&خيرالله خيرالله &
يكشف الرئيس باراك اوباما في حديث ادلى به قبل ايام مدى العداء للمملكة العربية السعودية والانحياز لايران، غير مدرك ان ليس في الامكان المقارنة بين دولة تتبع سياسة محافظة، يمكن ان تكون هناك تحفظات عنها، واخرى تعتبر ان في استطاعتها ان تكون القوّة الاقليمية المهيمنة في الشرق الاوسط والخليج.
&ينمّ الحديث الذي ادلى به الرئيس الاميركي الى «ذي اتلنتيك» عن رغبة في الابتعاد عن الشرق الاوسط وفي استمرار الازمات الى ما لا نهاية في منطقة تحتاج اوّل ما تحتاج الى كبح المشروع التوسّعي الايراني القائم على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية. الاخطر من ذلك كله، وبعيدا عن السعودية التي يحمّلها مسؤولية تغيير طبيعة المجتمعات الاسلامية، كما حصل في اندونيسيا مثلا، يتجاهل اوباما تجاهلا كاملا الدور الايراني في لبنان والعراق واليمن والبحرين وسورية. في المقابل، يصرّ الرئيس الاميركي على انّه اتخذ القرار الصائب عندما امتنع عن اي خطوات عسكرية ردّا على لجوء النظام السوري، في حربه على شعبه، الى السلاح الكيميائي صيف العام 2013.
&بكلام اوضح، يصرّ الرئيس الاميركي على اعتبار الخطأ الذي ارتكبه فضيلة، غير مدرك ان الفضيلة تكون في العودة عن الخطأ وليس في الاصرار عليه والسعي الى تبريره.&
سبق لجوء بشّار الاسد الى السلاح الكيميائي تهديد اوباما النظام السوري بوجود «خطّ احمر» ليس مسموحا بتجاوزه. بعد استخدام النظام هذا السلاح في الحرب التي يشنّها على السوريين، تبيّن ان الرئيس الاميركي يرى كلّ الالوان باستثناء اللون الاحمر.
&تذرّع اوباما في حديثه الى «ذي اتلانتيك» بالفشل في ليبيا كي يصل الى خلاصة فحواها انّه لا يريد ان تتحوّل سورية الى ليبيا اخرى. القى المسؤولية في ليبيا على الاوروبيين، خصوصا على رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «الشارد» وعلى الرئيس الفرنسي، وقتذاك، نيكولا ساركوزي الذي كان «يحبّ الظهور».
&كيف كان ممكنا ترك موضوع خطير مثل موضوع ليبيا للاوروبيين، في حين كانت الادارت الأميركية تصرّ في الماضي على انّ ليبيا قضيّة اميركية، ليس مسموحا للعرب حتّى التدخل فيها. هل تخلت اميركا عن اي دور قيادي يشمل الاوروبيين انفسهم؟ ليس طبيعيا بأي شكل ان يحمّل اوباما رئيس الوزراء البريطاني مسؤولية تراجعه عن ضرب النظام السوري بذريعة ان كاميرون فشل في جعل مجلس العموم يوافق على مثل هذه الضربة. من يقود من منذ حرب السويس في العام 1956 التي اكدت فيها الولايات المتحدة انّها لا يمكن السماح لاوروبا بخوض حروب من دون اذن منها؟ اميركا تقود اوروبا... ام اوروبا تقود اميركا.
يكشف كلام اوباما الى الصحافي جيفري غولدبرغ غياب السياسة الأميركية الواضحة حيال اوروبا. يأخذ على الاوروبيين تدخلهم في ليبيا، كما يأخذ عليهم عدم الاستثمار ما فيه الكفاية في بناء قوّة عسكرية! سبق في تسعينات القرن الماضي ان حاولت مصر، في عهد حسني مبارك، مساعدة النظام الليبي على تجاوز العقوبات الدولية وذلك عن طريق اعلان نوع من الوحدة بين البلدين. بدأ البحث عن صيغة تفضي الى قيام كيان سياسي جديد لا تطبق عليه تلك العقوبات التي فرضت على ليبيا بسبب «قضية لوكربي»، طائرة «بان اميركان» التي فجرت في الجوّ فوف بلدة لوكربي الاسكتلندية. عندما استفسر معارضون ليبيون لدى مسؤولين في واشنطن عن موضوع الكيان الجديد وما اذا كان سيؤدي قيامه الى رفع العقوبات، وان بطريقة غير مباشرة، عن نظام معمّر القذّافي، جاء الجواب ان ليبيا قضيّة اميركية. فليبيا، بالنسبة الى الولايات المتّحدة، «دولة نفطية ليس مسموحا لمصر وغير مصر التدخّل فيها». ماذا يعني كلام اوباما على ارض الواقع؟ يعني ان ادارته تتهرّب من مسؤولياتها، ان في ليبيا وان في سورية. تخلّت هذه الادارة عن سابق تصوّر وتصميم عن الدور القيادي للولايات المتحدة. صحيح ان النفط لم يعد مهمّا كما في الماضي، لكنّ الصحيح ايضا انّ العالم لا يزال في حاجة الى دور اميركي، خصوصا اذا كان مطلوبا التصدّي بفاعلية للارهاب بكلّ انواعه. يتمدّد الارهاب فيما اوباما يلعب دور المتفرّج وكأنّ واجبه الوحيد في الشرق الاوسط التوصّل الى اتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني، وكأنّ كتب التاريخ ستذكره على هذا الانجاز الذي لا يعني على ارض الواقع شيئا. تخلّى اوباما عن دور الولايات المتحدة في ليبيا. ترك الاوروبيين يتصرّفون وكأنّه لا يعرف حدود الدور الاوروبي، خصوصا عندما تتعمّد المانيا البقاء في مقاعد المراقبين.
&استاءت روسيا من الدور الاوروبي في ليبيا. اعتبرت ان الاوروبيين غدروا بها عندما استخدموا قرارا، غامضا نسبيا، صادرا عن مجلس الامن كي يتدخلوا عسكريا والانتهاء من نظام القذّافي الذي كان اقرب الى كابوس من اي شيء آخر.
&بدل ان تسارع الولايات المتحدة الى منع ليبيا من التحوّل الى قاعدة للارهاب، فضّلت الاستمتاع برؤية الاوروبيين يحاولون تفادي الوحول الليبية. اكثر من ذلك، لم تقدم على اي خطوة من اي نوع يُفهم منها انّها تعي خطورة استمرار حال الفوضى في ليبيا وتأثير ذلك على كلّ دول المنطقة، من مصر الى تونس الى الجزائر.
&اراد اوباما تعويض الروس، عمّا خسروه في ليبيا، في سورية. لم يخف من خلال الحديث المنشور في «ذي اتلنتيك» اعجابه الشديد بفلاديمير بوتين «الشديد التهذيب» و«الصريح» و«الدقيق» في كلامه. هل هذه مهمّة الادارة الأميركية التي غضّت في البداية الطرف عن الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم والدخول في مواجهة مع اوكرانيا؟&
استخدم الرئيس الاميركي العرض الروسي القاضي بالتخلّص من المخزون الكيميائي السوري من اجل تفادي توجيه ضربة الى النظام السوري. ترك النظام يستعيض عن السلاح الكيميائي بالبراميل المتفجّرة. ولمّا لم توقف البراميل و«داعش» والميليشيات المذهبية الموالية لايران من نوع «حزب الله» الثورة السورية، تدخّلت روسيا مباشرة انطلاقا من قاعدة حميميم قرب اللاذقية.&
بالنسبة الى اوباما، المهمّ استمرار الحرب على الشعب السوري من جهة ومتابعة عملية تفتيت البلد من جهة اخرى. كلّ من يرفض وضع حدّ لعملية التدمير الممنهجة لسورية بواسطة النظام وحلفائه، انما يريد الانتهاء من الكيان السوري القائم لا اكثر ولا اقلّ.&
عن قصد او غير قصد، استثمر اوباما في لعبة الخلاص من سورية. هل بات تخلي القوة العظمى الوحيدة عن لعب دور قيادي في العالم سياسة اميركية دائمة بعد الآن، ام انّها سياسة خاصة بباراك اوباما؟ مهما حاول اوباما تغطية فشله في الشرق الوسط وفي شأن كلّ ما له علاقة من قريب او بعيد بسياسة خارجية اميركية تقوم على تفادي التورّط في اي نوع من الحروب، يبقى انّ ايران وفلاديمير بوتين سيحاولان استغلال جهل الرئيس الاميركي الى اليوم الاخير من عهده.
&
التعليقات