&&إياد أبو شقرا& &&

أعلن دونالد ترامب، المرشح الرئاسي الأميركي عن الحزب الجمهوري، خلال الأيام القليلة الماضية فريق مستشاريه السياسيين والاقتصاديين، وأسند ملفات شؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ومكافحة الإرهاب – على اعتبار أنها للأسف باتت ملفات متداخلة وأحيانًا مترادفة في هذه الأيام السيئة – إلى الدكتور وليد فارس. كذلك استقالت تولسي غابارد، عضو الكونغرس الديمقراطية عن ولاية هاواي، من منصبها كنائب رئيس للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي وانضمت لحملة المرشح الرئاسي اليساري بيرني ساندرز اعتراضا على ما اعتبرته تضييقًا على المتحفظين عن حرية الرأي في موضوع ترشيح هيلاري كلينتون.

الدكتور فارس لمَن لا يعرف عنه الكثير ناشط سياسي وأكاديمي لبناني - أميركي مسيحي يميني، كان لفترة لا بأس بها إبان الحرب اللبنانية قريبًا جدًا من الميليشيات المسيحية التي تبلوَرت بعد عدة مخاضات وانشقاقات وصراعات بـ«القوات اللبنانية». ومع أن المجال لا يتسع هنا للخوض لا في تاريخ الحرب اللبنانية ولا التطور التنظيمي أو «المنجزات» الميدانية للقوى التي قاتلت فيها تحت مختلف الشعارات، يمكن قول ما يلي:

أولاً، أن حزب «القوات اللبنانية» بشكله التنظيمي الحالي حزب سياسي مدني لديه نوابه في البرلمان اللبناني، وهو من القوى التي وافقت على نزع سلاح بعد «اتفاق الطائف للوفاق الوطني» الذي أيدته قيادته.

ثانيًا، أن «القوات» كان في الأساس ميليشيا جامعة جاءت حصيلة لما عُرف بمشروع «توحيد البندقية المسيحية» الذي أشرف على تنفيذه الراحل بشير الجميل قائد ميليشيا حزب «الكتائب اللبنانية» في وجه قوى ما كان يعرف بـ«الحركة الوطنية» وأحزابها وميليشياتها اليسارية والعروبية، وفصائل المقاومة الفلسطينية. والقصد، أن ميليشيا «القوات» من الناحية التنظيمية جمعت عدة فصائل وجماعات بجانب «الكتائب» أبرزها ميليشيا «نمور الأحرار» (التابعة لحزب الوطنيين الأحرار) و«التنظيم الماروني».

ثالثًا، بعد اغتيال بشير الجميل في خريف 1982 – في أعقاب انتخابه رئيسًا للجمهورية – برزت عدة قيادات تنافست وتصارعت طويلاً على قيادة «القوات»، فخرج منها مَن خرج وقُتل مَن قُتل واعتزل السياسة مَن اعتزل. وانتهى الصراع بتولّي الدكتور سمير جعجع، الذي كان في شبابه «كتائبيًا»، زعامة الحزب. غير أن عددًا من قدامى «القوات» ما بايعوه ولا أيّدوه، وما زالوا بعيدين عن الحزب.

الدكتور فارس، الذي غادر لبنان عام 1990 – كما تشير بعض المصادر – وتابع دراساته العليا في الولايات المتحدة، حيث حصل على الدكتوراه في جامعة ميامي بولاية فلوريدا، اشتهر في وسائل الإعلام الأميركية والفضائيات معلّقًا سياسيا محافظًا وخبيرًا في شؤون الإرهاب، كما أنه في مرحلة ما من عمره تولّى منصب أمين «الاتحاد الماروني العالمي». والواضح من كتاباته ومواقفه أنه يتبنّى طروحات اليمين الجمهوري الأميركي، الذي يطغى عليه فعليًا اليمين المسيحي. وجاء اختيار دونالد ترامب له ليكون مستشاره لشؤون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ومكافحة الإرهاب، وبالذات، في أعقاب مواقف ترامب المثيرة للجدل ضد المسلمين، ليؤكد أن تلك المواقف لها خلفياتها، ولم تأت مصادفة.

لكن مواقف ترامب السلبية إزاء المسلمين ليست أسوأ بكثير من منافسه المباشر السيناتور تيد كروز الذي أثارت مواقفه حرجًا كبيرًا إبان مؤتمر «دفاعًا عن مسيحيي الشرق» في واشنطن خلال سبتمبر (أيلول) 2014. إذ اضطر بطريرك أنطاكية للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام (ابن مدينة داريّا المحاصرة بضواحي دمشق) للانسحاب من حفل العشاء مع عدد من الحضور عندما أصرّ كروز على القول للجمهور الحاضر إن المسيحيين العرب لن يجدوا حليفًا أفضل من إسرائيل. غير أن مطالبة ترامب صراحة بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة تجاوزت حتى تطرّف كروز وأظهرت منافسه «قريبًا من الاعتدال» إلى حد ما. ومن ثم، إذا كان للدكتور فارس دورٌ حقيقي في مواقف ترامب الأخيرة، فهذا مؤشّر غير مطمئن لمستقبل العلاقات بين «واشنطن – ترامب» وعالم عربي محبط وخائب الأمل أفقدته سياسات الإدارتين الأميركيتين الأخيرتين غير الودية حياله الكثير من الثقة وحسن النية.

في المقابل، من المثير تفحّص سجل النائبة غابارد، وهي الهندوسية الوحيدة في الكونغرس، وأول نائب من جزر ساموا بالمحيط الهادي، وعضو لجنتي الدفاع والشؤون الخارجية. غابارد (34 سنة)، التي زارت في أواخر عام 2014 رئيس وزراء الهند الهندوسي المتشدد ناريندرا مودي، من أشد معارضي أي تدخل أميركي لإسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد، بل تعتبر بقاء الأسد «ضمانة لإلحاق الهزيمة بالمتطرفين الإسلاميين». كذلك تربط غابارد – ككثيرين في التيار الليبرالي في الحزب الديمقراطي – رفضها استخدام القوة ضد الأسد (رغم خلفيتها العسكرية) بخطأ التدخل العسكري من قبل في العراق. وهي تدعم ساندرز خصوصًا لأنه كان ضمن قلة ضئيلة في الكونغرس عارضت غزو العراق عام 2003.

هنا نحن أمام حالتين متناقضتين، لكنهما لا تخلوان من تطرّف: الأولى محافظة بصورة بعيدة عن المنطق، والثانية ليبرالية... أيضًا بصورة بعيدة عن المنطق.

إننا كعرب أمام وضع ينطبق عليه، ولو بالنسبة للأميركيين، قول شاعر «اليتيمة» دوقلة المنبجي:

ضدّان لما استجمعا حسنا والضدّ يظهر حُسنه الضدُّ

وحقًا، زيّن تطرّف الجمهوريين تحت قيادة «المحافظين الجدد» وعدوانيتهم في عيون المواطن الأميركي العادي – ناهيك من ناخب الحزب الديمقراطي – «ليبرالية» باراك أوباما. واليوم ها هي سياسات أوباما السلبية الانكفائية والاسترضائية تثير ردّ فعل جمهورية محافظة ومتطرّفة إلى حدّ العنصرية والطائفية الفاقعة... يستفيد منها ديمقراطيًا بيرني ساندرز.

لذا أزعم أن من مصلحة أميركا، أولاً والعالم ثانيًا، ألا يكتب النصر لا لدوغماتية اليمين المتشدد متمثلاً بترامب ولا لدوغماتية اليسار المثالي متمثلاً بساندرز. بل المأمول بعض المنطق والكثير من الواقعية الإيجابية، وهذا ما يبدو أن «مؤسستي» الحزبين تشعران به، وما تعملان للتوصل إليه قبل الوصول إلى المؤتمرين الحزبيين الوطنيين خلال الصيف، وطبعًا، قبل فوات الأوان.

من حق العالم أن ينتقد أميركا، لكن أميركا ما زالت القوة العالمية الأكبر حتى لو نسيت هي ذلك.

&

&