&حمد العامر
&سيظل التزام إيران في انتهاج مبدأ (تصدير الثورة) حسبما أعلنها المرشد الأعلى آية الله الخميني، واعتماد (نظرية ولاية الفقيه) التي تعتبر نظرية متطورة في الفكر السياسي الشيعي كنظام ديني سياسي يقوم على أساس وجوب سيطرة ولاية الفقيه على أنظمة الحكم في منطقة الخليج العربي وتوجيه سياساته الداخلية والخارجية وتأزيم الأوضاع الداخلية وتأجيج الطائفية والخلافات القبلية في المجتمعات العربية، سبباً مباشراً لاستمرار حالة التوتر وعدم الاستقرار القائمة في منطقة الخليج العربي.
وستظل المحاولات الإيرانية لإعادة ترطيب علاقاتها مع دول الخليج لإزالة حالة التوتر من خلال مبادرات الحوار السياسي أو طرح فكرة إنشاء منظومة اقتصادية مع دول مجلس التعاون ليست سوى محاولات فاشلة لا تحمل الجدية المطلوبة فعلا لإعادة (الثقة) المفقودة، تلك الثقة التي عمودها الفقري عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم استخدام القوة لحل النزاعات الإقليمية، ما يستوجب على إيران إنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث إما بالتفاوض المباشر أو بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية، والكف عن تدخلها المقيت في الشؤون الداخلية لدول الخليج، وعدم تأجيج شعوبه على أنظمته الشرعية، عندها يمكن أن يبدأ الحوار السياسي الخليجي الإيراني.
لذلك فإن القراءة الدقيقة للواقع السياسي، والبحث المتعمق، وطرح الأفكار والحلول الموضوعية بحرية وقناعة تامة، هو السبيل الأمثل لبلورة الرؤى الهادفة إلى تحقيق الأمن والأمان الذي يطمح إليه قادة وشعوب دول مجلس التعاون.
فمنطقة الخليج العربي تواجه تهديدات غير مسبوقة في تاريخها، ليس بسبب الخطر الخارجي فقط، وإنما بسبب الأخطار القادمة من دول الجوار الإقليمي التي وظفت العنصر القومي الأيديولوجي كوسيلة استراتيجية رخيصة لزعزعة استقرار المنطقة لتحقيق أهدافها وتنفيذ مخططاتها التوسعية بالهيمنة عليها، كما هو الحال مع العراق الذي احتل دولة الكويت، واستغلال إيران للعنصر الطائفي بشكل مقيت بإطلاق خلاياها في دول مجلس التعاون لتحقيق مصالحها المعروفة تماما، ودعمها لحزب الله - الذراع الإيرانية في المنطقة العربية - والذي أثبتت الأحداث دوره التخريبي في لبنان والعراق وسوريا والبحرين واليمن والكويت.
فأمن الخليج يتشكل في أبعاد ثلاثة هي (الآني والمتوسط والبعيد) وهذه الأبعاد تأخذ شكل تحديات (أمنية وسياسية واقتصادية وديموغرافية)، فمنطقة الخليج العربي محاطة بمؤامرات من جميع الجهات، ابتداء من الحروب في سوريا واليمن، والصراع في العراق، وليس انتهاء بالمؤامرات التي تعرضت ومازالت تتعرض لها السعودية والكويت والبحرين بتخطيط وتدبير إيراني واضح باستخدام خلاياها في دول الخليج وذراعها (حزب الله).
وأمام هذه الأوضاع المعقدة والمتشابكة لا سبيل أمام دول مجلس التعاون لمواجهة هذه التحديات إلا باتحاد جهودها للتعامل معها فوريا ومعالجتها معالجة دقيقة وتطويق المخاطر القائمة، وذلك عبر تغيير سياسة تعاملها معها من سياسة (الدبلوماسية الوقائية) الملتزمة بقواعد حسن السلوك وحل القضايا بالتفاهم وإزالة التوترات بالحوار الصريح وتكثيف التواصل وإقامة علاقات متينة وفق مبدأ تبادل المصالح، إلى (سياسة الاشتباك) عبر استخدام أساليب الهجوم الدبلوماسي والعسكري في آنٍ واحدٍ لدرء الأطماع والتهديدات وتعزيز السيادة الوطنية والأمن والاستقرار المنشود في منطقة الخليج.
وذلك بعد أن استخدمت النوايا السليمة التي تحملها الدبلوماسية الخليجية لتحقيق أطماع إقليمية أدت إلى اضطراب منظومة التفاهم الإقليمي وارتفاع درجات الشك والتوجس بين دول الإقليم وتهييج شعوب دول مجلس التعاون ودعوتها للتمرد على أنظمتها الشرعية وتحدي حكوماتها أو الانقلاب عليها.
ومن جانب آخر، فإن الاعتماد المطلق على النفط كمورد أساس تقوم عليه مفاصل دول الخليج، وعدم استقرار المناخ الاقتصادي الدولي، وانهيارات أسواق المال الدولية، كلها تشكل تحدياً استراتيجياً كبيراً على المدى المتوسط، فمنطقة الخليج تمر حالياً بأزمة اقتصادية خانقة بسبب الهبوط الحاد في أسعار النفط في الأسواق العالمية المضطربة، حدت بالحكومات الخليجية للقيام بإجراءات تقشفية واضحة وغير مسبوقة في تاريخها انعكست آثارها السلبية على شعوب المنطقة التي لم تعتد على تلك السياسات المرتكزة على رفع الدعوم المقدمة لكثير من السلع والخدمات.
وهذا يتطلب تحصين اقتصاديات دول الخليج بشكل عاجل باستكمال جميع مراحل التكامل الاقتصادي من خلال إقامة السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والاتحاد النقدي، لتتم معاملة مواطني دول الخليج معاملة مواطني الدولة في جميع المجالات الاقتصادية لخلق بيئة اقتصادية خليجية تستوعب الصدمات الخارجية بأقل الأضرار والتكاليف، وتوفر فرصا استثمارية خليجية لرأس المال الخليجي لتمكينه من بناء وحدات وهياكل اقتصادية تعزز فرص العمل لمواطني مجلس التعاون.
كما يواجه دول مجلس التعاون تحد آخر يتمثل في اختلال التركيبة السكانية وما نتج عنه من مخاطر على الواقع الخليجي وتهديدات سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، تشعبت وتفاقمت بسبب عدم رسم وتنفيذ الخطط الواقعية لدراسة ومعالجة تلك الآثار الخطيرة سواء على المدى المنظور أو على المدى البعيد ما يؤثر سلباً على خطط التنمية في دول الخليج.
وأضع أمام القارئ بعض الإحصائيات التي توضح فداحة التحدي الديموغرافي الذي تواجهه دول مجلس التعاون:
1. تؤكد دراسة لمجلة (The Economist) البريطانية، أن دول مجلس التعاون تشهد أسرع معدل نمو سكاني في العالم سوف يصل إلى (53 مليون) نسمة بحلول عام (2020م)، أي بنسبة (30%) غالبيتهم تحت سن (25) عاماً، ما يشكل تحديا حقيقيا لقدرة دول المجلس على توفير فرص عمل للشباب وتلبية حقوق هذه الزيادة الرهيبة في السكان.
2. تأتي دول مجلس التعاون في المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية في حجم التحويلات المالية الخارجية بلغت (100 مليار دولار) عام (2014م)، وهو ما يعني فقدان دول المجلس أموالا طائلة كان الأجدى توظيفها في مجالات التنمية عموما.
ومن جانب آخر، فإن المشاكل المتوقعة من الجيل الثاني من العمالة الوافدة في سوق العمل الخليجية تشكل معضلة كبيرة، فمسألة الحفاظ على الهوية الخليجية والسلم الأهلي والتماسك الاجتماعي والهوية الثقافية الخليجية أمر غاية في الأهمية، وأمر مواجهة التحدي الديموغرافي بشكل عام وما يتبعه من آثار ومشاكل خطيرة يتطلب علاجاً حاسماً بتنفيذ إجراءات تصحيحية بشكل متدرج وهادئ تراعى فيه مصالح دول الخليج من جميع الجوانب.
وأمام ما ذكرته من أسباب وأبعاد مختلفة، يصبح أمر العلاقات الخليجية مع دول الجوار الإقليمي حالة استراتيجية هامة تتطلب وضع أسس ثابتة تحدد مسار هذه العلاقات وتوجيهها لخدمة مصالح دول مجلس التعاون وشعوبها بما يدعم وحدتها واندماجها وسيادتها ويحمي استقلالها الوطني ويعزز دورها الإقليمي والدولي الفاعل على كافة المستويات.
&
المحلل السياسي للشؤون &الإقليمية ومجلس التعاون
التعليقات