&&أحمد المختار

اظهرت نتائج الانتخابات التمهيدية التي شهدتها ولاية ميشيغن الاميركية قبل ايام قليلة ان الناخبين من اصول عربية الذين يشكلون 40 في المئة من سكان مدينة ديربورن اقترعوا لمصلحة السيناتور بيرني ساندرز المرشح المنافس لهيلاري كلينتون على نيل تمثيل الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية المنتظرة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

واعتبرت وسائل الإعلام الاميركية ان فوز ساندرز على كلينتون في ميشيغن بمثابة تحول في الرأي العام الاميركي ومفاجأة لم تتوقعها استطلاعات الرأي التي كانت تجزم قبل الانتخابات بأن وزيرة الخارجية الاميركية السابقة ستحظى بتأييد كبير في الولاية خصوصاً من الناخبين من اصول افريقية ومن الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في ضواحي مدينة ديترويت احدى اكبر مدن الولاية.

ففي ديربورن حصل ساندرز، وهو ابن عائلة بولندية يهودية هاجرت الى الولايات المتحدة مع صعود النازية في اوروبا في عشرينات القرن الماضي، على تأييد 59 في المئة من اصوات الناخبين ذوي الاصول العربية مقابل 39 في المئة لكلينتون. ومن هؤلاء العرب مسلمون ومسيحيون من لبنان واليمن والعراق وفلسطين وسورية.

طبعاً لم يكن اقتراع ناخبي ديربورن العامل الوحيد في انقلاب النتيجة ضد كلينتون في ميشيغن. فالمرشحة الديموقراطية الأوفر حظاً اصيبت ايضاً بنكسة انتخابية غير متوقعة من الناخبين السود في مدينة ديترويت وضواحيها. ولهذا أيضاً دلالات وتداعيات في الجولات المقبلة من الانتخابات خصوصاً ان تقدم كلينتون على ساندرز وفوزها الكبير بولايات الجنوب الاميركي يعود الفضل فيه الى اصوات الأقلية الأفريقية التي تشكل ثقلاً انتخابياً وازناً في تلك الولايات.

ولا يخفى ان الخطاب «الاشتراكي» لساندرز ودعوته الى ثورة سياسية في الولايات المتحدة ضد وول ستريت والنظام المالي الفاسد واللوبيات التي تموّل السياسيين ومطالبته بتعليم جامعي مجاني وتأمين صحي لجميع الأميركيين تلقى آذاناً صاغية في أوساط الشباب والعمال في كل الولايات الاميركية. فما بالك في ولاية ميشيغن الفقيرة التي اعلنت إفلاسها قبل سنوات بعد الازمة الاقتصادية عام 2008 والتي كان من ابرز نتائجها انهيار قطاع صناعة السيارات الاميركية التي كانت ديترويت معقلاً لها وخسارة مئات آلاف الاميركيين وظائفهم. ما يجعلها بيئة مثالية لخطاب ساندرز الانتخابي.

وتوقفت وسائل الإعلام الأميركية، التي اعتادت تقديم صورة نمطية عن المسلمين والعرب، عند ما اعتبرته مفارقة في تصويت العرب الأميركيين لمصلحة مرشح يهودي. على اعتبار ان ذلك لا ينسجم مع الاعتقاد السائد بعداء المسلمين لليهود والصورة الرائجة عن المسلمين في الخطاب السياسي الأميركي، وفي احيان كثيرة الانتخابي، التي تربطهم بالتشدد والإرهاب و»داعش» وحكم الشريعة. بهذا المعنى فإن تصويت العرب والمسلمين لمصلحة المرشح اليهودي يكسر تلك الصورة النمطية ويقدم صورة أخرى تثبت هوية المسلمين الأميركية واندماجهم العميق بالمجتمع وبناء خياراتهم السياسية خارج الانتماء الديني وعلى أسس وطنية واقتصادية وربما طبقية.

أضف الى ذلك ان اليساري الأميركي المخضرم تجنّب خلال إطلاق حملته الانتخابية الإشارة الى انتمائه الديني. والأرجح ان غالبية الأميركيين لم ينتبهوا الى يهوديته الا بعد اثارة ذلك في بعض وسائل الإعلام في إطار حملات الدعاية الانتخابية. وفي الأسابيع الماضية ومع احتدام السجالات الإعلامية بدأت توجه أسئلة لساندرز حول يهوديته ومعتقداته الدينية فكانت إجابات مختصرة وتقتصرعلى إبراز التمييز ضد اليهود في أوروبا الذي دفع عائلته الى الهجرة الى اميركا.

الخيار الذكي لحملة ساندرز الانتخابية اعتماد اللغة العربية في الرسائل الدعائية الموجهة للناخبين الأميركيين من اصول عربية وإبراز مواقفه المنددة بالعنصرية والإسلاموفوبيا وخصوصاً موقفه التاريخي في الكونغرس الاميركي ضد الحرب الاميركية على العراق عام 2003 كان لها أثر كبير في تقديم صورة مقبولة في أوساط عرب ديترويت.

المفارقة ان ساندرز الذي سجل سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الاميركية كونه اول اميركي يهودي يفوز بالانتخابات التمهيدية وقد يكون اول رئيس اميركي من اصول يهودية لا تربطه علاقات جيدة بالمنظمات اليهودية الاميركية. وربما العكس هو الاصح اذ ان حملة ساندرز ضد وول ستريت واللوبيات المالية تطاول ايضاً المنظمة اليهودية الاميركية «ايباك» المعروفة بنفوذها القوي وتمويلها الحملات الانتخابية لأعضاء مجلسي النواب والشيوخ المؤيدين لإسرائيل والمدافعين عن مصالحها في الولايات المتحدة.

كما لساندرز مواقف ثابتة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وضد سياسة الاستيطان اذ انه من اول المنادين بوقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل والضغط الأميركي عليها من اجل وقف الاستيطان وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولة مستقلة.

وخلال ثمانينات القرن الماضي كان للسيناتور بيرني ساندرز مواقف علنية شاجبة للعنف الإسرائيلي ضد الانتفاضة الفلسطينية وقد توج هذه المواقف عام 1988 بإعلان تأييده ترشيح القس الأميركي الأسود جسي جاكسون للانتخابات الرئاسية وهذا الأخير معروف ايضاً بمواقفه المؤيدة للفلسطينيين والمناهضة لإسرائيل.