرية، والمطالبة بإقالته. وهنا فقط سمعنا صوت وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين الذي هرع إلى الفضائيات يتحدث ويبرئ ساحته، ويؤكد أنه سعى لرأب الصدع وحل المشكلة من خلال اتصالاته بوزير الداخلية ورئيس الوزراء، وأنه طلب اجتماع «الولاد» على حد قوله، وهم الأطباء المعنيون بالمشكلة في مستشفى المطرية، ولكنهم رفضوا الاجتماع معه لحل المشكلة».

محمد صالح رجب: نريد دولة

«الأمناء» في كل مهنة

ولا نزال في ردود الأفعال يوم الاثنين ففي «الأسبوع» قال زميلنا محمد صالح رجب: «كان مستفزا اعتداء الأمناء على أطباء أثناء ممارسة أعمالهم، وأيضا كان مستفزا رد فعل الأطباء واستغلالهم للحادث، وكأنهم بلا خطيئة. تضخيم تجاوزات الشرطة «المرفوضة شكلا وموضوعا»، لتحقيق مكاسب ضيقة أيضا مرفوض، تجاوزات أيضا الأطباء طالت كثيرا من المصريين من خلال الأخطاء الطبية التي لا تخفى على أحد، تعميم الأخطاء الفردية على المهنة أو القطاع بشكل عام هو أمر غير منطقي، وكما أن هناك شرطيا فاسدا هناك آخرون أمناء يقدمون أرواحهم فداء للوطن والمواطن، وكما أن هناك طبيبا أو ممرضا متجاوزا، هناك آخرون أمناء رحماء شغلهم الشاغل إنقاذ مريض أو تخفيف معاناة إنسان. نحن نريد دولة «الأمناء» في كل مهنة، ولن يحدث ذلك إلا بتطبيق القانون على الجميع على حد سواء فهل نحن قادرون؟».

«الأطباء مش ملايكة والممرضات مش كتاكيت»

ومن «الأسبوع» إلى «الأخبار» وزميلنا حازم الحديدي وقوله في بروازه «لمبة حمرا»:

كما تنتفض نقابة الأطباء من أجل كرامة الأطباء، أرجو وأتمنى أن تنتفض من أجل حياة المريض فإذا كانت الانتفاضة واجبة من أجل الكرامة فهي حتمية من أجل الحياة، وإذا كنا قد وقفنا مع الأطباء والممرضات ضد سحلهم وضربهم، فيجب أن تقف معنا النقابة ضد إذلالهم للمريض وهو على حافة الموت، فلا يخفى على أحد أن الأطباء مش ملايكة والممرضات مش كتاكيت ولا كيوت كلهم مصابون بأمراض اللامبالاة والتطنيش وعدم الإحساس، فلا أحد منهم يهتم بحياة المريض أو يهب لتخليصه من الألم كلهم في أرجلهم أكياس رمل وفي آذانهم سماعات الموبايل وهمس الأمورة بالنسبة للطبيب أعلى من صوت سارينة الإسعاف».

الانجراف مجددا إلى سياسة القطيع

وفي «الأهرام» المسائي (حكومية) قال زميلنا سلامة حربي: «لقد أثبتت التجربة العملية بعد ثورتين أننا ما نزال عاجزين عن إدارة أي أزمة أو حل أي مشكلة بسيطة، قبل أن تتفاقم وتتحول إلى مارد عملاق، يلتهم كل ما يقف في طريقه‏‏. ولعل فضيحة اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية خير دليل على ذلك‏‏، فبدلا من تطبيق القانون بكل شفافية على الجميع‏‏ ومحاسبة المتجاوزين‏‏، انجرفنا إلى سياسة القطيع. أمناء الشرطة صبوا جام غضبهم على أطباء المستشفى، ونقابة الأطباء أعلنت الحرب على وزيري الصحة والداخلية، والسبب يرجع إلى تطبيق سياسة الطبطبة التي بدأت بعقد اجتماع في مجلس النواب، حضره عدد من النواب وممثلون لنقابة الأطباء وممثل عن وزارة الصحة وآخر عن الداخلية، في محاولة لـ»الطرمخة» على الفضيحة، والنتيجة كانت مأساوية، استدعت في النهاية تدخل رئيس الوزراء من أجل معاقبة المدانين في الواقعة، وإذا كنا فعلا جادين في إعلاء دولة القانون فيجب أن تبادر وزارة الداخلية وعلى الفور بإعادة شعار: الشرطة في خدمة الشعب، وأن تأخذ بكل قوة وحسم على يد كل من تسول له نفسه النيل من ثوبها ناصع البياض، سواء كان ضابطا أو أمين شرطة وأن تقوم ببتر كل فرع أعوج يستغل وظيفته ومركزه ويهيل بتصرفاته الحمقاء التراب على تضحيات الشرطة العظيمة في القطاعات كافة».

الجميع يجب أن يرضخ لدولة القانون

وإلى اثنين من كارهي ثورة يناير/كانون الثاني، الأول هو زميلنا في اليوم السابع دندراوي الهواري وقوله متهما النقابة: «ما فعله الأطباء والسماح لجماعة الإخوان الإرهابية بتوظيف الحدث سياسيا والسماح أيضا لسياسيين ومهندسين ومحامين للمشاركة «في الفرح» والكل يسارع بإلقاء «النقطة» إنما يمثل سقطة مهنية كبرى وتدشينا حقيقيا للنعرة الفئوية، سيدفع ثمنها الطبيب قبل المواطن العادي، الطبيب لا يمكن أن يعيش بمنآى عن رجل الأمن والقاضي والمحامي والإعلامي والسباك والجزار، ومن ثم فالجميع يرضخ لدولة القانون، وليس لإظهار العين الحمراء كل لخصمه، فهنا إعلان صريح بأنا نعيش تحت مظلة قانون الغاب وليس الدولة. خلط الأوراق أمر مقزز ومنفر واللعب بالألفاظ لتحقيق مآرب ومكاسب شخصية على حساب الوطن كارثة كبرى».

معارك وردود

وإلى المعارك والردود المتنوعة التي بدأها يوم الاثنين زميلنا وصديقنا إبراهيم عيسى رئيس تحرير «المقال» بالسخرية من هزال وضعف القوى السياسية، واستشهد بما حدث في نقابة الصحافيين من الاحتفال بذكرى تنحي مبارك عن الحكم، وقال إن عدد الجالسين على المنصة للخطابة كانوا أكثر من المستمعين وأضاف: «خلاص فهمنا أن الدولة تتم إدارتها بلا رؤية سياسية إطلاقا، أنهم يديرون بالطريقة التي يعرفونها، موظفون يعطون أوامر لموظفين وموظفون ينفذون تعليمات رؤسائهم في ما هو أسوأ من سمع وطاعة الإخوان، بقي الآن أن نعرف وهل القوى التي تسمي نفسها سياسية وفي قلبها القوى الاحتجاجية ومجموعات النخب المنشغلة بالمسار غير الإيجابي، الذي تسير إليه وعليه حكومة البلاد، هل هي التي تملك رؤية سياسية؟ الأمر يتكرر على نحو مذهل في الخيابة الآن، رغم أن الدولة لا تقدم أي بديل سياسي وليس هناك حزب حاكم ولا عقيدة أبعد من العقيدة البوليسية، ومع فرص انتخابات نزيهة الاقتراع فإن القوى الوطنية بناشطيها كأنهم لم يبرحوا مكانهم قط، إنهم لا يقتربون من العمل السياسي، أمامنا انتخابات محليات بعد قرابة العام أو يزيد قليلا، ومن يريد العمل السياسي والفوز بها لابد أن يعمل منذ اليوم ثم تعقبها حملة انتخابات رئاسية بعد عامين تقريبا، حيث تستطيع القوى الوطنية أن تضع مطالبها أمام الرئيس، إن جدد ترشحه، أو أمام المرشحين عموما، فماذا ينتظر هؤلاء الذين يزعمون امتلاكهم الرؤية السياسية؟ فليس هناك إلا مصير تحكم أجهزة الدولة في الدولة وإتمام تحويلها إلى ما قبل يناير/كانون الثاني أو استعادة التيار الإسلامي «لا أقول الإخوان» أدواته، وأولها التحالف مع الأجهزة الأمنية وتقسيم الأدوار، حيث تسيطر الأجهزة على الحكم ويسيطر التيار الإسلامي على المجتمع».

استقلالية البرلمان

المشكلة أن عيسى لم يناقش ظاهرة ملموسة للجميع الآن وهي أن ثورة يناير/كانون الثاني أصبحت لا تثير حماس الأغلبية التي شاركت فيها وأسقطت مبارك، لكن تشاؤم عيسي قابله تفاؤل سكرتير عام حزب «الوفد» ورئيس هيئته البرلمانية في مجلس النواب بهاء الدين أبو شقة، الذي قال في «الوفد»: «لا أحد ينكر أن البرلمانات السابقة كانت تسيطر عليها السلطة التنفيذية، أما هذا البرلمان المنتخب بشفافية ونزاهة ومن دون تزوير، ومن دون تدخل من التنفيذيين فيه، يؤكد مدى استقلالية هذا البرلمان، بل أن هذا البرلمان له طبيعة خاصة، حيث أن فيه تمثيلا حزبيا من عدد من الأحزاب، بالإضافة إلى مستقلين. ويضم لأول مرة فئات ممثلة عن الشعب أمثال ذوي الاحتياجات والمصريين في الخارج، بالإضافة إلى نسبة مرتفعة للنساء والأقباط، وهذا دليل قاطع على تميز هذا البرلمان عن باقي البرلمانات التي شهدتها مصر على مدى تاريخها البرلماني الطويل، فهو فعلا معبر عن جموع الأمة بكل طوائفها السياسية والفكرية».

وقت الدلع والكسل قد انتهى

وفي العدد نفسه من «الوفد» أبدى زميلنا ناصر فياض شماتته في الحكومة بسبب ما ستواجهه من أيام أسود من قرن الخروب على يد مجلس النواب قال: «أمام إسماعيل مهمة قاسية كي ينجو بحكومته بأقل الخسائر الممكنة، ولكن الشاهد أن الأعضاء أو عددا ليس قليلا منهم ينتوي الدخول في مناقشة حامية بشأن عدد من الملفات المهمة، التي تخص مشاكل المواطنين وما أكثرها، لاسيما ما يتعلق بخدمات مياه الشرب والصرف والبطالة والكساد والأداء الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وغيرها من الملفات، كالفساد وغيره ومن المرجح ألا تنجو الحكومة من البرلمان ولن تخرج سليمة كما دخلت. الخيار الأول والمرجح أن يفقد شريف إسماعيل عدداً من أعضاء حكومته وينجو بنفسه مع عدد من الوزراء، إذا حدث ذلك فالحساب لم ينته بعد، لأن نواب الأقاليم حصلوا على وعود من رئيس الوزراء خلال لقاءات خاصة في مقر الحكومة بتنفيذ عدد من المشروعات خلال فترات زمنية محددة، ويعدون الأيام والليالي حتى تتحقق وعود الرجل، وإذا حصل تأخير فسوف ينصبون له الفخاخ داخل مجلس النواب، وأزعم أنهم محقون في ذلك، خصوصا أن كل مطالبهم تصب في المنفعة العامة، وليس أمام الحكومة أي عذر، وعلى رئيس الوزراء أن يعلم أنه حان الوقت لتنفيذ تصريحاته الوردية، التي ملأت الدنيا قبل بيانه أمام مجلس النواب، على رئيس الحكومة والوزراء أن يعلموا أن وقت الدلع والكسل قد انتهى لا مكان لكسول أو مهمل ولو كان رئيس الوزراء نفسه».

قلة الأدب تهديد

للسلام والاستقرار الاجتماعي

وإلى واحدة من القضايا التي تشغل الرأي العام، وهي الانتشار الوبائي لظاهرة قلة الأدب في وسائل الإعلام وبرامج الفضائيات، بسبب الألفاظ والإيحاءات والحركات الجنسية التي صدرت عن الفنان محمد سعد في أولى حلقاته «وش السعد»، الذي قدمه على قناة «سي. بي. سي» وقال عنها يوم الاثنين زميلنا في «الجمهورية» السيد البابلي: «تحرك سمير صبري المحامي بالنقض، وقدم بلاغا للنائب العام المستشار نبيل صادق بإحالة الفنان محمد سعد للمحاكمة العاجلة بتهمة التحرش «بالهيفا»، هيفاء وهبي في البرنامج التلفزيوني، الذي عرض مؤخرا واتسم بالتجاوزات والعبارات البالغة الوقاحة والفجر، والتي لم تكن مدحا أو مجاملة بقدر ما كانت نوعا صريحا من التحرش والانحلال. وسمير صبري اتخذ هذا الموقف نيابة عن المجتمع كله الذي يرى ويتابع الكثير من الاستفزازات التي تعبر وتعكس غياب كل قواعد الانضباط الإعلامي، وظهور فكر منحرف جديد يقودنا في اتجاه الفوضى الجنسية والأخلاقية، ويدمر كل ثوابت المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده، وهي ليس دعوة لإيقاف هذا البرنامج فقط وإنما هي دعوة لاستعادة الأخلاق خوفا من ردة فعل قد تكون أشد خطرا وتهديدا للسلام والاستقرار الاجتماعي».

«وش السعد» امتداد لأفلام السبكي

ومن «الجمهورية» إلى «الأخبار» وزميلنا أحمد جلال وقوله في بروازه اليومي «صباح جديد»: «عندما تكون قلة الأدب فن وتتحول البذاءات إلى لغة حوار وتصبح الإيماءات الجنسية حرية ونبرر التحرش بأنه إبداع، فلا تتعجب لأن هذا هو حال الفن والفنانين، وللأسف فإن معظم ما يقدمونه مكانه الطبيعي بيوت الدعارة، وليس القنوات الفضائية التي تدخل كل المنازل. والجهة التي تراقبه المفروض أن تكون مباحث الآداب وليس المصنفات الفنية، لذلك لم أنزعج مما شاهدته في برنامج «وش السعد» لأنه امتداد طبيعي لأفلام السبكي وأغاني التوك توك من عينة أديك في الجركن تركن! حاجة تقرف».

لعنة التفوه التلقائي بالشتائم والطعن

أما زميله الإخواني خفيف الظل مثله ورئيس تحرير «أخبار اليوم» الأسبق سليمان قناوي فقال: «إذا كنا بالفعل نريد أن نحسن من «أخلاقنا» فيجب أن تبدأ هذه الحملة البداية الصحيحة، بالتركيز على تحسين أخلاق كل من يقتدي بهم الناس من مذيعي الفضائيات والإعلاميين ومعلمي المدارس وكتاب الدراما ومنتجي الأفلام وأساتذة الجامعات ورؤساء الأندية الرياضية ورجال الشرطة، وحتى المشايخ والدعاة، وحتى لا نقع في خطأ التعميم نقول، إن بعضا من هؤلاء وهؤلاء هم من يمثلون القدوة السيئة لأجيال عديدة من النشء. أما لماذا كان يجب على الحملة أن تبدأ بهؤلاء لأنهم بكل بساطة هم قادة الرأي في المجتمع وأمناء وضباط الشرطة الذين يتعاملون مع كل من يدخل القسم على أنه مجرم يسبون هذا ويضربون هذا، وإذا حدثتهم عن الالتزام بالقانون والدستور أسمعوك ما لا أذن سمعت من فحش القول وبذيء الحديث، لقد أصابت لعنة التفوه التلقائي بالشتائم والطعن حتى بعض المشايخ، الذين لا يتورعون عن إطلاق كلمات نابية، بل وفي بعض الأحيان خادشة للحياء، تحت زعم أنه لا حياء في الدين، والدين منهم براء، وقائع ما كنا نسمع بها أبدا في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن العشرين».

سياسة حازمة ضد الخروج على النص

أييه.. أييه وهكذا ذكرنا قناوي بارك الله فيه بالخمسينيات والستينيات، فرغم عدم انتشار الحجاب والنقاب وارتداء الفتيات الميكروجيب، فإن أي خدشا للحياء في الأعمال الفنية وحتى القصصية كان يثير ضجة، لدرجة أن خالد الذكر أبدى للأديب الراحل إحسان عبد القدوس استياءه من الجرأة في قصصه، لدرجة أنه لا يُدخل مجلة «روز اليوسف» بيته خوفا على بناته. كما أذكر في ما أذكر أن الصحف نشرت تحقيقات عن مسابقة أجريت على أحد بلاجات الإسكندرية عن أجمل وأجرأ عيون للشباب عنوان «أبو عيون جريئة» مستمدة من أغنية عبد الحليم حافظ أبو عيون جريئة، وفاز فيها أحد شباب أسرة ثرية كان يمشي الهوينا أمام أعضاء اللجنة وانقلبت الدنيا رأسا على عقب وصدرت الأوامر بالقبض على هؤلاء الشباب وتم حلق شعور رؤوسهم وتجنيدهم في الجيش».

أما محمد الأمين صاحب قنوات «سي. بي. سي» ورئيس غرفة صناعة الإعلام، فقد صرح لـ«الأخبار» أمس بقوله: «قناة أم. بي. سي، التي تعرض برنامج «وش السعد» لا تتبع غرفة صناعة الإعلام التي تتمثل في تسع قنوات هي «سي . بي سي، والحياة، والنهار، ودريم، وتن، وصدى البلد، والمحور، والقاهرة والناس، وأون. تي في». أما إيقاف برنامج «ممكن» الذي يعرض على «سي. بي. سي» لمدة خمسة عشر يوما فجاء لأن الغرفة قررت أن تنتهج سياسة حازمة ضد الخروج على النص».