&محمد نورالدين

شكل إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا ومعه فصائل كردية ومجموعات أخرى عربية تركمانية وسريانية عن إقامة إقليم فيدرالي فيما أسموه «روج آفا وشمال سوريا» محطة بارزة في الأزمة السورية بل في تاريخ الأكراد في سوريا وفي الشرق الأوسط ككل.

لم يكن أحد يتوقع أن تعرف المسألة الكردية في سوريا هذا التصاعد العسكري والسياسي وصولاً إلى إعلان الفيدرالية. إذ إنه لم تكن هناك قضية كردية في سوريا مثل تلك الموجودة بحدة في تركيا والعراق، كما أن عدد أكراد سوريا لم يكن كبيراً، بالكاد كان عددهم في السابق المليون وربما أقل ويتوزعون على مناطق جغرافية متباعدة في شمال سوريا وفي مناطق أخرى من سوريا.

وجل ما كان يشكو منه أكراد سوريا هو حرمان الكثير منهم من الجنسية السورية بذريعة أن هؤلاء المحرومين منها جاءوا إلى سوريا لاحقاً من تركيا بطريقة غير شرعية وبالتالي هم يفترض أن ينتموا إلى جنسية البلد الذي جاءوا منه. ولا شك أن أكراد سوريا لم يكونوا يتمتعون بحرية التعبير الرسمي عن هويتهم مثل التعلم بلغتهم إضافة إلى اللغة العربية.

وفرت الحرب في سوريا نشوء أكراد سوريا كقوة مؤثرة ووازنة. وقد ساعد على ذلك أكثر من عامل:

1- إن قوات الحماية الكردية التي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم فصيلها الرئيسي، هي النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني الذي يقدم الدعم والتدريب والعناصر أحيانا إلى قوات الحماية. وحزب العمال الكردستاني حزب له تاريخ راسخ من القوة والشكيمة وساعد ذلك على تحقيق القوات الكردية انتصارات عسكرية على تنظيم «داعش» خصوصاً.

2 - الدعم الأمريكي الواضح وأحياناً الحاسم لقوات الحماية الكردية. وقد بان ذلك خصوصا في معركة عين العرب/كوباني عندما لعب الطيران الأمريكي كما الضغوط الأمريكية على أطراف إقليمية للسماح بمرور مقاتلين من البشمركة للمرور إلى كوباني ودعم المقاومين هناك.

3- الدعم الروسي لقوات الحماية الكردي وهو دعم ينطلق من الحضانة التاريخية لروسيا لأكراد الشرق الأوسط منذ عهد الاتحاد السوفييتي واستمر بعد تفككه وإن بوتيرة متفاوتة وأشكال مختلفة. وعندما جاء الرئيس الروسي بوتين إلى الحكم ونهض من جديد بروسيا ثم بعد تدخله مباشرة في سوريا تلقى أكراد سوريا دعماً كبيراً منه. وليس غريباًَ أيضا أن يترجم الموقف الروسي من أكراد المنطقة دعماً عسكرياً غير مسبوق قبل أيام لإقليم كردستان العراق أيضاً وعبر بغداد بالذات.

خلا ذلك فإن أكراد سوريا ووجهوا باعتراض شديد على إعلان الفيدرالية من جانب النظام السوري من جهة والمعارضة السورية المشاركة في مؤتمر جنيف. بطبيعة الحال فإن الإعلان لا يحظى بترحيب من أي من الدول الإقليمية المحيطة بسوريا. ورغم الخصومة بين مسعود البرزاني وعبدالله أوجلان فإن البرزاني أعلن تأييده لإعلان الفيدرالية في سوريا.

إعلان «فيدرالية روج آفا وشمال سوريا» لم يحظ بأي احتضان داخلي وخارجي. حتى أمريكا رفضت بشدة الإعلان. هذا لا يعني أن لاحظ له من التحقق. لكن على ما يبدو فإن إعلان الفيدرالية لم يكن يهدف في هذه المرحلة أن تتحقق بل أن تكون أداة ضغط على المؤتمرين في جنيف لتمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي فيها بعد استبعادهم عن الجولة الأولى. وإبعاد الأكراد عن المؤتمر هو خطأ كبير لجهة استبعاد مكون أساسي من السوريين في المؤتمر ومن دونه لن ينجح المؤتمر مهما بذل من جهود.

الهدف الثاني هو الضغط على الأطراف الإقليمية لتغيير موقفها من الأزمة السورية وعدم عرقلة الحل. وليس أفضل من التهديد بورقة الفيدرالية لتغيير مواقف هذه الدول.

لكن مع ذلك فإن إعلان الفيدرالية ليس خطوة في الفراغ إذ إن هناك سياقاً عاماً تمر به المسألة الكردية في الشرق الأوسط وما بدأ في شمال العراق قبل عشر سنوات يضغط على كل هذه المسألة أينما وجدت ويتيح لها أن تنفذ في لحظة ما من التوازنات والمصالح الدولية. والكلام الروسي والأمريكي كلاهما الذي صدر مؤخراً الملمح إلى فيدرالية في سوريا يجب ألا يستبعد من الحسابات.&