&وليد أبي مرشد

منذ أن سمح الرئيس الأميركي باراك أوباما للرئيس السوري، بشار الأسد، بتجاوز «الخط الأحمر» عام 2012 واستعمال الأسلحة الكيماوية دون حسيب أو رقيب، حولت الولايات المتحدة النزاع السوري الداخلي إلى ساحة تحٍد روسي – أميركي بالوكالة يستفيد منه نظام الأسد.

ما كانت تحققه المعارضة السورية من إنجازات ميدانية منذ عام 2011 انقلب إلى «انتصارات» عسكرية روسية، دامية ومكلفة، عام 2016.

من يتذكر تهديدات الرئيس الأميركي في أغسطس (آب) 2012 لنظام الأسد ووعيده بمحاسبته عما ارتكبه من جرائم باستعماله السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، يستغرب كيف أصبح الجيش الروسي، بعد أقل من أربع سنوات على تهديد الرئيس أوباما، يسرح ويمرح في «قلب العروبة النابض» لا تردعه سوى تحذيرات كلامية أميركية لم تنَل من اندفاعه العسكري ولا مخططه الاحتلالي.

منذ اندلاع النزاع السوري وواشنطن تؤكد أن لا حل عسكريًا للحرب الأهلية، وأن الحل الأسلم والأجدى للنزاع، على المدى الطويل، هو الحل السياسي التفاوضي.

ولكن، رغم واقعية هذا المنطق، تردد الرئيس الأميركي الحذر ­ الذي التزم دبلوماسية تجنب «المغامرات الخارجية» منذ انتخابه رئيًسا عام 2008 ­ في دعم

فصائل المعارضة السورية المعتدلة، لوجيستيًا وعسكريًا، بالقدر الذي يسمح لها بأن تصبح رأس حربة المعارضة المسلحة ومحورها السياسي، الأمر الذي أتاح للفصائل الإسلامية المتشددة، والأفضل تسليًحا، مصادرة المبادرة العسكرية، ثم السياسية، في التصدي لنظام الرئيس بشار الأسد، وبمساعدة لم تعد خافية من النظام.

واليوم تتمادى روسيا في تحّديها للخيار السياسي الأميركي – ومن ورائه لهيبة حلف شمال الأطلسي ­ وتواصل عمليات «الأرض المحروقة» في منطقة حلب، في حرب باتت مفتوحة على كل فصائل المعارضة المسلحة، بصرف النظر عن تلاوينها السياسية أو شعاراتها المعتقدية، وعلى الذراع الجنوبية لحلف الأطلسي، أي تركيا. وعليه، حّولت روسيا الأيام الفاصلة بين مؤتمر «المجموعة الداعمة لسوريا» في ميونيخ والموعد المقترح لوقف ما سمي بـ«العمليات العدائية» إلى سباق عسكري مع خيار واشنطن السياسي انطلاقًا من تحولها إلى اللاعب الدولي الرئيسي على الساحة السورية.

لا جدال في أن روسيا تمسك اليوم بمعظم أوراق التسوية السياسية في سوريا، وذلك في أدق منعطف، ليس في تاريخها فحسب، بل في تاريخ الشرق الأوسط أيًضا.

هل انقلبت موازين القوى بين حلف الأطلسي (الذراع العسكرية الدولية للولايات المتحدة) وروسيا الاتحادية إلى حد يبرر هذه اللامبالاة الروسية بالتحذيرات الأميركية؟

قد يبدو مستغربًا طرح هذا التساؤل فيما لا يزال الشرق الأوسط المنطقة التي تضم عدًدا كافيًا من القواعد العسكرية الأميركية التي تتيح لواشنطن «عرض عضلاتها» في وجه أي دخيل دولي منافس على المنطقة، هذا مع العلم بأن معظم المحللين العسكريين يجزمون بأن الولايات المتحدة، وحلفها الأطلسي، ما زالا القوة الأبرز في عالم اليوم.

إذا لم يكن في خلفية التصرف الروسي اطمئنان ضمني إلى «خلل» ما لصالحها في ميزان القوى العسكرية مع الولايات المتحدة... فهل من خلل آخر يشجعها على مواصلة تحدي واشنطن في سوريا؟

في نزاع تتداخل فيه الضغوط العسكرية والمبادرات السياسية وتتقاطع، يبدو «الخلل» الذي تستفيد منه روسيا سياسيًا أكثر مما هو عسكري، أي الخلل في «ميزان» مصداقية دعم كل من الرئيسين، الأميركي والروسي، لطرفي النزاع. ولم يعد خافيًا أن هذا الخلل طبع علاقة الجهتين بالنزاع السوري منذ عام 2012، وتحديًدا منذ تراجع الرئيس أوباما، عن تنفيذ تهديده الشهير بـ«معاقبة» النظام السوري، بنصيحة من الرئيس الروسي نفسه.

ربما استهانت واشنطن، عام 2012، بأبعاد التأثير الإحباطي لخلل مصداقيتها السياسية في سوريا. ولكن التطورات الميدانية اللاحقة أظهرت أن أبعاده لم تقتصر على طرفي النزاع السوري فحسب، بل انسحبت أيًضا على مواقف كل الأطراف الشرق أوسطية الداعمة لهما... وحتى على قناعات الشارع العربي.

والمفارقة اللافتة في هذا السياق أن واشنطن بدأت تقّر، ضمنًا، بهذا الخلل فاكتفت بالرد على التصعيد العسكري الروسي في حلب بمناشدة موسكو «تغيير استراتيجيتها تجاه القضية السورية» لتسهيل التوصل... إلى هدنة.

&