&خروج الدولار عن السيطرة رغم المليارات التي تدفقت على الخزانة المصرية… والمواطن يفقد الثقة في الحكومة

&

حسنين كروم

&&تراجع اهتمام الأغلبية بقضية اعتداءات أمناء الشرطة على المواطنين، التي وصلت ذروتها في مقتل سائق السيارة السوزوكي محمد عادل الشهير بـ«دربكة» على يد رقيب الشرطة مصطفى عادل الشهير بـ«فيتو«. والملاحظ أن التركيز كان على رتبة أمين شرطة، بينما هو رقيب، أي ليس خريج معهد أمناء الشرطة حسب الرتبة التي ذكرتها الصحف المصرية. وأمرت النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات.

وقد اجتمع الرئيس مع وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار في شرم الشيخ، حيث يوجد الاثنان، بمناسبة انعقاد مؤتمر منتدى الاستثمار الأفريقي، الذي يحضره رؤساء الدول الأفريقية، وطلب السيسي سرعة إدخال تشريعات جديدة على قانون الشرطة، بحيث تعيد نظام المحاكمات العسكرية التي كانت تتم للمخطئين والمنحرفين في الجهاز، وهي محاكمات لا علاقة لها بمحاكمات الجيش، إنما خاصة بجهاز الشرطة. وكان قد تم إلغاؤها بعد ثورة يناير/كانون الثاني، ونظام المحكمات العسكرية أيام مبارك هو الذي أدى إلى فصل آلاف من أمناء الشرطة تمهيدا لتقليص أعدادهم وقبول دفعات من الحاصلين على الإعدادية لتخريج أفراد أمن. واكد اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد الوزير للعلاقات والإعلام، أن الفصل من الخدمة سيكون الرد على أي متجاوز من أفراد الجهاز في حق الناس، كما سارع مدير أمن القاهرة ومساعدوه بترضية واسعة لأسرة القتيل، باستقبال شقيقته وتقديم واجب العزاء وإعطاء التعليمات بعدم مواجهة تجمعات أو هتافات أهالي المنطقة أمام مبنى المديرية. كما تراجع الاهتمام بقضية الأطباء والوقفات الجزئية لهم في المستشفيات، من دون أن تطال العمل. أما أخبار قضايا الإخوان وغيرهم فلم يعد أحد يهتم بها، رغم أنه تمت إحالة صديقنا حازم صلاح أبو إسماعيل وصديقنا المحامي الهارب في تركيا ممدوح إسماعيل إلى محكمة الجنايات، في قضية محاصرة محكمة مدينة نصر في ديسمبر/كانون الأول 2012، ورفضت محكمة جنايات شمال القاهرة تظلم مرشد الإخوان السابق خفيف الظل محمد مهدي عاطف وأسرته، وكذلك تظلم يوسف ندا من منعهم وأسرهم من التصرف في أموالهم. وتم القبض على تيمور السبكي الذي اتهم نساء الصعيد بوجود استعدادات لديهن للانحراف. أما الاهتمام الأكبر فلا يزال منصبا على الارتفاعات في أسعار السلع وتوقعات بالزيادات التي ستحدث في حالة نجاح الحكومة الحصول على موافقة مجلس النواب على إلغاء الدعم. وإلى بعض مما عندنا.

الشرطة ودربكة

ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على حادث مقتل سائق سيارة السوزوكي المسكين محمد عادل الشهير بـ«دربكة» وهو من أبناء حي الدرب الأحمر الموجود فيه مبنى مديرية الأمن، على يد أمين شرطة أطلق عليه رصاص مسدسه الميري، ليأتي ذلك ضمن سلسلة أحداث مصادمات وتوترات تسبب فيها أمناء الشرطة مع الأطباء، في الاعتداء الذي تم من قبلهم على طبيبين في مستشفى المطرية التعليمي، وأدى إلى إغلاق الأطباء المستشفى ثم الإضراب الجزئي، والمؤتمر الذي عقد في مقر النقابة يوم الجمعة قبل الماضي، والوقوف أمام النقابة احتجاجا. وما حدث في مستشفي أخر ثم نشر حادثة تحرش أمين شرطة بسيدة في محطة المترو بالمطرية، وانقلبت الدنيا ثم اتضح أنه ادعاء ومرتبط بمتهم بالمخدرات، ثم جاءت حادثة مقتل محمد عادل، رغم أنها لا يمكن توصيفها بعمل قتل من جانب الشرطة، لأنها مشاجرة على قيمة أجرة توصيل بضاعة تخص محلا لأمين الشرطة، أراد إما دفع مبلغ ضئيل ليتهرب من المبلغ المتفق عليه، أو عدم الدفع، فأخرج مسدسه وأطلق النار وكان ما كان، لكن أهميته برزت في تجمع أعداد من الأهالي أمام مبنى مديرية الأمن والهتاف ضد الشرطة عموما، رغم أن سكان الحي في غالبيتهم منحازون إلى النظام والرئيس السيسي والشرطة، والحي مجاور لحي آخر مؤيد له والجمالية مسقط رأسه ونشأته، ما أضفى على الحادث بعدا مزعجا، لذلك رأينا الرئيس وكان هو ووزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار موجودين في شرم الشيخ لمتابعة ترتيبات واستعدادات مؤتمر الاستثمار الأفريقي الذي سيحضره عدد من قادة الدول قد سارع بإصدار أوامره لوزير الداخلية بسرعة بحث وإصدار قوانين جديدة تضمن سرعة معاقبة كل متجاوز من أفراد الشرطة وهو الأمر الذي لم يطلبه الرئيس بعد الحوادث السابقة.

الرئيس يكره

السياسة ولا يتعامل معها

وقد سارع زميلنا وصديقنا إبراهيم عيسى رئيس تحرير «المقال» للقول يوم السبت معيدا ما سبق له التحذير منه ومنتقدا الرئيس ومتهما له بأنه سلّم البلاد للأجهزة الأمنية بقوله: «الإدارة الأمنية للسياسة أوصلتنا إلى مشهد مساء الخميس الماضي، حيث آلاف من الأهالي ومواطني منطقة الدرب الأحمر يحيطون بمديرية أمن القاهرة التي افتتحت بعد تحديث المبنى، بينما المعنى القديم لا يتغير، متظاهرين غاضبين معترضين بل ومهددين أيضا. للمرة الثانية بعد أسوان نرى مشهدا ينايريا يحيط بقسم شرطة، آلاف غاضبون محتجون ينتظرون شرارة ما لانفجار في وجه عسف الشرطة، هل يذكرك هذا بشيء؟ نعم وفورا نستعيد معه النظام القديم وأداء شرطة مبارك، الذين راهنوا على أن الناس ضجت من الانفلات والفوضى المصاحبة لما بعد يناير/كانون الثاني. يجب ألا يرموا بكل رهاناتهم على هذا الرقم، وبعد ما شاهدناه من مظاهرات أسوان ثم آلاف الأطباء الجمعة قبل الماضي، مع وقفاتهم الاحتجاجية المفترضة بدءا من اليوم، وكذا مظاهرات الخميس المحيطة والمحاصرة لمديرية أمن القاهرة فإن الإفراط في التصرفات الفردية نتيجة الإفراط في الثقة، بأن الناس تعلمت هو محض غباوة، فلا الشرطة تعلمت ولا الناس تعلمت، كما هو واضح. الثابت الآن أن الرئيس السيسي سلم سياسة إدارة الموقف في البلد للأجهزة الأمنية والسؤال هل لأنه يرى السياسة من نافذة الأمن، هذه رؤية تدعو للقلق إن صحت؟ أم لأنه لا يثق إلا في إخلاص المؤسسة الأمنية من بين مؤسسات الدولة؟ لا يوجد أبد ما يبرر هذا السقوط المنتظم في هوة النظام القديم، حيث الأمن الوطني يدير الوطن، وحيث رئيس يكره السياسة ولا يتعامل معها، وحيث أزمات تنفجر في قطاعات كثيرة بدلا من أن نعالجها سياسيا نجري للتخلص منها أمنيا، فتزداد وتتصاعد وتنفجر أكثر. لا يوجد الآن أخطر على استقرار مصر من دعاة الاستقرار الأمني فقد تحولت سياسة أجهزة الأمن إلى خطر حقيقي على الأمن».

محمود الكردوسي:

أيها الرئيس إحذر غضب الذين أتوا بك

ولم يكن هجوم عيسى على الرئيس هو الوحيد في هذا اليوم، إنما وقع هجوم آخر أشد عنفا وأهميته أنه صادر من مؤيد له ومتطرف في تأييده، وهو زميلنا محمود الكردوسي رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «الوطن» (ناصري) الذي وصل به الضيق درجة طرقعة كرباجه وهو عنوان بروازه اليومي وصاح: «أمناء الشرطة (ليس كلهم طبعاً) أعادوا «داخلية» السيسي إلى ما قبل 28 يناير/كانون الثاني 2011، وزارة منكوبة لم تهنأ بشهدائها ولا بـ«تطبيع 30 يونيو/حزيران»، بينها وبين المواطن استدعاء نموذج «حاتم» في «فوضى» يوسف شاهين، بهذه السرعة، يعني أن «أشلاء الدولة» أصبحت «شظايا» الرئيس يعرف إسقاط «الداخلية» يعنى سقوط النظام: الرئيس يعرف إذا صح أن الإخوان يُحرّضون الأمناء، فهذا يعني أن هذه العصابة «شريك» في الحكم: الرئيس يعرف أن السائق الذى قتله الأمين مواطن كادح وصابر على فشل حكومة الرئيس وبرلمان الرئيس وإعلام الرئيس، فيا سيادة الرئيس: لا تعتذر ككل مرة عما يفعله سفهاؤك بـ«نور عينيك» كفاك طمأنينة واحذر غضب الذين أتوا بك».

الناس تفقد الثقة في العدل

أما زميله رئيس التحرير محمود مسلم وهو مؤيد للرئيس السيسي فكان غاضبا هو الآخر ولذلك قال: «نخطئ حين نصر على دفن رؤوسنا في الرمال، وعندما نعتقد أن العلاقة بين الشعب والشرطة ما زالت قوية، ونتعمق في الخطأ حين نبرر التصرفات الحمقاء بأنها فردية، ونهين شهداء الشرطة عندما ندفع بهم في بيانات الوزارة عند كل أزمة، ونستغفل المصريين حين نقحم الإخوان وعملاءهم. هزتنا بشدة تلك الهتافات التي رددها أهالي الدرب الأحمر بعفوية بعد مقتل ابنهم «عادل»، أمام مديرية أمن القاهرة. وأعتقد أنها المرة الأولى التي يظهر فيها هذا الهتاف منذ ثورة 30 يونيو/حزيران على ألسنة عدد كبير من الناس غير المسيسين. أهالي الدرب الأحمر وما حوله من أحياء الجمالية والسيدة زينب وعابدين كانوا وقود ثورة 30 يونيو وتأييد دستورها في 2014 ورئيسها عبد الفتاح السيسي، هم الغلابة الذين يتحدث عنهم ولهم الرئيس، هم أولاد البلد الجدعان الذين دافعوا عن مديرية أمن القاهرة أيام الإخوان، وهم أيضاً الذين ذهبوا إليها بعد تفجيرها ليهتفوا: «الشعب والشرطة أيد واحدة».. «لا إله إلا الله الإخوان أعداء الله».. هم الذين لم تستطع الجماعة الإرهابية اختراق ميدان التحرير من جهتهم، فيأتون عبر شارع الكورنيش الذي لا يسكنه الغلابة. الأخطر من كل هذا أن الناس تفقد الثقة في العدل، رغم محاكمة عدد كبير من الضباط والأمناء الفترة الماضية، لكن كل الأمور كما هي: بيانات وزارة الداخلية مضللة عدم وجود خطة للمواجهة الشاملة وحل الأزمة من جذورها».

هل كل من هبّ ودبّ

يحمل «السلاح الميري»؟

وإلى مؤيد ثالث للسيسي هو زميلنا وصديقنا في «المصري اليوم» محمد أمين وقوله يوم السبت أيضا في عموده «على فين»: «لا يخشى رئيس الوزراء من جنون الدولار بقدر ما يخشى من جنون أمناء الشرطة، الأول يمكن علاجه، الثاني سيبقى وجعاً في جسد الحكومة والنظام. ولا يخشى وزير الداخلية من الإرهاب بقدر ما يخشى من هؤلاء في جهازه الأمني. حين التقينا شريف إسماعيل كان حديثنا عن الأمن والحرية وحقوق الإنسان، وحين عُدنا كان سائق التوك توك قد فارق الحياة برصاصة ميري من «أمين شرطة»! ويعرف الوزير مجدي عبد الغفار أن استفزازات الأمناء تجاوزت كل حد، ويعرف أنه ربما تفرغ ليداوي جراح الجهاز بسبب الأمناء. هناك قطاع كبير منهم عاد بعد الثورة، وللأسف، كانوا مسجلين خطر أو خرجوا «صلاحية» في قضايا رشوة أو أي مصيبة أخرى، الآن عادوا ليُسقطوا الجهاز من جديد لكن هذه المرة بسرعة وباستخدام سلاح ميري، فهل كل من هبّ ودبّ يحمل «السلاح الميري؟».

دولة «أدلع وأطبطب» ستدفع الثمن غاليا

ولو امتدت جولتنا يوم السبت إلى «اليوم السابع» سنجد زميلنا دندراوي الهواري وهو من مهاجمي ثورة يناير/كانون الثاني، يتهم ثوارها بأنهم السبب في إعادة أمناء الشرطة المفصولين في عهد مبارك وقال: «بدون رتوش أو إجراء عمليات تجميل، أن ما يطلقون على أنفسهم ثوارا وناشطين سياسيين وحقوقيين ساهموا بشكل خطير في إعادة 12 ألف أمين شرطة للخدمة، كان قد تم استبعادهم على يد- ويا للعجب- حبيب العادلي وزير داخلية نظام مبارك، لارتكابهم جرائم خطيرة. الناشطون الثوريون والحقوقيون ساهموا في إعادة من ارتكب جرائم يندى لها الجبين، وذلك في عهد محمود وجدي وزير داخلية ما بعد الثورة، بل ألغوا المحاكمات العسكرية للأفراد، وكانت النتيجة ما نحصده الآن من ثمار المرار «الطافح» والحنظل أيضا. دولة «أدلع وأطبطب» ستدفع الثمن غاليا من عدم قدرتها على كبح جماح أمناء الشرطة الذين توحشوا».

«للصبر حدود»

أما زميله وائل السمري فكان رأيه هو: «شيئا فشيئا يفقد المواطن الثقة في الحكومة، وشيئا فشيئا يصبح بينه وبين الدولة ثأر أو كره، أو على الأقل لا مبالاة، التي أعتبرها أبشع من الثأر والكره. لا تدرك الحكومة أن تكرار حوادث الانتهاكات على يد الشرطة المصرية لا يشين الشرطة فحسب، وإنما يشين الحكومة والنظام والدولة بمؤسساتها المتعددة. نحن مواطنون ولنا حق الرعاية ولسنا مجرمين لنتعرض في كل يوم إلى تعسف أو اعتقال أو قتل أو سحل. تناشدنا الدولة: حافظوا على مصر لكنها تبخل بأن تناشد نفسها بذات الرسالة، فتنقلب الصورة ويصبح المواطن هو الذي يحافظ على المؤسسات بصبره على بطشها، لعل الدولة تعرف أن «للصبر حدود» نحن نريد أن نفتخر بالشرطة المصرية، لكنها للأسف تقدم كل ما يشينها إلى أعدائها على طبق من فضة، فتعمق الشعور بالكراهية داخل النفوس. وللأسف أيضا فإن هذه الوزارة غالبا ما تفشل في الدفاع عن نفسها أمام الرأي العام فتقع فريسة للتناقض فيعرف القاصي والداني أن في الأمر أمرا».

وزارة الداخلية

في موقف لا تحسد عليه

ثم نذهب إلى «أخبار اليوم» (حكومية) لنقرأ لزميلنا حسين عبد القادر قوله: «لا أحد يستطيع الإنكار بأن المواقف الحرجة المتتالية التي صنعتها تصرفات بعض أفراد الشرطة، خلال الفترة الماضية، جعلت وزارة الداخلية في موقف لا تحسد عليه، فالواقع يؤكد أنها في أزمة حقيقية. الوزارة على اختلاف وزرائها ومنذ ثورة ٢٥ يناير/كانون الثاني تحاول من خلال مواقف وإعلانات وبرامج عمل، تؤكد أنها فتحت صفحة جديدة في علاقاتها مع المواطن، بعد أن استوعب جهاز الشرطة الدرس، ليتخلى رجال الشرطة عن الممارسات التي أشعلت غضب الشعب ومن ثم ثورته، برامج الوزارة للتغيير واستبدال الصورة المشوهة القديمة جادة بالفعل، وهو ما نلمسه نحن كل المتعاملين مع قيادات الوزارة، ولكن من وجهة نظري الشخصية اعتقد أن الأزمة الحقيقية تكمن في الفكر الفاسد المزروع في عقيدة البعض من هؤلاء، الذي ترسخ عبر عقود طويلة باعتبارهم أسيادا، وأن على أفراد الشعب الرضوخ لهم. الحل الآن أن تضع وزارة الداخلية خطة إستراتيجية بعيدة المدى لاستبدال قوة أفراد الشرطة بآخرين تتجنب في الأفراد الجدد ما يحدث الآن، بحيث يتم تخريج دفعات مكثفة مما يعرف بمعاوني الشرطة، وبحيث لا تتم عملية إحلال أي مجموعة في مكان إلا بعد تفريغه من القدامى الموجودين فيه، لكيلا تختلط الأفكار والمفاهيم. هناك حلول أخرى وهي العودة إلى الحال الذي كانت فيه السيطرة للوزارة على عالم الأفراد وكانت هي اليد القوية، فلابد من سلب ما حصلوا عليه بلي الذراع في وقت ضعف الدولة، لابد من إعادة المحاكمات العسكرية للمخطئين والمنحرفين، فالفرد طالما أمسك السلاح وأصبح واجبه تطبيق القانون وتحديد مصائر بشر، لا يعد مدنيا. هذه المحاكمات هي التي يخاف ويعترض عليها المنحرف والمخطئ، أما الإنسان السوي والملتزم فلن يهمه من الأمر شيء، لابد من قبضة حديدية تعيد الأمور لنصابها، وكفى تلك المشاهد الهزلية التي يصنعها عدم الاكتراث باللوائح والضوابط من بعض الأفراد، ليس في المواطن فقط ولكن في حق رؤسائهم من ضباط الشرطة».

لا مبرر للعصف

بالقانون وحقوق الإنسان

تتزايد حوادث اعتداء أفراد في الشرطة على المواطنين، وهم مواطنون ليسوا مسيسين ولا متظاهرين ولا مصنفين ضمن الخصوم السياسيين ولا متهمين بالتحريض على العنف أو ممارسته، رغم أن جميع هذه الأصناف لها حقوق دستورية وقانونية وإنسانية حتى مرحلة الإدانة وما بعدها، فلماذا كرامة المواطن وحياته قد تكون رخيصة؟ هذا التساؤل هو ما بدأ به طه خليفة مقاله في «المصريون» مواصلا: «لماذا سلوك الشدة في غير مكانها للمواطن رغم أنه بلديات أو جار أو قريب رجل الشرطة؟، مسألة محيرة فعلا. الحوادث تتكرر، والاعتداءات لا تتوقف، ما يعني أن الأمر يتجاوز الحوادث الفردية ليكون أقرب إلى الفهم الخاطئ لنمط التعامل وطبيعة التصرف مع المواطن، القانون الحاسم الصارم هنا هو الحل ليكون حكما عدلا بين الطرفين… كيف نحب الشرطة؟ وكيف تحبنا الشرطة؟ ولماذا لا نقدم ورودا لها، وتقدم هي لنا أمنا وصيانة للكرامة؟ ولماذا يتم خلق حالة غير مبررة من العداء بين مواطنين وبين مرفق أمني مهم ودوره أساسي في جعل المواطن يسير في الشارع آمنا وينام في بيته مطمئنا؟ المسألة بسيطة بأن يتم التعامل مع المواطن باعتبار أن له حقوقا كفلها الدستور والقانون، وأولها الاحترام، وأنه إنسان كرمه الله، وأن إهانته أو نزع روحه منه بغير حق هو انتزاع لحق من حقوق الله سبحانه وتعالى، فليكن ذلك بين اثنين من المواطنين أحدهما شرطي والآخر مواطن، هذا ليس صعبا، بل يسير جدا وذلك بإزالة أي بوادر فكرة عن العداوة، وجعل التعاون والمحبة هو أساس وعنوان العلاقة. نقدر جهود الشرطة في السهر على راحة المواطنين وأمنهم، وفي مجابهة الإرهاب، وتقديم التضحيات، لكن ذلك ليس مبررا للعصف بالقانون وحقوق الإنسان، كل مواطن يضحي في مجال عمله، ويخدم وطنه في وظيفته حتى لو كان عامل نظافة. نصيحة لوجه الله والوطن، إقامة العدل، ورفع المظالم، والالتزام بدولة القانون، وضرب الفساد، ومراكز القوى، ونشر المحبة، وإزالة الكراهية، هي ما يحقق الاستقرار، وينشر السلام، ويحفظ الأمن، ويعالج المشاكل، ويحل الأزمات، ويجلب الخيرات، ويقيم السلطان».

«أمناء الشرطة قايمين بالواجب»

وقد أخبرنا أمس الأحــــد زميلــــنا الرســـام في جريدة «روز اليوسف» اليومية الحكومية، أحمد دياب أنه كان في زيارة قريب له إرهابي فسمعه يقول في الهاتف مع إرهابي آخر: «- أحنا مش محتاجين نسخن الناس ولا نولع في البلد اليومين دول أمناء الشرطة قايمين بالواجب وزيادة».

التآمر على فكرة

القومية والوحدة العربية

وإلى المعارك والردود المتنوعة التي لا رابط بينها ولا ضابط لها، حيث رأينا زميلنا طارق عبد الفتاح في «الوفد» يوم الخميس يبدي غضبه من برنامج «وش السعد»، الذي قدم الفنان محمد سعد حلقته الأولى على قناة «أم. بي. سي مصر» مع الفنانة هيفاء وهبي واستخدم عبارات جنسية خادشة للحياء وتحرش بهيفاء وتذكر طارق أنها قناة سعودية فقال والشرر يتطاير من عينيه والشك يملأ قلبه: «الأمر المثير للاندهاش أن السعودية ليس لديها مسرح والمرأة ممنوعة من التمثيل، بل ممنوعة من قيادة السيارات، فكيف تتبنى وتنتج هذه المسوخ في فضائية مملوكة لها؟ وكيف نقبل تشويه ثوراتنا وتدمير تاريخنا؟ فهذه القنوات هي التي قدمت الخديوي إسماعيل باعتباره زيرا للنساء، وهي التي أنتجت عملا دراميا آخر شوه ثورة يوليو/تموز، وكأن هناك مؤامرة متواصلة لتزييف التاريخ والسخرية من زعامة مصر للوطن العربي، وضرب فكرة القومية من أساسها. صحيح أن الوطن العربي تمزق، ولكنَّ سببا جوهريا في تمزقه هو التآمر على فكرة القومية والوحدة العربية، ومحاولة إحلال قوى دينية متطرفة بديلا لها، فكانت النتيجة ما جرى للعراق وسوريا وليبيا وما يحاك لمصر من مؤامرة سحب بساط الريادة والزعامة الثقافية بضرب الثقافة والفن، وتحويل مؤشر الاتجاه لوكيل الترفيه في لبنان مدعوما بالمال النفطي».

لا جدية في محاربة الفساد

أما الدكتور محمود خليل أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة ومستشار جريدة «الوطن» فقد ترك «وش السعد» والخديوي إسماعيل والقومية العربية وأمسك بالحكومة المصرية في يوم الخميس أيضا بسبب خططها لإلغاء الدعم وقال: «لم نلحظ جدية حقيقية في محاربة الفساد، ولعلك تذكر تقرير جنينة والطريقة التي عومل بها، وبالطبع لا أمل في جلب جنيه من المليارات التي تم تهريبها إلى الخارج. وفي ظل اعتماد الحكومة على المواطن في حل مشكلاتها الاقتصادية، بدأ بعض من تراخت السلطة في مواجهتهم في رفع شعار «لو خرب بيت أبوك الحق فيه قالب»! الضغط المستمر على المواطن ينذر بعواقب سيئة، فالناس لن تحتمل، وكل شيء وله آخر. كان من الوارد أن يتحمل الناس لو كان ثمة أمل في حل، بل لقد فعلها المصريون حين رضوا بخفض الدعم عن البنزين والسولار، وقبلوا بارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والغاز، وقبلوا بأكثر من ذلك، وكان أساس القبول والرضا «الأمل في الحل». كل ما أخشاه أن يكون الأمل في وجود حل قد تراجع، وحل محله نوع من اليأس. على السلطة أن تتريث قليلاً وهي تحسب حسبة «العجز» في الموازنة في إطار معادلة تعجيز المواطن!».

البروباغندا والضجيج الإعلامي

وطبعا لم يكن لائقا أن يترك زميلنا في «الشروق» أشرف البربري الحكومة تفلت من بين يديه وهو الذي لا يطيق النظام كله فقال في يوم الخميس نفسه: «راحت السكرة وجاءت الفكرة»، وأصبح على الشعب أن يدفع ثمن مشروعات عملاقة تمت بدون دراسات جدوى كافية، وتم تنفيذها بالأمر المباشر، الذي يحرم الدولة من الحصول على أفضل الأسعار من مقاولي التنفيذ، وبهدف واحد فقط تقريبا وهو البروباغندا والضجيج الإعلامي، رغم وجود بعض الأصوات التي حذرت من أن البلدان لا تبني نهضتها بالبروباغندا والضجيج الإعلامي، وكانت النتيجة إهدار مليارات الدولارات في مشروعات أقل ما يمكن أن توصف به من الناحية الاقتصادية أنها «في غير وقتها»، وهو ما أدى إلى خروج الدولار عن السيطرة رغم المليارات التي تدفقت على الخزانة المصرية في صورة منح وودائع وقروض منذ 30 يونيو/حزيران 2013».

قرارات اقتصادية صعبة

ومع ذلك طمأن زميلنا في «الجمهورية» السيد البابلي (حكومية) المتخوفين من خطط وألاعيب الحكومة لإلغاء الدعم بقوله يوم السبت: «لن يكون سهلا أن تحصل الحكومة على موافقة البرلمان على هذه الإجراءات، حتى إن أقدمت على التضحية ببعض الوزراء الحاليين، في تغيير يسبق تقديم البرلمان، من أجل تلبية رغبة أعضاء البرلمان في هذا الشأن. والحكومة في أزمة لأنه لا يوجد بديل آخر عن القرارات الاقتصادية الصعبة التي يمكن أن تساهم في منع تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة حاليا، ولن يكون أمام البرلمان إلا مساعدة خطط الحكومة في هذا الشأن من دون المزايدة عليها لمغازلة الرأي العام، ولكن مساندة الحكومة في هذه الظروف الصعبة لا تعني القناعة بأدائها أو بوجود بصمات واضحة لها في الأداء والإبداع، فالواقع أنها حكومة تقليدية تفتقد المجتمع وهذا هو ما تحتاجه الحكومة بشدة من أجل إقناع الناس بالخطوات الصعبة المقبلة».

الحكومة «بتشرب» النواب شاي بالياسمين

لكن ما لم يعلمه البابلي عن كيفية حصول الحكومة على موافقة مجلس النواب علم به زميلنا خفيف الظل محمد عمر في «أخبار اليوم» وأخبر به وهو: «سألت صديقي «أبو زلومة» باعتباره من «حوارتجية» مجلس الوزراء، والنبي قول لي أزاي الحكومة حتعدي برنامجها اللي «حيوجع الناس» من تحت مناخير البرلمان؟ فقال لي ما تشغلش مخ هي «شغالة» اليومين دول على ده. أزاي يعني يا أخي أرحمني؟ أنت كل حاجة عاوز تعرفها «حتى حكومتي» شوف يا سيدي لو أخذت بالك من أسبوع وأكتر ورئيس الوزراء مغير برنامج «الاختفاء القسري» بتاعه ونازل لقاءات واجتماعات مع مجموعات مختلفة من أعضاء مجلس النواب، أشي من قبلي على بحري، على اللي الهوا رماه، ولما أتسأل عن السبب أتقال إن الحكومة «بتسمع» أفكار النواب العبقرية للاستفادة بيها، وبالمرة بنتعرف منهم على مشاكل المحافظات، وطبعا مش دي الحقيقة، الحقيقة أن الحكومة كانت «بتشرب» النواب دول شاي بالياسمين، لاجل ما تاخذ منهم أعز ما يملكون، ثقتهم فيها وفي برنامجها. ولو مش مصدقني دقق في كل الصور اللي انتشرت عن اللقاءات دي، سواء في الصحف أو ظهرت في نشرات الأخبار، حتلاقي في كل الصور واحد لابس «نظارة» بين النواب شغلته الحقيقية أنه يشربهم الشاي بالياسمين، وقبل أي لقاء بيتم مع رئيس الوزراء أو بعده، بتلاقيه ساحب نائبين تلاتة على جنب ويسألهم عن طلباتهم اللي عاوزين يخلصوها، ومش قادرين، سواء للدائرة أو لشارعهم أو لبنت خالتهم، ويرجعها للباشا النائب من دول مع «تحياته» وتمنيات الحكومة «بنيابة» سعيدة».

وعبارة «تشرب شاي بالياسمين» قالها صديقنا نجم النجوم عادل إمام في فيلمه «مرجان أحمد مرجان» عندما كان يريد شراء أي شخص بالمال ولعب في الفيلم دور رجل الأعمال.

وما أن سمع زميلنا جمال سلطان رئيس إدارة وتحرير جريدة «المصريون» المستقلة بحكاية الشاي بالياسمين ورجال الأعمال، حتى تذكر أزمة الدولار، فقال أمس إنها أكبر تهديد لنظام السيسي أكثر من خطر الإخوان عليه وأضاف: «على الرغم من التحدي الذي يمثله حراك الإخوان في الشارع وخارج الوطن، وكذلك القوة الكامنة في مئات الآلاف من الناشطين الذين يغمرون شبكات الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، ويتواصلون بقوة مع المؤسسات النافذة دوليا والضاغطة في مجال الحقوق والحريات العامة، وعلى رغم تحدي الإرهاب والعنف المسلح، إلا أنه يبقى «الدولار» هو قائد أخطر معارضة حقيقية ووجودية لنظام السيسي في المستقبل القريب. وإذا قدر للسيسي أن لا يكمل مشواره السياسي فإن السبب الأول والأهم في ذلك ـ وإن تعددت الأسباب، هو الدولار، رمز الوضع الاقتصادي المتردي والمنهار في مصر الآن، الذي ينطلق بسرعة الصاروخ نحو الهاوية. مشكلة الدولار بعيدا عن مصطلحات أهل الاقتصاد وخبراء المال وأسواقه تتلخص ـ ببساطة ـ في أن جزءا كبيرا من السوق المصري يعتمد على الاستيراد من الخارج، سواء كان استيرادا كاملا مثل السيارات وبعض الأجهزة الكهربائية، أو استيرادا جزئيا مثل مكونات المصانع التي تحتاجها للتشغيل من أجل الإنتاج المحلي، وهناك استيراد قهري آخر للأدوية والأدوات الطبية التي لا مثيل لها في مصر، إضافة إلى استيراد الغذاء، بداية من القمح ورغيف الخبز، مرورا بآلاف الأصناف من الأغذية ومستلزماتها تعتمد على الاستيراد من الخارج، ثم هناك قطاع يتعلق بسداد حقوق شركات دولية في قطاعات البترول وخلافه، وهي تسدد بالدولار طبعا، ثم هناك التزامات سداد قروض وفوائدها في مواعيد محددة، وهذا الاستيراد والالتزامات يتم دفع حسابها بالدولار وليس بالجنيه المصري طبعا. وهذا الاستيراد الذي يمثل اتجاه نزوح العملة الصعبة من الداخل إلى الخارج، يفترض أنه يقابله دخول العملة عبر أكثر من نشاط مثل قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وبعض التصدير المحدود، والمشكلة هنا أن نشاطات دخول الدولار للبلد تقلصت وبعضها ضرب ضربات عنيفة وقاتلة مثل قطاع السياحة».