&عاطف الغمري

تنشغل الدوائر السياسية والبحثية في الغرب، بمناقشات حول الشكل الأفضل للعلاقة مع روسيا، ما بين وضعية التنافس بينهما دولياً، وبين ما تفرضه تطورات عالمية عن ضرورات التعاون.

وفي سياق هذه المناقشات تركيز على موجة الصحوة القومية في روسيا، على يد بوتين، وتحديد المدى الذي ستصل إليه، وكيفية التعامل معها، حتى لو قدم الغرب تنازلات، لكي لا يخسر شريكاً روسياً، يحتاجه في حل مشكلات دولية متفاقمة، يمكن أن ترتد على الغرب بالخسارة، لو أنه جمع بين مواقف عدائية تجاه روسيا، وبين تبعات مواجهته منفرداً لهذه المشكلات.

وكما ظهر من الاتجاه العام للمناقشات في الغرب، أن الدول الغربية قد أساءت، تقدير قدرتها على فرض الطاعة على بوتين، عن طريق العقوبات الاقتصادية، وتطويقه بستار من العزلة الدبلوماسية. فالعقوبات لم ترغمه على العدول عن موقفه من أوكرانيا. كما أن هناك محللين في الغرب يرون أن سياسة روسيا تجاه أوكرانيا، لا تمثل إحياء لاستعمار روسي، لكنها تعبر عن تصدي روسيا لسياسات فرض العزلة عليها، أو حصارها بطوق من دول صغيرة مجاورة لها. كما أن العقوبات كانت مدفوعة بأمل خادع، بأنها سوف تنتهي في يوم ما، إلى أن يعدل بوتين موقفه، ويعيد القرم إلى أوكرانيا.

وطرحت في إطار هذه المناقشات أفكار ترى أن الغرب يحتاج إلى استراتيجية طويلة المدى، تسمح له بالتعاون مع روسيا، حتى وإن ظل الغرب متمسكاً بمواقفه التقليدية بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي تقدير البعض منهم، أن الأزمة بدأت بسبب صراع على ما إذا كانت أوكرانيا سوف تنضم إلى ما سمي المشاركة من دول في أوروبا الشرقية، وهو برنامج أوروبي يهدف إلى دمج دول شرق أوروبا، في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وكذلك منظمة الاتحاد الاقتصادي الأورو - آسيوي، وهو كيان ينافس الكتلة التجارية، التي أنشأتها موسكو مع بيلاروسيا، وكازاخستان، في يناير/كانون الثاني 2015. ومعنى ذلك جذب أوكرانيا إلى دائرة ليست على وفاق مع روسيا ومصالحها.

ويعتقد معظم الأوروبيين، أن الاتحاد الاقتصادي الأورو - آسيوي، هو مشروع اقتصادي معيب، لن ينجح في تحقيق الرخاء لدول انضمت إليه. وهو ما يجعل صورة هذه المنظمات في حالة من التشوش وعدم الوضوح حتى الآن.

يضاف إلى التناقضات في التفكير في السياسة الأسلم للتعامل مع روسيا، من بعد أزمة أوكرانيا، استمرار مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، في تأييد تسليح أوكرانيا عسكرياً، وهو ما تعارضه غالبية دول أوروبا، بل إن أكثرية سكان بولندا مثلاً يرون أن أزمة أوكرانيا، تحمل خطراً صريحاً الآن على أمنهم، وإنهم لا يؤيدون تسليح أوكرانيا، وهو ما أظهره استطلاع لمعهد وارسو للشؤون العامة في فبراير/ شباط من العام الماضي. ويعلق الرأي العام الأوروبي، والنخبة السياسية، الأمل على العقوبات الاقتصادية، بعيداً عن تسليح أوكرانيا.

إن أوروبا تجد نفسها الآن في موقف حرج، ففي السنوات التي سبقت أزمة أوكرانيا، كانت الحكومات الغربية قد أساءت قراءة روسيا. فهي تصورت عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، أن روسيا سيتم دمجها في نظام عالمي، يقوده الغرب، وبالتحديد أمريكا، بالإضافة إلى اعتقاد بوتين، بأن الحكومات الغربية هي التي حرضت على قيام المظاهرات في دول جوارها، فيما سمي بالثورة البرتقالية عام 2014، لإسقاط الأنظمة القائمة، ووصول حكومات موالية للغرب إلى الحكم. في نفس الوقت الذي كان فيه بوتين خلال عشر سنوات مضت، يسعى لإقامة قوة روسية، تستمر لمدى طويل، وكان يأمل أيضاً في توقف الغرب عن تحريضه لعناصر داخلية ضد أنظمتها، خاصة في روسيا.

هذه الصورة تكشف عن تعقيد رؤية الغرب لطبيعة العلاقة مع موسكو، وإن كانت النخبة في الغرب، تميل إلى صيغة، لا ترفض المواقف الأساسية للغرب من بعض مسارات السياسة الخارجية الروسية، إلا أنها تدعو لإقامة تعاون وثيق مع روسيا، من أجل مواجهة مشكلات دولية، لا تهدد جانباً منهما وحده، بل تشكل تهديداً لهما معاً.&